أخبار محلية

الجمعة - 08 أغسطس 2025 - الساعة 04:52 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/الأيام_فردوس العليمي

معلمون: لسنا ضد التعليم ولكننا جياع والتعليم بلا كرامة مرفوض
نقابة المعلمين: الحكومة غائبة عن المشهد لذلك فلا تفاوض ولا تعليم
أولياء أمور: ندفع ثمن الكتب والتعليم الخاص وقلقنا يكبر كل يوم
حقوقيون: ما يحدث في عدن تجهيل ممنهج وانتهاك دستوري صارخ

> في العام الدراسي 2024-2025، شهدت العاصمة عدن واحدة من أسوأ الأزمات التعليمية في تاريخها الحديث، بعد أن أُغلقت المدارس الحكومية لأشهر متواصلة بفعل إضرابات المعلمين، دون أن يُستكمل من المنهج الدراسي إلا فصل واحد فقط، تخلله اضطراب إداري وتخبط نقابي، وسط تجاهل حكومي تام لمطالب القطاع التربوي. وفيما خرجت وزارة التربية والتعليم بإعلان "نجاح" طلاب الثانوية بنسبة تجاوزت 84 %، كانت شوارع المدينة تعجّ بأطفال دفعهم الفراغ إلى سوق العمل أو حوافّ الانحراف، في غياب أي مقومات حقيقية لـ"التعليم".

وبينما أعلنت وزارة التربية والتعليم أن مطالب المعلمين "مشروعة" وقدمت مقترحات إصلاحية تتضمن علاوات وتسويات وظيفية، فإن الأزمة مستمرة وسط غياب أي استجابة عملية من الجهات الحكومية المعنية. أما نقابة المعلمين رفضت العودة دون حوار رسمي وضمانات ملموسة، متهمة الحكومة بالتهرب من التزاماتها.

موقف الوزارة
"مطالب المعلمين مشروعة، لكن استمرار التعليم مسؤولية جماعية"بهذه الجملة المفتاحية، اختارت وزارة التربية والتعليم أن تفتتح مداخلتها الرسمية حول أزمة الإضراب المفتوح في مدارس العاصمة المؤقتة عدن.

مدير إدارة الإعلام بديوان الوزارة، الأستاذ محمد حسين الدباء، لم يُنكر تعقيد الموقف، لكنه قدّم تشخيصًا رسميًا لما يراه "نتاجًا مؤلمًا لظروف استثنائية خارجة عن إرادة الوزارة".

وبينما تستعد المدارس لفتح أبوابها مجددًا، لا تزال الأسئلة الكبرى معلقة: من المسؤول عن عام دراسي لم يُكتمل؟ ومن يضمن ألا يتكرر المشهد؟ وهل تكفي خطط الوزارة وحدها في غياب استجابة متكاملة من الشركاء؟

الوزارة تتكلم: تشخيص واقعي... ومقترحات على الطاولة
في حديثه لـ"الأيام"، بدا الدباء واقعيًا، محاولًا تفكيك الصورة المعقدة بهدوء:

"نحن لا نُحمّل المعلمين مسؤولية التوقف، بل نؤكد على مشروعية مطالبهم، ونعمل بالتنسيق مع جهات حكومية لضمان حقوقهم".

كما عرض سلسلة من المقترحات التي تعكس نية الوزارة في التحرك، أبرزها:

رفع كشوفات بالعلاوات السنوية والتسويات إلى وزارتي الخدمة المدنية والمالية، مع التأكيد على صرفها بأثر رجعي.

إعداد خطة شاملة لإنهاء الإضراب بالتعاون مع السلطات المحلية والقطاع التجاري.

توسيع الشراكات مع منظمات المجتمع المدني لتحسين بيئة التعليم وتوفير حوافز مؤقتة للمعلمين.

وختم قائلًا: "ندعو كل الأطراف إلى تحمل مسؤوليتها؛ فمستقبل جيل كامل في مهب الريح، والمدرسة يجب أن تبقى كيانًا حيًا، مهما كانت التحديات".

هذا الموقف الرسمي، رغم هدوئه، يُقابل في الميدان بحالة من التململ، إذ يرى كثيرون أن النوايا الطيبة لم تُترجم إلى واقع ملموس، في ظل استمرار الإضراب ودخول الأزمة شهرها التاسع.

التعليم خارج الخدمة
مع بداية كل عام دراسي، يتجدد الأمل لدى أولياء الأمور بأن تنتهي أزمة المعلمين، لكن سرعان ما يتحول هذا الأمل إلى إحباط. عام 2024 كان كارثيًا بكل المقاييس، حيث لم يتلقَ الطلاب في عدن إلا فصلًا دراسيًا غير مكتمل. وانشغلت المدارس بالإجازات الطارئة، والإضرابات، والوقفات الاحتجاجية، إلى أن أُغلقت أبوابها تمامًا، دون أن تحرّك الجهات المعنية ساكنًا، فيما كانت النقابات تصعّد احتجاجاتها دون الوصول إلى حلول.

نجاح بلا تعليم
رغم هذا الواقع المتدهور، خرجت وزارة التربية والتعليم بنتائج شهادة الثانوية العامة، مُعلنة عن نسبة نجاح بلغت 84.10 %، ما أثار سخرية ودهشة الكثيرين. على منصات التواصل الاجتماعي، تساءل الجميع: "ماذا تعلم هؤلاء الطلاب؟" في حين انتشرت التهاني والتبريكات كأن شيئًا لم يكن، بينما الحقيقة تُظهر أن كثيرًا من الطلاب لم ينهوا مقرراتهم الدراسية، وبعضهم لم يستلم كتبه أصلًا.

تمتلك اليمن منظومة قانونية واضحة لتنظيم التعليم، إلا أن ما يحدث في الواقع يُظهر أن هذه القوانين لا تُطبَّق. من قانون التعليم العام رقم (45) لسنة 1992، إلى قانون تنظيم مهنة التعليم (رقم 37 لسنة 1998)، والقوانين الأخرى التي تتناول التعليم الفني، ومحو الأمية، وحتى المجانية المفترضة للكتب المدرسية... جميعها بقيت مجرد نصوص حبر على ورق.

المادة 89 من القرار 1013 لعام 2022، تنص صراحة على مجانية الكتاب المدرسي، ومع ذلك يضطر أولياء الأمور لشرائه بأسعار باهظة، فيما تباع الكتب علنًا على الأرصفة، وسط غياب رقابة الوزارة وتقصير إدارة التربية في عدن.

يؤكد عدد من الطلاب أن ما تلقوه لا يؤهلهم لدخول الجامعة أو حتى للنجاح في امتحانات بسيطة. الطالبة سهام، خريجة المرحلة الثانوية، قالت: "لم نستكمل المقررات، وفصول كثيرة ضاعت بسبب الإضراب". فيما تساءل الطالب محسن ساخرًا: "امتحنا بدون كتب، وبعض المواد ما فتحناها أصلًا".


أما محمد، الطالب في الصف التاسع، فقد أعلن انسحابه من المدرسة نهائيًا، معتبرًا أن التعليم لم يعد طريقًا للمستقبل، بل مجرد "همّ إضافي" في حياة مهددة بالفقر والجهل.

أولياء الأمور: أنقذوا أبناءنا
تشير إفادات متعددة لأولياء الأمور إلى أن التعليم في عدن لم يعد متاحًا إلا لمن يستطيع الدفع للتعليم الخاص أو "المعلامة".

تقول منى أحمد، والدة تلميذة بالصف الخامس: "نشتري الكتب من السوق، وندفع للمدرسين على حسابنا لأن المدارس خالية من المعلمين والكتب".

أما فائزة، والدة طالب في الصف التاسع، فتعبّر عن القلق من أن يقضي ابنها وقته على الإنترنت وفي الشوارع، محذّرة من مستقبل مجهول لأبنائهم.

تؤكد شهادات الأهالي أن التعليم أصبح عبئًا لا يُحتمل، لا سيما مع غياب أي دعم حكومي، وارتفاع أسعار التعليم الخاص، مقابل رواتب متدنية وأوضاع اقتصادية خانقة.

لسنا ضد التعليم ولكننا جياع
من جانبهم، يُصر المعلمون على أن الإضراب ليس هدفًا، بل وسيلة للضغط من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية.

يقول أ. باسل محمود، معلم رياضيات: "أنا ضد الإضراب، ولكن كيف نُعلّم وأطفالنا لا يجدون طعامًا؟"، مؤكدًا أن الدولة تتهرب من مسؤولياتها، ولا تلتفت للمعلم إلا عندما يتوقف عن العمل.

وترى المعلمة سحر عبدالجبار أن استمرار الإضراب جريمة تعليمية، قائلة: "المعلم مظلوم، لكن الطفل هو الضحية". وتحذر من أن الإضراب يهدد بفقدان أجيال كاملة لحقهم في التعليم.

رؤية قانونية: التعليم حق دستوري منتهك بحسب د. ياسمين باغريب، أستاذة الإدارة التربوية، فإن توقف التعليم في عدن انتهاك مباشر للمادة 54 من الدستور اليمني، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وتضيف: "الحرمان من التعليم ليس فقط أزمة تعليمية، بل قضية تنموية وحقوقية تهدد جهود التنمية ومكافحة الفقر".

ودعت باغريب إلى تحركات قانونية وحقوقية للضغط على الجهات الرسمية، بالإضافة إلى دعوة القطاع الخاص للمساهمة في مبادرات تعليمية مستدامة.

الحقوقية عفراء خالد شددت على أن انهيار التعليم نتيجة حتمية لفساد مستشرٍ وتجاهل حكومي ممنهج، قائلة: "الدولة تصرف على المليشيات وتتجاهل المدارس". وأشارت إلى أن الحل لا يكمن فقط في رفع الإضراب، بل بإصلاح جذري يعيد للتعليم هيبته وللمعلم كرامته.

الناشطة الحقوقية فاطمة محمد يسلم، اعتبرت ما يجري "تجهيلًا ممنهجًا"، مشيرة إلى أن المدارس الأهلية استغلت الأزمة برفع رسومها بشكل فاحش، في وقت تعجز فيه كثير من الأسر عن تأمين احتياجاتها اليومية.

النقابة.. لا حوار لا تعليم
من جهته صرّح خالد مقبل، الأمين العام لنقابة المعلمين الجنوبيين، أن الإضراب مستمر منذ أكثر من ثمانية أشهر، دون أن تتم دعوة النقابة لأي حوار رسمي. وأضاف أن الحكومة، بجميع أطيافها، تتجاهل المعلمين، رغم مطالبهم الواضحة، وأبرزها: هيكلة الأجور، تسويات الدرجات الوظيفية، صرف العلاوات، توقيع عقود رسمية للمتقاعدين، وإيقاف الاستقطاعات.

وأشار إلى أن لقاءات رمزية لم تسفر عن أي نتائج، بينما تستمر الحكومة في صرف الملايين على وفودها في الخارج.

نتائج كارثية
تشير شهادات متطابقة إلى أن الانعكاسات السلبية لإضراب التعليم تجاوزت حدود المدارس، لتشمل كافة مناحي الحياة الاجتماعية. أ. بهية جازع، من مكتب التربية، تؤكد أن استمرار الإضراب أدى إلى تسرّب الطلاب، وانتشار الجريمة، وتعاطي المخدرات، والعمل المبكر.

أما أ. أشواق طه، عميدة ثانوية عدن النموذجية، فترى أن الفراغ الذي يعيشه الطلاب جعلهم فريسة للانحراف والتطرف، مؤكدة أن الفصل الدراسي الذي تم تدريسه لا يكفي لبناء معرفة متماسكة، خاصة في المواد التراكمية.



الفرص الضائعة: غياب المبادرات وغياب الدولة
رغم الدعوات المتكررة لإطلاق مبادرات تعليمية بديلة، لم تظهر حتى اللحظة أي خطوات جادة من المجتمع المدني أو القطاع الخاص لتعويض ما فات الطلاب. وتؤكد التربوية د. باغريب أن الجهود الفردية محدودة وتفتقر إلى التنسيق والتمويل المستدام.


إلى أين تسير عدن؟
بين غياب الدولة وصمت الوزارة، واستمرار الإضرابات، يتجه العام الدراسي الجديد إلى المجهول، التعليم في عدن لم يعد يمثل أملًا أو أداة لبناء المستقبل وأصبح رمزًا لانهيار منظومة الدولة.. ومع كل هذه التحديات يبقى السؤال "مبطوحا" : من سينقذ ما تبقى من العملية التعليمية في عدن؟ وهل تبقى هناك إرادة سياسية لإعادة الاعتبار للمعلم والمدرسة والطالب؟ أم أن المدينة ستواصل السير نحو هاوية الجهل والتهميش؟