يُعدّ الحفاظ على توازن القوى القائم في الشرق الأوسط ركيزة أساسية في الاستراتيجية الغربية تجاه المنطقة، ويبدأ ذلك أولًا بضمان عدم صعود أي قوة إقليمية يمكن أن تنافس التفوق الإسرائيلي، باعتبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأبرز للغرب. وبناء على ذلك فإن الدول الغربية عملت وتعمل من أجل عدم بروز قوة إقليمية تنافس إسرائيل. إذ تُمنح إسرائيل الأفضلية عبر احتكار السلاح النووي، وضمان تفوقها الدفاعي والعسكري والتقني على مستوى الشرق الأوسط.
وإذا ما نظرنا إلى المتغيرات التي شهدتها المنطقة عقب حرب غزة في 7 أكتوبر 2023م، وما تخلّلها من جرائم قتل وتدمير ممنهجة ضد الفلسطينيين وتداعيات إقليمية متشعبة، سنجد أن تلك التطورات دفعت الصراع نحو بُعد إقليمي متداخل مع مصالح القوى الكبرى. كما ظهرت محاولات لاستغلال هذا الصراع سعيًا لتغيير موازين القوى، سواء عبر تسريع إيران لبرنامجها النووي وتحريك محورها في المنطقة، أو من خلال توسيع تركيا لنفوذها في سوريا.
وعلى الرغم من أن ملامح المرحلة المقبلة لم تتضح بشكل كامل، إلا أن المؤشرات الراهنة ومن منظور سياسي بحت - بعيداً عن العواطف والانتماء - ترجّح بقاء ميزان القوى على ما كان عليه قبل حرب أكتوبر: هيمنة إسرائيلية واضحة. وقد تأكّد ذلك بعد الحرب الإسرائيلية على إيران، والضربات الأمريكية التي استهدفت برنامجها النووي، وما ترتب عليها من حالة ارتباك في السياسة الخارجية الإيرانية وعدم قدرة طهران على استعادة توازنها حتى الآن. كما أسهمت التطورات الميدانية في تحجيم النفوذ التركي في سوريا، بخلاف ما كانت تأمله أنقرة.
وتبعاً لهذه المعطيات، يتضح أن إسرائيل ما تزال تحتفظ بتفوّقها الإقليمي، رغم الخسائر غير المسبوقة التي تعرّضت لها عسكرياً وشعبياً في هذه الحرب، كما يؤكد ذلك استمرار النفوذ الغربي المهيمن في المنطقة، عبر تعزيز الردع العسكري في المنطقة ذات الممرات الهامة، والحفاظ على المصالح الاستراتيجية مع الحلفاء فيها، وتعزيز وتوسيع التعاون الأمني والاقتصادي والاستثماري.
عربياً، فإن الحفاظ على استقرار الدول العربية ـ وعلى رأسها مصر ودول الخليج ـ ومنع جرها إلى الصراع الإقليمي يُعدّ من أهم الإيجابيات التي يمكن رصدها، إذ تجنّبت هذه الدول المشاركة المباشرة في العمليات الغربية. كما أن إضعاف حزب الله في لبنان، وضرب الدور الإيراني في سوريا، ينسجم مع المصالح العربية في مواجهة التدخلات الإيرانية التي أضرّت بالمنطقة لسنوات، وفي معادلة الصراع العربي الإسرائيلي.
في السياسة التي أصبحت تحركها المصالح، فإن الخروج بأقل الخسائر يعتبر إيجابي، سيما في ظل تفوق موازين القوى، وعدم رمي الطرف المناهض للغرب بثقله في المنطقة العربية.
22 نوفمبر 2025م