منوعات

الأربعاء - 03 يونيو 2020 - الساعة 07:43 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/متابعات



عندما اجتاح وباء الطاعون أوروبا في القرن السادس عشر قيل للناس في لندن أن يبقوا في منازلهم لمدة شهر إذا ما أصيب شخص يعيش بينهم بالمرض، وكان يتم منح كل أسرة عصا بيضاء تعرف باسم "عصا الطاعون" يحملها أي فرد من الأسرة عندما يخرج لشراء احتياجاتها الأساسية، وكانت العصا بمثابة تحذير للناس في الشارع من أن حاملها يعيش في منزل فيه مريض بالطاعون، وبالتالي يتعين الابتعاد عنه.

وبعد مرور نحو أربعة قرون وفي خضم تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 تجددت التوصية للأسر التي يوجد فيها مصاب بالفيروس وهي ضرورة البقاء في المنزل، لكن في المقابل، وعوضا عن "عصا الطاعون البيضاء" وفرت التكنولوجيا الحديثة الكثير من الأجهزة الرقمية التي تستخدمها الدول لمراقبة تحرك أفراد هذه الأسر بهدف الحد من انتشار الفيروس في مناطق عديدة من العالم، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ للأنباء.

وتوجد اليوم أنظمة مراقبة يمكنها متابعة تحركات سكان العالم كافة بفضل الإشارات غير المرئية التي تصدر عن الهواتف الذكية التي نحملها في جيوبنا.

كما توجد طائرات مسيرة تحلق فوق المتنزهات داخل المدن والتي تصدر تحذيرات صوتية لأي شخص لا يلتزم بقواعد التباعد الاجتماعي، للحد من انتشار كورونا المستجد.

وهناك أيضا كاميرات تحديد الهوية من خلال تصوير ملامح الوجه بالأشعة تحت الحمراء والتي يمكنها تحديد ما إذا كانت درجة حرارة الشخص أعلى من المعدل الطبيعي، ثم تطبيقات رقمية يمكن تثبيتها في هواتفنا المحمولة لتحذيرنا في حال اقترابنا من شخص مصاب بكورونا.

ورغم أن هذه التكنولوجيا تقدم إمكانيات استثنائية يمكنها مساعدة المجتمعات في التعافي من الجائحة فإن جدلا حادا ثار بشأنها في ظل مخاوف من إمكانية استغلال الحكومات الجائحة لتعزيز سلطاتها في مراقبة الحياة الخاصة للمواطنين.

وفي هذا السياق، نشرت في أبريل/نيسان الماضي أكثر من 130 منظمة حقوقية -بينها هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية- خطابا مفتوحا تحذر فيه من توسيع سلطات الرقابة الحكومية للمجتمعات في ظل الجائحة.

وتقول رشا عبد الرحيم نائبة مدير قطاع التكنولوجيا في منظمة العفو الدولية "لا نقصد أن التكنولوجيا ليس لها دور في التعامل مع الجائحة، أو أن المراقبة لا يمكن أن تكون أمرا صائبا.. لكن تزايد الرقابة الرقمية يحتاج إلى الالتزام بشروط محددة إذا ما تم اللجوء إليها".

وأضافت أن أي مراقبة يجب أن تكون متناسبة بشكل صارم مع حدود الحاجة إليها، ويجب الاكتفاء بجمع الحد الأدنى المطلوب من البيانات الشخصية، وبما يرتبط فقط بإجراءات مكافحة الجائحة، وعلاوة على ذلك يجب أن ترتبط صلاحيات المراقبة المتعلقة بالجائحة بفترة تفشي الوباء العالمي، وأن تنتهي تلقائيا فور انتهاء الأزمة، لقطع الطريق على
استمرارها إلى ما لا نهاية.

وبحسب وكالة بلومبيرغ للأنباء، فإن هذه المخاوف ليست نظرية أو مبالغا فيها، فبعض الحكومات تستغل بالفعل أزمة "كوفيد-19″، لتعزيز صلاحياتها واتخاذ إجراءات يمكن إساءة استغلالها لاستهداف الساسة المعارضين.

ففي كمبوديا، تم تمرير قانون جديد يمنح السلطة صلاحيات واسعة لمراقبة الاتصالات، والسيطرة على وسائل الإعلام ومصادرة الممتلكات الخاصة، وفرض قيود صارمة على حرية التنقل، وتقول المنظمات الحقوقية إن السلطات الكمبودية تستغل الجائحة للتغطية على اعتقال وفي إسرائيل، سمحت الحكومة لجهاز المخابرات باستخدام نظام مصمم لمكافحة الإرهاب في تعقب هواتف ملايين المواطنين خلال الجائحة.

وفي الوقت نفسه، وفي ظل إغلاق مكاتب الهجرة ونقاط العبور الحدودية أمرت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل بتنزيل تطبيق على هواتفهم الذكية للتأكد من موقف إقامتهم.

ووفقا لتقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن لهذا التطبيق هدفا مزدوجا، حيث يسمح للجيش الإسرائيلي بتتبع تحركات الفلسطينيين والاطلاع على اتصالاتهم والرسائل التي يتلقونها عبر هواتفهم الخلوية.

وتقول شوشانا زوبوف مؤلفة كتاب "عصر رأسمالية المراقب" والأستاذة في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد الأميركية إن المخاطر الأساسية هي أن الدول الديمقراطية تميل نحو نماذج سلطوية في جهودها لاحتواء جائحة كوفيد-19.
ورغم ذلك فإن نظرة شوشانا زوبوف إلى العالم بعد انتهاء الجائحة تميل إلى التفاؤل، حيث تقول "لا أتفق مع القول إننا نتجه نحو مستقبل نخضع فيه للرقابة الصارمة، يوجد شيء حتمي حاليا، لكن هذا يعني أن علينا ان نتحلى باليقظة، وعلينا التحرك نحو الأمام ومضاعفة الرهان على الديمقراطية باعتبارها السبيل لتجاوز الجائحة بأقل قدر من التضحية بالحقوق والحريات