الوطن العدنية/المصدر اونلاين
في مشهد سياسي وعسكري معقّد تشهده محافظة السويداء جنوب سوريا، اصطفت ميليشيات مدعومة من إيران، مثل الحوثيين في اليمن وفصائل الحشد في العراق وحزب الله في لبنان، مع الكيان الاسرائيلي الذي تدخل في الأحداث عسكرياً تحت ستار "دعم الأقليات الدينية" و"حماية الدروز"، ما يثير تساؤلات عميقة حول الأجندات الحقيقية لهذه الأطراف في المنطقة.
بدأت الأزمة الأخيرة في السويداء على خلفية توترات أمنية بين فصائل درزية محلية ومسلحين من العشائر البدوية، قيل إنها بعد حادثة سرقة على طريق دمشق – السويداء، تطورت بسرعة إلى مواجهات مسلحة دامية ولازالت مستمرة حتى مساء السبت في حال لم يُطبق إعلان وقف اطلاق النار الذي أعلنته وزارة الداخلية السورية الساعات الأخيرة.
وسرعان ما اتخذت هذه الاشتباكات التي استمرت بُعداً طائفياً وعنصرياً، حيث ارتُكبت انتهاكات مروعة بحق المدنيين من أبناء العشائر على يد فصائل درزية محلية بدعم اسرائيلي.
وفي ذروة التصعيد، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية تحت ذريعة "حماية الدروز"، ورفع عدد من عناصر الدروز أعلام انفصالية إلى جانب علم الاحتلال في بعض مناطق التوتر.
بموازاة الغارات الإسرائيلية على الجنوب السوري، برزت مواقف لافتة من عناصر ميليشيات مدعومة من إيران، أبدت فيها دعماً صريحاً لفصائل درزية في السويداء ضد أبناء القبائل ورجال الأمن، في موقف يُفسَّر على أنه اصطفاف مذهبي وطائفي بامتياز، لاسيما بعد فقدان طهران وأذرعها نفوذها المباشر في سوريا منذ نحو عام، عقب سقوط نظام بشار الأسد، الذي مثّل لعقود حليفًا رئيسياً للمحور الإيراني في المنطقة، وكان جزءاً من مشروع شيعي قمعي دموي ضد السوريين.
ورغم الخطاب الاعلامي الرسمي الذي يصدره قادة إيران وميليشياتها، والذي زُيِّن بشعارات التضامن مع سوريا ووحدة أراضيها، إلا أن مواقف هذه العناصر ووسائل إعلام محسوبة عليها، كشفت عن تضامن واضح مع فصائل درزية متهمة بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، وتبرير غير مباشر للغارات الإسرائيلية تحت ذريعة "حماية الأقليات".
منذ اللحظات الأولى لاشتعال المواجهات في السويداء، تحوّلت قناة "الميادين"، التابعة لحزب الله في لبنان، إلى منبر يروّج لروايات مشبوهة، تضمنت إشاعات مثل اغتيال وزير الدفاع السوري وفرار الرئيس السوري "أحمد الشرع" — روايات وثّق ناشطون انتشارها عبر صفحات القناة الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن تقوم القناة بحذفها.
كما قامت القناة بتضخيم صوت الفصائل الدرزية المدعومة إسرائيلياً، وتداولت بياناتهم واحداً تلو الآخر دون التحقق من فظائع موثقة ارتُكبت بحق المدنيين، وسط صمت من هذه القوى التي لطالما ادّعت أنها في "خندق واحد" مع "الشعوب المقهورة في مواجهة الاحتلال".
الكاتب العراقي المقرب من الحشد الشعبي، أحمد عبد السادة، دعا الدروز إلى "استنساخ التجربة الأمنية للشيعة في العراق"، في إشارة إلى تهجير سكان السويداء حيث قال: "كما تم طرد حواضن داعش من منطقة (جرف الصخر) في محافظة بابل العراقية وتطهيرها وتحويلها إلى (منطقة منزوعة السكان)، ينبغي على الدروز السوريين أن يطردوا حواضن داعش (عشائر البدو من محافظة السويداء بلا رحمة وبلا تهاون".
وعبّر الناشط الحوثي حسين الأملحي، عن "دعمه للدروز" في السويداء، من خلال تغريدات ومنشورات ذات طابع طائفي واضح، هاجم فيها العشائر والسلطات السورية، وأشاد بعمليات الفصائل الدرزية المدعومة من الاحتلال الإسرائيلي ضد العشائر وقوات الأمن.
في إحدى تغريداته، كتب الأملحي "الله ينصركم يادروز" وقال أيضاً: "دقّوا خشوم عصابات الجولاني في السويداء رغم لبسهم لباس مدني"، مضيفاً في منشور آخر: "وزير الدفاع السوري التابع للجولاني تم استهدافه بالطيران الإسرائيلي".
في السياق ذاته، وصفت صفحة "إيران بالعربية" – التابعة لنظام طهران – أبناء القبائل والعشائر الذين يواجهون الفصائل الدرزية في السويداء، بأنهم "إرهابيون" تابعون لـ"هيئة تحرير الشام"، وهذا بالطبع يبرر للغارات الإسرائيلية التي استهدفت مناطقهم.
الصفحة تناولت أيضاً أنباءً عن عمليات اغتيال ناتجة عن تلك الغارات، في سرد إعلامي يُظهر انحيازاً واضحاً للدروز المدعومين من إسرائيل، ويُحمّل أبناء العشائر مسؤولية التصعيد رغم تعرضهم للقصف والاعتداءات.
هذا الخطاب الطائفي الذي يُجمّل ضمنياً التدخل الإسرائيلي ويمتدح مجازر داخلية، يعكس بوضوح تقاطعاً في المصالح بين فصائل طائفية مدعومة من إيران، وبين أجندة الاحتلال الساعية إلى تفتيت سوريا تحت ستار "حماية الأقليات".
أما رئيس شؤون الأسرى التابعة للحوثيين عبدالقادر المرتضى فقد قال: كنا نتمنّى أن يتحرك نظام الجولاني لمواجهة العدوان الإسرائيلي كي نتمكن من مساندته والوقوف معه لكن للأسف انهار أمام عشرات الغارات الإسرائيلية وخضع للإملاءات الأمريكية.والمطالب الإسرائيلية!! فكيف نسطيع الوقوف مع من لم يقف مع نفسه..؟! كأنهم مصممين لقتال غير الإسرائيليين فقط.!!"، حسب زعمه، مع علمه أن الأسد لم يطلق صاروخا واحداً طيلة عقود من حكم سوريا واحتلال إسرائيل للجولان.
الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، "الدورزي" المتحالف مع حزب الله، دعا "المقاومة اللبنانية" لدعم الفصائل الدرزية في السويداء، رغم ارتباطها المباشر بالتدخل الإسرائيلي، في موقف اعتبره متابعون اصطفافاً غير مبرر ضد الدولة السورية وتحالفاً مع الاحتلال.
وقال وهاب الذي عُرف بدعمه الدائم لنظام الأسد في منشور عبر منصة "إكس": "نطالبكم رسمياً بالوقوف ومدّ الناس بالسلاح والخبرات. دخول السويداء لا يعني سقوط الجبل.. الشباب والمقاتلون في كل القرى."
و بالتزامن مع غارات إسرائيلية على سوريا حذر وهاب الرئيس الشرع قائلاً: "لم يحارب أحد الدروز يا جولاني إلا وكان مصيره السقوط. لأنهم لا يعتدون على أحد. هذا هو السر"، حسب قوله.
وذهب وهاب إلى أبعد من ذلك، مطالباً بانسحاب من وصفها بقوات "الجولاني" لمسافة 30 كيلومتراً خارج محافظة السويداء، مهدداً بالتعامل مع أي وجود أقرب من هذه المسافة، وأضاف: "اليوم وصلت الرسالة لأحمد واضحة.. كرسيك مقابل السويداء. تعقّل قبل أن تختار."
وفي منشور آخر، دعا وهاب المدنيين إلى المشاركة في دعم المعارك قائلاً: "كل شخص لا يحمل سلاحاً، فليخرج ويساهم في التدشيم وإمداد المقاتلين."
كما كتب في تغريدة منفصلة: "سلمت يداك يا حافظ الأسد، لقد أدركت خطر الإرهاب المتلطي بالدين منذ خمسين عامًا. تحية لكل ضباط وجنود الجيش العربي السوري والمقاومة الذين قاتلوهم طيلة سنوات."
وقد وثّق ناشطون عشرات التغريدات الطائفية والتحريضات التي أطلقها وهاب ضد أبناء العشائر وقوات الأمن والسلطات السورية، ما يعكس انحيازاً طائفياً واضحاً، وتجاهلًا للبعد المحلي والوطني في الأزمة السورية الراهنة.
بدوره قال العراقي عصام حسين إن "ثوار العشائر.. الهوية البصرية الارهابية في العراق وسوريا"، مؤكدا في سلسلة تغريدات له دعمه لعمليات الدروز في السويداء.
ردود مضادة
في سياق التفاعل مع الخطاب الإعلامي الموالي لمحور إيران بشأن أحداث السويداء، جاءت ردود عدد من النشطاء والصحفيين العرب لتكشف عمق الاستياء من ازدواجية المعايير، وتناقض الطرح بين ما يُقال عن "المقاومة" وبين الواقع العملي في دعم انفصال فصائل طائفية متحالفة مع إسرائيل.
الناشط سيف المثنى انتقد ما وصفه بـ"اللغة الكيوت" الصادرة عن المغردين العرب وإعلام المحور تجاه الدروز في السويداء، وقال في تغريدة له: "اللغة الكيوت التي تصدر من المغردين العرب، وإعلام المحور نحو الدروز، والهجوم الوقح على الدولة السورية، يكشف حقيقة مرضهم العقلي وتشوهات أفكارهم".
وأضاف: "هؤلاء هم شريحة المنافقين والأبواق، والتي هي نتاج كائنات نفاقية ظننا أن نموّها توقف عند حدود بيولوجيا التملق المعروفة، لكنها فاجأتنا بحدة الظهور المسعور."
وفي السياق ذاته، علّق الصحفي اليمني محمد الحيدري على تغريدة للكاتب العراقي أحمد عبد السادة، قائلاً: "كل فرق الشيعة ستقاتل في صف اليهود، وقد تكرر هذا كثيرًا في التاريخ. هذا الأخو عراقي من تيار الصدر، أظن".
أما الناشط "أبو العز"، فسلّط الضوء على التناقض الواضح بين المواقف العلنية والواقع الإعلامي، قائلاً: "أمر ملفت وخطير.. رغم بيان الحزب الرسمي، ما نراه على وسائل التواصل هو أن إعلام حزب الله، مثل الميادين وغيرها من كتاب وإعلاميين، يصطفون إلى جانب عملاء إسرائيل في السويداء. غلبوا البعد الطائفي والخصومة مع الثورة السورية على العداء لإسرائيل، التي تحتل وتقصف لبنان حالياً"
من جانبه، تساءل الصحفي العراقي عثمان المختار في تغريدة مقتضبة:"هل رأيتم أحداً منهم (الميليشيات) ندد بقطع رؤوس بدو السويداء والتمثيل بجثثهم؟"، في إشارة إلى الصمت الإعلامي والسياسي المطبق من قبل أذرع إيران تجاه الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها الفصائل الدرزية بحق المدنيين في السويداء.
واعتبر المفكر التونسي الدكتور محمد الهاشمي الحامدي أن ما يجري هو تحالف طائفي مفضوح بين بعض الدروز المدعومين من إسرائيل، وبين الميليشيات الشيعية المرتبطة بطهران، وعلى رأسها الحوثيون في اليمن.
وأكد الحامدي أن الدروز، من وجهة نظر مذهبية، يُصنّفون كفرع من فروع الشيعة، مشيراً إلى أن التاريخ يثبت أن الشيعة، ومنذ ظهورهم، كانت معاركهم في الغالب موجهة إلى داخل الصف الإسلامي، لا خارجه، باستثناء بعض الحالات النادرة. وأوضح أن استعانة حكمت الهجري، زعيم التمرد في السويداء، بإسرائيل، التي تنفّذ إبادة جماعية في غزة، لا يمكن فهمها إلا على أنها خطوة انفصالية تهدف إلى إخراج السويداء من كيان الدولة السورية، متسائلًا: "أليست هذه عبرة لكل عاقل، وتنبيه لكل مخدوع وغافل؟"
ورداً على منشور للناشط الحوثي حسين الأملحي، الذي أبدى فيه دعمه العلني للهجري، قال الحامدي إن مواقف أنصار الحوثي وطهران تعبّر عن وقوف كامل إلى جانب تمرد الهجري، حتى مع علمهم بتحالفه المباشر مع نتنياهو وتلقيه الدعم العسكري من الجيش الإسرائيلي.
وقال الحامدي إن إيران وأتباعها يصطفّون اليوم في خندق واحد مع إسرائيل، ليس فقط لضرب الدولة السورية، بل لكبت الأغلبية السنية في سوريا وإعادتها إلى حالة القمع والعبودية والاستبداد.
وأشار إلى أن ما ترتكبه ميليشيات الهجري منذ انسحاب قوات الحكومة من السويداء قبل أيام، من قتل وتمثيل بالجثث، يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، بل ويتفوّق أحياناً على ما تفعله قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وشدد الحامدي على أن من الظلم التعميم، وقال: "ليس كل الدروز مع حكمت الهجري أو مع إسرائيل"، وأن من واجب الإعلام والباحثين دائماً التمييز بين الطائفة ككل وبين الأفراد الذين يختارون الاصطفاف مع أجندات خارجية.
وفي تقييمه لموقف الشيعة عموماً من أحداث السويداء، قال الحامدي إنك لن تجد شيعياً واحداً — سواء كان حوثياً أو محسوباً على إيران — يصف ما فعله الهجري بأنه خيانة أو جريمة ضد الوطن والدين والطائفة.
وأوضح أن مواقفهم تنقسم بين من يعلنون تأييدهم العلني للهجري، ومن يبررون جرائمه ويغلفونها بالأكاذيب، ومن يصمتون عنها بينما يهاجمون الدولة السورية على محاولتها بسط سلطتها في الجنوب.
وأكد الحامدي أن إسرائيل ليست وحدها من تتربص بالعرب، بل إن إيران وأذرعها تلعب الدور ذاته. وقال إن تأخر الوعي بهذه الحقيقة، سواء على مستوى النخب أو الشارع العربي، ستكون تكلفته باهظة، وضريبته موجعة. واختصر ذلك بالقول: "عملياً، يفضلون السويداء إسرائيلية على أن تكون في حضن الدولة المركزية السورية".