الوطن العدنية/المصدر اونلاين
تشهد حضرموت مؤخراً موجة تصعيد يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي عبر قوات "الدعم الأمني" التي استُحدثت مؤخراً بدعم إماراتي، وذلك في سياق صراع نفوذ مكتوم مع السعودية، في المحافظة الأكبر مساحةً والأغنى موارد في اليمن.
وتحاول أبوظبي تثبيت نفوذها العسكري والأمني في مناطق ساحل وهضبة حضرموت، ومنع تمدد قوات "درع الوطن" الموالية للرياض، وذلك عبر الشخصية المثيرة للجدل والقيادي في المجلس الانتقالي، أبو علي الحضرمي، الذي تصدر واجهة المشهد في حضرموت مؤخراً، عبر جولات قبلية وحشود مسلّحة، ورسائل سياسية حادة فهمت على نطاق واسع كجزء من تحرك إماراتي منسق لفرض واقع جديد على الأرض.
وكان الانتقالي قد دفع ب أبو علي الحضرمي (صالح بن الشيخ أبوبكر) ، عقب احتجاجات أغسطس الماضي، على رأس تعزيزات عسكرية إلى ساحل حضرموت تحت مسمى قوات "الدعم الأمني".
وجرى تقديم هذه القوة على أنها امتداد للنخبة الحضرمية، في محاولة لمنحها غطاء وتخفيف حدة الرفض الشعبي للقوات القادمة من خارج حضرموت.
وخاضت هذه القوة صراعات خلال الفترة الماضية، واشتبكت مع مسلحين قبليين في مناطق عدة، إلى جانب حراك سياسي واجتماعي قاده الحضرمي وقيادات الانتقالي بدءً بالسيطرة على قرار مكاتب السلطة المحلية وتهميش دور المحافظ، مبخوت بن ماضي، وكذا قيادة المنطقة الثانية، وصولاً إلى الدفع نحو انقسام قبلي من خلال تشجيع مقادمة بعض القبائل ضد بن حبريش، وكيل المحافظة ورئيس حلف قبائل حضرموت، وصاحب النفوذ الواسع فيها.
وضمن برنامجه ظهر الحضرمي أمس الأحد، في لقاء قبلي مع قبائل "ثعين"، محاطاً بحراسة مشددة، وأطلق خطاباً هو الأقوى منذ وصوله إلى ساحل حضرموت، هاجم فيه وتوعد الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، والقوات التابعة له.
وأكد الحضرمي في حديثه أن قوات الدعم التي يقودها تمثل "جيش الجنوب العربي"، وهاجم بن حبريش واتهمه بتشكيل عصابات لقطع الطريق وتهريب المخدرات وقال: أن يجلس أحد ويبني قوة تقطع الطرق وتهرب المخدرات في الساحل والهضبة والوادي، هذا ما لن نرضى به كقوات مسلحة لشعب الجنوب العربي، والنخبة الحضرمية جزء من القوات المسلحة للجنوب العربي".
واعتُبر هذا الخطاب بمثابة إعلان مرحلة جديدة من التحركات الميدانية، تشير إلى نية الانتقالي توسيع سيطرته على الهضبة ومناطق النفط، واستهداف قوات حماية حضرموت التي يُنظر إليها كأحد خطوط النفوذ القبلية المعرقلة لتمدده.
في طرف آخر، تقف قوات "حماية حضرموت" التي يقودها عمرو بن حبريش، وهي القوات التي أعلن عن تأسيسها عقب عودته من الرياض نهاية مارس الماضي، ورغم المعلومات المتواترة أنها لم تحظَ بدعم سعودي، لكن المملكة وضعت هذه القوات تحت الملاحظة وغضت الطرف عن تمددها خلال الفترة الماضية، في سياق محاولتها ترتيب بيئة ملائمة لنشر قوات "درع الوطن" لاحقاً كقوة بديلة للأطراف المتنازعة.
وترى مصادر سياسية وقبلية أن الرياض تعتمد سياسة "الاستيعاب الهادئ" للقبائل دون صدام مباشر، رغم النفوذ الواسع الذي يمتلكه بن حبريش داخلها، وتقلب مواقفه وميله في كثير من تحركاته نحو سلطنة عمان، في حين تميل أبوظبي إلى سياسة الحسم السريع عبر المجلس الانتقالي.
وفي أعقاب تصريحات الحضرمي، أدلى صحفيون مقربون من بن حبريش وتكتله القبلي بتعليقات لافتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حيث قال الصحفي عبدالجبار باجبير إن السعودية منحت الانتقالي "ضوءً أخضر" لاستهداف قوات الحلف القبلي، قبل أن يقوم لاحقاً بحذف تغريدته من منصة “إكس”.
بدوره قال الصحفي عوض كشميم بن هلابي في حديث موجه لأبو علي الحضرمي: "نحن نعرف أن ما تقوله في تحركاتك هو بضوء أخضر من أبوظبي، وأرجح أن يكون طرف ما في دائرة الديوان الملكي أو في اللجنة الخاصة بالرياض على علم بهذا التنسيق، في إطار تخادم أو قرار موحد بشأن تصفية قوات حماية حضرموت وأي ثقل عسكري حضرمي مستقل في قراره العسكري، تحت عناوين الاستقلال هذه يتم شيطنة حلف قبائل حضرموت، وخاصة قوات حماية حضرموت، إن لم يكن قد اتُخذ القرار النهائي بهذا الملف العسكري الحضرمي الخالص".
هذه التصريحات تعكس ضبابية المشهد داخل العلاقة السعودية –الإماراتية، إذ تختلط المصالح والرسائل، وتتداخل الحسابات المتعلقة بملف الطاقة والقبائل والنفوذ الحدودي.
في المقابل تقف المنطقة العسكرية الثانية، ومقرها ساحل حضرموت، في موقف صعب للغاية، وسط تساؤلات حول مدى سيطرتها على الواقع، وهي التي تبدو – وفق المعطيات – خارج السيطرة وقد تخلت عن الصلاحيات لصالح النفوذ السياسي والأمني للمجلس الانتقالي، بينما يستخدم اسمها وأطرها الرسمية لتغطية تحركات قوات "الدعم الأمني والنخبة".
ويوم أمس الأحد، ظهر اللواء طالب بارجاش قائد المنطقة، خلال تعزية أسرة الشاب عمرو الحمومي، الذي قُتل برصاص قوات "الدعم الأمني" التابعة لأبو علي الحضرمي، في مديرية الشحر، قبل أيام، وتقيم أسرته خيمة عزاء في منطقة حرحير بالمديرية، وتعهد بتسليم القاتل إلى القضاء لينال جزاءه.
وفي مقطع فيديو قصير متداول على منصات التواصل الاجتماعي، سأل أحد الوجهاء بارجاش عن المعتقلين من أبناء القبائل، وما إذا كان يمكن لأهلهم الاطمئنان عليهم، فرد بكل صراحة: "لا تدخلوني، لا تدخلوني.. لا تسألني عن حاجة أنا مش مسؤول عنها".
وهؤلاء المعتقلون كانت قد اعتقلتهم قوات "الدعم الأمني" التابعة للنخبة الحضرمية، والتي يفترض أنها تتبع المنطقة الثانية، في 12 نوفمبر، في هجوم نفذته قوات الدعم على نقطة قبلية تابعة لقبائل الحموم. وأسفرت المواجهات عن جرحى من الطرفين، وجرى على إثر ذلك اعتقال عدد من أبناء القبائل، ولا يزال مصيرهم مجهولاً.
ويأتي رد اللواء بارجاش، في رسالة لإخلاء مسؤولية المنطقة عن هذه الحادثة وإعلان عدم تبعية قوات "الدعم الأمني" لقيادة المنطقة العسكرية الثانية، رغم أن مركز إعلام المنطقة العسكرية الثانية كان قد بث بياناً رسمياً بشأن الحادثة، على لسان قيادة المنطقة التي أكدت مسؤوليتها عنها.
ومن المعلوم أن رئيس المركز الإعلامي للمنطقة العسكرية الثانية، فاروق العكبري، هو نفسه رئيس تنفيذية انتقالي أرياف المكلا، ورئيس فرع نقابة الصحفيين "الجنوبيين" الموالية للإنتقالي في حضرموت.
وخلال كل ذلك، يبدو أن حضرموت تدخل مرحلة حساسة من الصراع، مع صعود غير مسبوق لدور أبو علي الحضرمي وقوات "الدعم الأمني" وتصاعد لحالة الاحتقان القبلي والعسكري التي يتوقع لها أن تستمر، خصوصاً مع سعي الانتقالي لفرض السيطرة على الهضبة ومناطق النفط، استباقا لوجود قوات "درع الوطن" في المشهد، مقابل غياب فاعلية القوات الرسمية المحلية، وتباين الحسابات بين السعودية والإمارات.