عربية وعالمية

السبت - 02 أغسطس 2025 - الساعة 09:58 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/متابعات


لم يستطع المدافعون عن إسرائيل إلا أن يعترفوا بالحقيقة أخيراً بعد أن صدمتهم الصور المروعة القادمة من غزة.

هناك شيء يتغير، فقد بلغ الضغط الدولي على إسرائيل ذروته بسبب صور الأطفال الفلسطينيين الجائعين التي صدمت ضمائر حتى مؤيدي إسرائيل القدامى. ولذلك أعلنت فرنسا في سبتمبرعن خططها للاعتراف بدولة فلسطينية. وأعلنت بريطانيا استعدادها للاعتراف بها، ما لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار وتلتزم بحل الدولتين.

يبدو أن الرئيس دونالد ترامب أبدى رد فعل حاد تجاه صور الأطفال المتألمين، رافضاً ادعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "لا يوجد مجاعة في غزة"، قائلاً: "يبدو هؤلاء الأطفال جائعين للغاية. هذا يبدو مجاعة حقيقية. أرى ذلك، ولا يمكنك تزييفه".

وتعالت أصوات مؤثرة من مؤيدي "لنجعل أمريكا عظيمةً مرة أخرى" ناقوس الخطر أيضاً، ومن بينهم النائبة مارجوري تايلور غرين، التي أصبحت أول جمهورية في الكونغرس تصف ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية".

ويرى ستيفن ك. بانون، مستشار ترامب السابق، تحولاً سياسياً أعمق: "يبدو أن قاعدة مؤيدي "لنجعل أمريكا عظيمةً مرة أخرى" الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، لا تحظى بدعم يُذكر لإسرائيل"، كما صرّح بانون لصحيفة بوليتيكو، "ومحاولة نتنياهو إنقاذ نفسه سياسياً بجرّ أمريكا إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط قد أبعدت شريحة كبيرة من مؤيدي "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" الأكبر سناً".

مع أن هذا قد يكون مبالغة في تقدير هذا التحول، إلا أن بانون محق في أن إسرائيل تفقد دعمها بين المحافظين. وحتى قبل أن تظهر أزمة المجاعة في وسائل الإعلام الدولية، قال 50% من الجمهوريين والبالغين ذوي الميول الجمهورية الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً إن لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل، مقابل 35% عام 2022.

وقد صرح ترامب بأن الولايات المتحدة ستعمل مع الأوروبيين لإنشاء مراكز توزيع طعام في غزة. وأمر نتنياهو بوقف القتال في 3 مناطق من غزة للسماح بدخول "حد أدنى" من المساعدات.

بالنسبة لآلاف الفلسطينيين، سيكون هذا قليلاً جداً ومتأخراً جداً؛ فاستئناف إسرائيل المؤقت للمساعدات بعد أن قطعت الإمدادات في مارس لن ينفع بعد ظهور أعراض سوء التغذية الحاد الذي يمكن أن يكون ضرره طويل الأمد، وخاصة لدى الأطفال. وتُكافح الأجساد التي أنهكها الجوع لاستيعاب حتى أبسط احتياجاتها الغذائية. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، فقد توفي ما لا يقل عن 111 شخصاً، من بينهم 81 طفلاً، جوعاً.

يجب أن تكون الأولوية الآن لمنع المزيد من المعاناة. والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو وقف إطلاق نار دائم وإنهاء حرب أودت بحياة أكثر من 60 ألف شخص، وربما عشرات الآلاف غيرهم، وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في مجلة لانسيت.

تكمن المشكلة في أن نتنياهو كانت لديه دوافع قوية لإطالة أمد الحرب. وبحلول يوليو من العام الماضي، قرر كبار الجنرالات أن الأهداف الرئيسية لإسرائيل قد تحققت. ولكن لم يحقق استمرار الحرب أي غرض عسكري واضح. ورغم ذلك واصل نتنياهو سياسته على أي حال لأن إنهائها كان سيعني انتحاراً سياسياً داخل ائتلافه اليميني المتطرف. وبمعنى آخر، لم يكن من الضروري أن تستمر الحرب لمدة 12 شهراً - وكل الدمار الناتج عنها.

لقد بدأ العالم ينتبه لهذا الواقع المرير. حتى أن بعض أشد المدافعين عن إسرائيل، مثل الصحفي حافيف ريتيغ، أقرّوا بوجود "جوع يائس" بعد أن أنكروا الأدلة لأشهر. وكتب أميت سيغال، كبير المراسلين السياسيين في القناة 12 الإسرائيلية، مؤخراً أن "غزة تقترب من أزمة جوع حقيقية".

إن هذه الاعترافات مترددة ومليئة بالتحذيرات. وأنا شخصياً أتردد في مدحهم على أدنى حد من الوعي الأخلاقي والنزاهة الإنسانية. لكن الأمر مهم.

لديّ أصدقاء فلسطينيون يقولون بأن منتقدي سلوك إسرائيل الصريحين حديثاً يتصرفون بسوء نية، وأنه كان عليهم أن يتحدثوا علناً في حين كان ذلك ليحدث فرقًا لآلاف الفلسطينيين الذين ماتوا بالفعل أو يتضورون جوعاً. كلامهم صحيح. لكن في الوقت نفسه، يجب أن تكون الحركة المؤيدة للفلسطينيين خيمة واسعة ترحب بكل من يرغب في التشكيك في مواقفها السابقة وتحديثها في مواجهة الأدلة الدامغة على جرائم إسرائيل ضد الإنسانية.

ولدي أمل أن يدرك المزيد من أشدّ مؤيدي إسرائيل حماسة كيف تلحق هذه الحرب وهذه الإبادة الجماعية وصمة أخلاقية دائمة بدولة يؤمنون بها وكرّسوا أنفسهم للدفاع عنها.

وحتى الآن، كلما قمت بتزويد المتشددين المؤيدين لإسرائيل بأدلة على ارتكاب إسرائيل أفعالاً سيئة، كانوا يُصرّون على ضرورة وجود تفسير. واعتقادهم هو أن إسرائيل دولةٌ صالحة، وبالتالي فهي غير قادرة على ارتكاب شيء مثل الإبادة الجماعية. ومن الصعب مجادلة من يرتكز إيمانهم على الإسقاطات لا على الحقائق.

وفي جميع الأحوال يجب أن يكون هناك خط أحمر لأنصار إسرائيل، وبالنسبة للكثيرين، يتم تجاوزه. وواشنطن وحدها تملك هذا النوع من النفوذ القادر على تغيير سلوك إسرائيل بشكل ملموس. لكن الإدارة تلو الأخرى لم تكن مستعدة لاستخدام هذا النفوذ. وأولئك منا الذين يدعون لمستقبل أفضل للفلسطينيين يجدون أنفسهم في موقف محرج، إذ يضعون ثقتهم في تقلبات ترامب، وهو أمر ليس جيدًا أبدًا، لكن هذا هو وضعنا الحالي.

في الحقيقة جاءت الأصوات متأخرة؛ حيث لا يمكن إحياء الموتى. ولكن لا يزال من الممكن إنقاذ الأحياء الذين من أجلهم يجب أن نكون مستعدين لقبول أي قرار لصالحهم حتى لو جاءت من جهات غير متوقعة. وهناك جهة مهمة وغير متوقعة الآن وهي إدارة ترامب.

وقد ينحني المنحنى الأخلاقي للكون نحو العدالة، لكنه لا ينحني من تلقاء نفسه - ولا ينحني بالسرعة الكافية. وإذا كان ترامب، من بين جميع الناس، قادراً على أن يكون أداة إنهاء هذه الكارثة، فعلينا أن نتجاوز كبرياءنا وشكوكنا وندعو أن يصبح رد فعله الغريزي تجاه الأطفال الجياع أكثر من مجرد كلمات.