مقالات وآراء

الثلاثاء - 05 أغسطس 2025 - الساعة 06:04 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/د.عارف عبد الكلدي

باستثناء جماعة الشيخ أبي الحسن المأربي التي فاصلت الشيخ ربيع المدخلي بعد وفاة الشيخ مقبل الوادعي مباشرة فإن بقية الجماعات السلفية المتفرّعة من دعوة الوادعي ظلت تنتظر وفاة المدخلي لترسيم الخارطة النهائية بينها، وحاليا يتم الترسيم النهائي مصحوبا بتوتر شديد لسانيا، وقد ينحو منحًى عنيفا، ونتمنى ألا يحصل ذلك.

أقوى هذه الجماعات جماعتان، هما: جماعة الشيخ يحيى الحجوري، وجماعة البقية من مشايخ الوصية الوادعية ما عدا أبي الحسن، وهي الجماعة الأكبر إن لم تنقسم على عدة مشيخات.

هاتان الجماعتان المتنافستان تريان رمزية الوادعي أقوى من رمزية المدخلي، ولكنهما لم يرغبا في قطع الخيط مع المدخلي لاعتبارات سياسية وتصنيفية، وهما بخلاف جماعتين أخريين أقل منهما حجما يريان رمزية المدخلي أقوى من رمزيه الوادعي، وكل واحدة من هاتين الجماعتين الصغيرتين ترى أنها أحق بالمدخلي من غيرها.

هذه الجماعات كلها تتنازع على مسمى السلفية، باستثناء جماعة أبي الحسن التي اتخذت خطوة من فترة متقدمة عندما أطلقت على نفسها مسمى (رابطة أهل الحديث) وبهذا خرجت من مشكلة النزاع على وكالة السلفية بطريقة ذكية، ولكنها غير منصفة لأنها تستفرد بمسمى أهل الحديث وهو اسم عام ليس لهم وحدهم.

وهنا لابد من توضيح مهم حول مسمى (أهل الحديث) و(السلفية) وهو أن الوادعي بدأ في السعودية وليس في اليمن، وبالتحديد في المدينة النبوية عندما انضم هناك إلى جماعة متأثرة بالشيخ الألباني اسمها (جماعة أهل الحديث) تميزت عن الدعوة الوهابية السائدة في السعودية باهتمامها بعلم الحديث، وبعدم اتّباعها لأي مذهب فقهي، وبهذا خالفت المذهب الحنبلي الذي كانت تتبعه الدعوة الوهابية، وقد أدى هذا الاختلاف إلى إبعاد الشيخ الألباني من المملكة السعودية التي دخلها أستاذا للحديث في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

وبقي من أثر الألباني في المدينة هذه الجماعة التي انضم إليها الوادعي وصار من كبارها، وقد كثر منتسبوها إلى درجة أنها كانت تجوب صحاري وأرياف المملكة السعودية تدعو إلى منهجها بالطريقة نفسها التي كان الوادعي وأتباعه يطوفون بها على حواضر وأرياف اليمن، فأصل الفكرة الدعوية الوادعية اليمنية أتى من طريقة جماعة أهل الحديث في السعودية، ولعله لهذا السبب برز التنافس مع جماعة الدعوة والتبليغ التي تشاركهم في هذه الصفة، والتي حكمت عليها جماعة أهل الحديث بالجهل ثم بالبدعة والضلال.

عندما عاد الوادعي إلى اليمن أسس (دار الحديث بدماج) امتدادا لتلك الجماعة في المنهج والتسمية، وبهذا ندرك أن مسمى (أهل الحديث) هو الاسم القديم لجماعة الوادعي، ولكن حصل تغيير اسمهم إلى (السلفية) على يد الزعيم الروحي لهذه الجماعة وهو الشيخ الألباني.

والسبب أن الألباني لاحظ أن هؤلاء المتأثرين به بدأوا يصفون أنفسهم بأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وأنهم أهل السنة والجماعة، فخشي عليهم من الغلو في التبديع، ومن احتكارهم لمسمى أهل السنة والجماعة فأطلق عليهم هذا الاسم (السلفيين) وعرّفهم باعتبارهم فصيلا من فصائل أهل السنة والجماعة لا غير، ويعني وصف (السلفيين) عنده بدرجة أساسية أنهم غير متمذهبين بمذهب فقهي معين وينسبون إلى السلف بشكل عام.

ولكن الأمر الذي خشي منه الألباني صار واقعا مع الوادعي والمدخلي، فقد صارت (السلفية) عندهما مرادفا لأهل السنة والجماعة وصار من لا يسلك مسلكهما من المشايخ والدعاة وطلاب العلم يُصنّف مبتدعا ضالا، وهذا فرق من أبرز الفروق بين الألباني من جهة وبين الوادعي والمدخلي من جهه أخرى، على أن المدخلي أشد من الوادعي في هذا التصنيف ولا سيما مع الجماعات السُّنية الحركية.

لنعد إلى هذه المرحلة من تاريخ الجماعات السلفية في اليمن وهي مرحلة ما بعد وفاة المدخلي التي تشهد تنازعا حادا حول السلفية؛ وهو ما يعني التنازع على وصف الفرقة الناجية، وعلى مسمى أهل السنة والجماعة، وسيتبعه تبديع وتفسيق متبادل وإخراج السلفيين المنافسين من الفرقة الناجية في الجنة إلى الفرق الهالكة في النار سيتبع ما هو حاصل فعليا بينهم من ذم شديد وهجر وتقاطع، وهذا أمر خطير نتمنى من هذه الجماعات أن تتجاوزه وتتعايش مع بعضها البعض ومع غيرها بسلام، على الأقل بالرجوع إلى طريقة كبار العلماء الذين يجلّهم ويحترمهم جميع السلفيين مثل ابن باز والعثيمين والألباني.

* (من صفحة الكاتب على فيس بوك)