مقالات وآراء

السبت - 22 يونيو 2024 - الساعة 02:17 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب/أحمد سيف حاشد


تناقض جم ينهش وعيي.. مشاعر محتدمة كأمواج بحر يتلاطم لُجُّهُ، وفي الوجه الآخر يعترك مع جبال شواطئه الصلبة، والطقس مضطرب منفلت مجنون.. أوهامي دوامة بحر تركض بعدي، تلاحقني وتدور ولا تتعب.. حالي حال رجل تلبّسه شيطان في نوبة غليان. وأحايين أخرى أشعر بالضيق، كمعتقل في زنزانة أضيق من قبضة يد، ليس فيها فسحة، أو منفس أجمع فيه أشتاتي وشوارد أفكاري من أرجاء التيه.

مضطرب متناقض بين الفعل وضده.. بين أن آتيها لطلب اليد، وتردد أكبر منه.. زحام من حزن، وفرج يشق طريق الضيق.. حصار يسد الطرقات، وأمل في وجه جدار من يأس يحاول أن يحفر منفذ نور.. أحياناً تضيق الجدران وتطبق فكيها على صدري ككماشة.. جدران ونتوءات تنشب أنياباً وأظفاراً في جسدي المنهك، فأبدو مصعوقاً ومصاباً بنوبة ضيق.

ألمحها فأحس بقلبي يقفز من بين ضلوعي كعصفور يخرج من قفص حديد، أو إنسان حر يتحرر من زنزانة التصق فيها الجسد العاري بنتوءات الجدران الحجرية، وعيون عاشقة للضوء تسملها العتمة.. تتحرر من أبواب صدئة، وأقدام وآذان تتحرر من رسف قيود وصليل حديد.

أبتهج بمقدمها كل صباح، وأرقص على إيقاع خطوات الحلم الراقص، وتشتد لحظات إرباكي، وتظهر جلية في السطح العاري، وأنا أحاول بكل قواي أداريها عن الأعين، وقد صارت أكبر منّي.. تتضاعف أضعافاً وأنا أحاول بمشقة أن أخنقها وأقمعها كدكتاتور.

عندما تعرض عنّي، ولا ترنو بطرف، أشعر ببعثرتي وتشظي روحي، وتناثر أشلائي ورجائي، وبحزن يضرب في بالغ أعماقي والوعي، وأرى قلبي مذبوحاً كعصفور، أو إبريق صار شظايا، أو كأسة أنيقة كانت تطربني، وقعت من سطح عالٍ، وارتطمت بقاع صلد.

كنت أريد أصارحها بحبي الجم، ورغبة تعصف بي، وطلبي لعقد قران، وزواج يدوم العمر، ولكن كنتُ أتأنِّي لألتقط منها إشارة قبول أو إيجاب، تساعدني على لملمة شجاعة خائف.. ألملمها من أطرف الأرض؛ وأحدث نفسي أن أكون جريئاً بعد الآن، وعندما لا أجد رداً أو بُداً أتردد خجلاً، والخوف يقمعني من أن ترفضني، وهذا الرفض كنتُ أراه سحقا للعمر الباقي.. داء لن أتعافى منه بدواء أو بإكسير السم، ولن تخرجني منه حتى قيامة.

في إحدى المرات كانت تومئ نحوي باليد اليمنى، وأنا شغف شارد في عالمها، متسمر في وجهتها، أنظرها بولع الحب الجارف.. بدت إيماءتُها صارخة الاستدعاء.. إيماء لي بوضوح أن آتي إليها!! كانت حركة يدها كبرق في ليل مسود يمنحني أملاً بقدوم الغيث.. كاد قلبي يقع أو يسقط دهشة.. يا هول مفاجأة أكبر من قدر قادم ببشارة.. نبوءة في حلكة جهل أسود.. ولادة أمل مثل الشمس في وجه اليأس المعتم.. تساءلت: هل يمكن يا الله أن يكون عبوري للضفة الأخرى بهذا اليسر!! ما أسعدني يا هذا الحظ !!

أحببت أن أستوثق أكثر من باب دفع الاستسهال، فيما كان قلبي يطير فرحاً ويصعد سماوات لا يبلغها الحالم.. قلت لنفسي لا بأس أن أتأكد، مما صار في ذهني مؤكَّداً، وظناً منّي أن الأمر يلزمه بعض رزانة، حتى لا أبدو أخف من الريشة في الريح..

رَدَدْت بإشارة من يدي المرتجفة بالشوق اللاعج، أستفسر إن كنت أنا المقصود بإشارتها.. فتبين أن إشارتها ليست لي، بل لزميلتها الواقفة خلفي كجذع النخلة.. في تلك اللحظة تمنيت أن تنشق الأرض وتبلعني مرات عشر.. تمنيت أن يخسف بي الرب وبالأرض التي تحت أقدامي إلى سابع أرض.

أوغلتُ في منطقة الحيرة، وترددتُ أكثر.. داهمني الظن العارم أني أحرث في بحر.. ظننت أن الرفض سيكون سيد موقفها، أما لغياب الود أو لفوارق طبقية.. فضلاً عن مانع آخر؛ فأنا أكبرها في العمر بعدد أصابع يد تخنقني بعد أن عاجلني الزمن ليضع الفرق خمساً أراها أكبر من عمر الشمس.. أنا لا أستحمل رفضاً يسحقني ويهزمني لآخر يوم في العمر.. لا أريد أن أتهور فتطويني كالرمة وترميني بكبر، أو تكسرني كزجاج لا يعود لسابق عهده.. تحاشيت كسراً لا يجبر ضرره حوريات الله في الجنة.

***