اخبار وتقارير

الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - الساعة 05:44 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/متابعات

يعاني مئات آلاف المصابين بالأمراض المزمنة في اليمن لتوفير الأدوية التي يحتاجونها، بينما تختفي بعض الأصناف تماماً، وترتفع أسعار أصناف أخرى بما يفوق القدرة الشرائية للمرضى.

استبشرت اليمنية فاطمة قائد (58 سنة) خيراً حين سمعت أن مكتب الصحة في محافظة تعز يقدم علاجات أمراض القلب الدورية بالمجان، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً، إذ استلمت الدواء مرة واحدة، وحين ذهبت في الشهر التالي لاستلامه أخبروها أنه غير متوفر.

تقول المسنة اليمنية لـ"العربي الجديد": "أعاني من أمراض القلب منذ أربع سنوات، وقد بعت كل مقتنياتي من أجل شراء الأدوية التي قرر الأطباء استعمالها مدى الحياة، وصرت أخيراً أواجه صعوبات في توفير العلاج، وذات مرة أخبرتني إحدى قريباتي أن مكتب الصحة يقدم العلاج مجاناً، فتوجهت إليه، وهناك طلبوا مني وصفة الطبيب، وأعطوني بطاقة خاصة لصرف العلاج، ثم سلموني علاجاً يكفي لمدة شهر، وحين ذهبت في الشهر التالي لاستلام العلاج قالوا لي إنه غير متوفر، وذهبت بعدها ثلاث مرات، لكن لم يتم توفيره أيضاً، فاضطررت مجدداً إلى شراء العلاج من الصيدلية".

وتوضح أنها تحتاج شهرياً إلى نحو 35 ألف ريال يمني لشراء الأدوية (الدولار يساوي 1617 ريالاً)، بينما وضعها المعيشي صعب، ما يضطرها أحياناً إلى بيع مقتنياتها الشخصية كي تشتري الدواء، وفي بعض الأحيان تكون سعيدة الحظ بأن يشتريه لها أحد فاعلي الخير.

وتؤكد مصادر في الهيئة العليا للأدوية (حكومية)، لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يضم 14 مصنعاً للأدوية، معظمها في مناطق سيطرة الحوثيين، وأن الإنتاج المحلي لا يغطي أكثر من 20% من حاجة السوق من الدواء، وتوجد في اليمن أكثر من 600 شركة متخصصة في استيراد الأدوية، إضافة إلى آلاف الوكلاء.

ومن أبرز أزمات قطاع الدواء المتكررة اختفاء الأصناف من الأسواق، أو توفر أصناف رديئة نتيجة نقص الأدوية المستوردة، أو ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، والذي يتجاوز عادة القدرة الشرائية للمواطن اليمني.

ونتيجة الأوضاع المتردية وانهيار القطاع الصحي، تزايدت أعداد المصابين بالأمراض المزمنة في اليمن، إذ يقدر عدد مرضى السكري بنحو 1.5 مليون مريض، من بين عدد السكان المقدر بنحو 33 مليون نسمة، ما يجعله أحد أخطر الأمراض المزمنة في البلاد.
لقي اليمني مهيوب الأديمي حتفه بعد ارتفاع ضغط الدم إلى مستويات قياسية نتيجة عجزه عن توفير الأدوية الخاصة بالمرض، ويقول ابنه محيي الدين لـ"العربي الجديد": "كان والدي يعاني من الضغط والسكري، وكنا نقوم قدر الإمكان بتوفير الأدوية التي كان يستخدمها منذ سبعة أعوام، وخلال الفترة الأخيرة أصبحنا نعجز عن شراء الأدوية بسبب الوضع المعيشي السيئ، بخاصة بعد ارتفاع أسعار الأدوية التي يستخدمها إلى ما يقارب 50 ألف ريال شهرياً، وكان أحياناً يحصل على بعضها من بعض المنظمات الخيرية، وفي أحد الأيام، ارتفع ضغطه بسبب عدم انتظام توفر الأدوية، وتوفي في اليوم نفسه".

من جانبه، يؤكد مسؤول الإعلام بمكتب الصحة في محافظة تعز، تيسير السامعي، لـ"العربي الجديد"، أنه لا توجد مراكز متخصصة في علاج الأمراض المستعصية في المحافظة، لكن المستشفى الجمهوري (حكومي) وبعض المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة تقوم بصرف الأدوية كلما توفرت بناء على بطاقة علاجية يحصل عليها المرضى من مكتب الصحة، والذي يعد الجهة الرئيسية التي تقوم بصرف الدواء.

ويضيف السامعي: "يتم صرف الأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة بالمجان وفق بطاقة العلاج كلما توفرت، ومن بينها علاجات خاصة بمرضى القلب، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، وبعض أمراض الكلى، إضافة إلى بعض الأمراض العصبية، لكن هذه الأدوية تتوفر أحيانا، وتنعدم في أحيان أخرى، وحسب آخر إحصائية، هناك أكثر من 20 ألف مستفيد في محافظة تعز، ومعظم المرضى الذين يترددون على المراكز الصحية لا يحصلون على الدواء. أعداد المصابين بالأمراض المستعصية والمزمنة في تزايد مستمر، وكلما انهار الوضع الاقتصادي، وتراجع سعر الصرف، ارتفعت أسعار الأدوية، وهذا يرهق المرضى، ما يعتبر مأساة إنسانية يجب الالتفات إليها".

ويتابع: "الأحداث الأمنية التي جرت في البحر الأحمر خلال الفترة الماضية رفعت تكلفة الدواء، وضاعفت معاناة المرضى، ونحن ننظر إلى الموضوع من جانب إنساني، فهناك مأساة حقيقية، ووزارة الصحة إمكاناتها محدودة للغاية، ولا تستطيع توفير الأدوية للمرضى، إذ تعاني من صعوبات كبيرة نتيجة غياب الدعم، والموازنات التي تعطى لمكاتب الصحة قليلة، ولا تفي بالاحتياجات، والمكاتب تقدم ما يمكن تقديمه من خلال الدعم المقدم لها من بعض المنظمات الدولية".

ويشكو عدد من المرضى من أن الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والمستعصية يتم منحها لأشخاص غير مستحقين، ويقوم هؤلاء ببيعها للصيدليات، ما يتسبب بحرمان المرضى منها، خصوصاً من يعانون من عدم القدرة على شراء الدواء.

يقول الصيدلي عزام عماد، والذي يدير إحدى صيدليات تعز، لـ"العربي الجديد": "يعمل كثير من المواطنين سماسرة، إذ يقومون بتسجيل أسمائهم لدى مكتب الصحة كمرضى، ويتم ذلك بمساعدة بعض الأطباء من عديمي المسؤولية، وهم يستلمون الأدوية، ومن ثم يقومون بعرضها للبيع على الصيدليات، وهذا يؤثر على أحقية المرضى بالدواء، والكثير من هؤلاء السماسرة يعرضون علينا بيع أصناف خاصة بمرضى القلب والسكري والضغط وغيرها من الأمراض".

وتتزامن معاناة المصابين بالأمراض المستعصية في اليمن مع حالة من العبث تشهدها سوق الدواء، إذ شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً مهولاً في أسعار الأدوية، تجاوز خمسة أضعاف الأسعار السابقة، في ظل غياب دور الأجهزة الرقابية، وحالة العشوائية والتلاعب بالأسعار التي تحيط بالأسواق. ويحدث ذلك في ظل اختفاء العديد من الأصناف الدوائية نتيجة توقف عدد من الشركات ووكلاء الأدوية عن استيراد هذه الأصناف بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها.

وفي جولة على عدد من صيدليات مدينة تعز لرصد الارتفاع الحاصل في أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض المستعصية خلال الشهر الأخير، تبين أن دواء داباغولد 10 ملليغرام لعلاج السكري كان سعره 18 ألف ريال، وأصبح 22.5 ألف ريال، ودواء جانيو إكسترا 500/50 ملليغرام للسكري كان سعره 9 آلاف ريال، وأصبح 12.7 ألف ريال، ودواء ديغارد 25 ملليغراماً للسكري كان سعره 12 ألف ريال، وأصبح 15 ألف ريال، ودواء كونكور 10 ملليغرام لعلاج ارتفاع ضغط الدم كان سعره 13 ألف ريال، وأصبح 16.5 ألف ريال، ودواء كبراديل شراب لعلاج الأمراض العصبية، كان سعره 9.5 آلاف ريال، وأصبح 12.8 ألف ريال، ودواء كونفلكس شراب للأمراض العصبية كان سعره 8 آلاف ريال، وأصبح 10 آلاف ريال، ودواء منتات شراب للأمراض العصبية كان سعره 4 آلاف ريال، وأصبح 6.8 آلاف ريال، ودواء ريتالين 50 ملليغراماً لعلاج الأمراض النفسية كان سعره 5.5 آلاف ريال، وأصبح 7.8 آلاف ريال.

ويؤكد الصيدلي نائف مهيوب لـ"العربي الجديد"، أن "سوق الدواء باتت تعج بالأدوية المهربة والمغشوشة، وأصناف أدوية قريبة انتهاء الصلاحية، أو مجهولة المصدر، كما أن غالبية الأدوية الموجودة في السوق اليمنية هي أدوية عربية أو هندية نتيجة رخص أسعارها، إذ توقف العديد من الوكلاء عن استيراد الأصناف الأوروبية التي تمتاز بجودتها نتيجة غلاء سعرها، وكونها تفوق القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة أن الدواء تحول من خدمة إلى سلعة".

ويضيف مهيوب: "أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة شهدت ارتفاعاً كبيراً نتيجة عدة أسباب، بعضها موضوعي، وبعضها تجاري يشمل طمع التجار؛ فمن جانب، زادت تكاليف النقل، كما انهار سعر صرف الريال خلال سنوات الحرب بشكل متكرر، وتباين سعر صرف الدولار من 214 ريالاً إلى 1617 ريالاً، فضلاً عن الإتاوات والجبايات المالية التي تُفرض على شركات ووكلاء الأدوية، والتي تضاعف أسعار الأدوية أيضاً، ما يؤثر على كثير من المرضى الذين باتوا يعتمدون بشكل رئيسي على ما تصرفه لهم بعض المنظمات الخيرية".