حوارات وتحقيقات

الأحد - 01 نوفمبر 2020 - الساعة 12:59 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/خاص

يعد الأستاذ محمد سعيد مديحج أحد الشخصيات المتميزة في حضرموت في فترة حياته ــ يرحمه الله، فقد عاش متدرجا في سلم الحياة؛ طالبا ثم معلما وبعدها مديرا ثم إرتقى إلى دبلوماسيا فمديرا للمركز الثقافي ــ غيل باوزير، فحياته زاخرة بالعطاء في المجالين التربوي والدبلوماسي، ولأنه لا يتوقف عن العطاء الذي يعد جزء من الكرم، بل يكون هو الكرم في صور كثيرة، وهو جزء من كينونة الإنسان السامي، والمثل الصيني يقول: "مثلما يعود النهر إلى البحر هكذا يعود عطاؤك إليك". فكان زهرة عطاؤه في نهاية مشوار حياته تأليف كتابين عن المدرسة الوسطى بغيل باوزير الأول: ( المدرسة الأم) والثاني: ( ترميم الصرح التعليمي من الثرى إلى الثريا).
مديحج طالبا متفوقا:
كان مديحج طالبا مثاليا منذ أن بدأ تعليمه الابتدائي في مدرسة مكارم الأخلاق بمدينة الشحر، ولأنه متفوقا في دراسته فقد انتقل إلى المكلا وأنهى المرحلة الابتدائية، ثم تفوق وانتقل إلى المدرسة الوسطى في المكلا وغيل باوزير فالتحق بها في مايو1944م. وواصل دراسته ضمن الفوج الثاني للبعثات التعليمية الخارجية إلى السودان للدراسة في معهد التربية بخت الرضا، وتخرج منه عام 1951م.
واصل مديحج تميزه وتفوقه في دراسته، فتحصل على منحة دراسية في بريطانيا عام 1959م، في مجال التربية والتعليم( التعليم المقارن) وتحصل على شهادة الدبلوم العالي. وكذلك ضمن دوراته التدريبية التطويرية إلتحق بدورة في المركز الإقليمي لتخطيط الدول العربية في بيروت ــ لبنان ونال شهادة المركز عام 1970م، بعد سنة دراسية مفعمة بالعلوم التدريبية والتطويرية التربوية والتعليمية والثقافية، فنال شهادة المركز عن جدارة وتفوق واقتدار.
مديحج معلما ومديرا تربويا:
الأستاذ القدير والمربي الفاضل محمد سعيد مديحج ــ يرحمه الله، بعد تخرجه من بخت الرضا بالسودان عمل معلما في مدارس غيل باوزير عام 1951م، ثم مديرا للمدرسة الغربية بالمكلاعام 1953م، بعدها مديرا لمدرسة رباط باعشن بمديرية دوعن. ولأن سر النجاح هو الثبات على الهدف فقد تقلد مديحج منصب المدير للمدرسة الوسطى بغيل باوزير لمدة خمس سنوات ( 1961ـــ1966م)، وفي آخر عام 1966م عين مفتشا ًإدارياً وفنياً لمدارس لواء المكلا وحجر. ولأنه كان منظما ومستقيما في حياته التربوية فكان له فائق النجاح في عمله لذلك أسس أول روضة في حضرموت ( حديقة رعاية الطفولة بالمكلا) عام 1972م.

مديحج دبلوماسيا:
انطلق مديحج جوّاد النفس، والمال، والجهد، لطالما كان مقداماً، ومثابراً، ومجاهداً في حياته نحو العلا، فكان محل ثقة مؤسسات الدولة العليا مثل وزارة الخارجية التي عمل بها منذ العام 1975م، ثم انتقل إلى موسكو عاصمة الإتحاد السوفيتي آنذاك ليعمل ملحقا ثقافيا في سفارة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وفي عام 1977م عمل مندوبا دائما في منظمة اليونسكو بباريس العاصمة الفرنسية، وعيِّن مرة أخرى ملحقا ثقافيا في سفارة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1980م، في صوفيا ــ بلغاريا، ورومانيا ويوغسلافيا، وعندما عاد إلى أرض الوطن عام 1983م، عين نائبا للدائرة الثقافية ثم رئيسا لها في عام 1985م.
وضعت الخارجية ثقتها في مديحج فاستمر فيها حتى بعد عام 1990م وتحقيق الوحدة اليمنية حيث عمل مستشارا ثقافيا في سفارة اليمن في باريس عام 1989م، واستمر حتى عام 1992م حيث عاد إلى أرض الوطن ومنح درجة سفير. ثم رئيساً للمركز الثقافي للأنشطة التربوية والتنموية بغيل باوزير.

مديحج مؤلفا:
(كلّ إنسانٍ لديه موهبة، و لكن إن حكمت على السمكة بالفشل لعدم قدرتها على تسلق شجرة؛ فقد قتلت موهبة السباحة لديها.(
مديحج متعدد المواهب في حياته فعندما كان رئيسا للمركز الثقافي للأنشطة التربوية والتنموية فقد وقعت يده على ثروة ثقافية تاريخية وكم هائل من الوثائق التاريخية التي سطرت تاريخ مدينة غيل باوزير في عهد السلطنة القعيطية خاصة. ولأن المدرسة الوسطى ومبناها تم إنشاؤه في عهد القعيطيون فقد كانت معظم الوثائق صورة عاكسة لبعض أحداث تلك الفترة، فألَّف مصنفين تاريخيين رائعين عن المدرسة الوسطى وهما:
1ــ المدرسة الأم.
2ــ ترميم الصرح التعليمي من الثرى إلى الثريا.
1ــ المدرسة الأم:
تم تقسيم هذا الكتاب إلى ستة أبواب تحدث فيها في الباب الأول عن مصادر السلم التعليمي في حضرموت ومنابع الأنشطة اللاصفية، ثم تحدث في الباب الثاني عن انتقال المدرسة الوسطى من المكلا إلى غيل باوزير، أما الباب الثالث فقد صوَّر الكاتب فيه سياسة التعليم الابتدائي والمتوسط صورة رائعة جداً، ويعرج في دراسته بالباب الرابع ليتحدث عن المدرسة الوسطى شعلة من نشاط، أما الباب الخامس فقد سلط فيه الأضواء عن ( الوداع والتعيين والأقوال المضيئة، والباب السادس تحدث عن الملاحق واختتم الكتاب به ثم تم تذييل الكتاب بالمراجع.
2ــ ترميم الصرح التعليمي من الثريا إلى الثرى:
تم تقسيم الكتاب إلى إثنى عشر فصلا، تحدث فيها عن الصرح العظيم، ثم الشجرة القعيطية الحاكمة، وعرج بحديثه عن مدينة غيل باوزير وأطلق عليها مدينة المحبة، ثم تحدث الكاتب مديحج عن حفل التدشين(افتتاح المركز الثقافي للأنشطة التربوية والتنموية) و فكرة إنشاء المركز ثقافيا وتنمويا وتبلورت تلك الفكرة بعد خروج إدارات الدولة المختلفة من الصرح، صوَّر الكاتب ماقاله زوَّار المركز من شخصيات اجتماعية وثقافية وسياسية، وعرج بحديثه عن ما نشر في الصحف الحضرمية واليمنية ونشاطات المركز واللوحات الجدارية وأول صحيفة في المركز الثقافي، وكان الكتاب الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، فكانت تنطبق تلك الكلمات على هذا الكتاب، حيث وثق فيه لحظات الترميم لصرح عظيم.
كان مديحج متفوقا في دراسته، متميزا في عمله، ناجحا في حياته بكل المقاييس، عاش حياة زاخرة بالنجاح والعطاء، والعمل الدؤوب المثمر، فهذا الصرح التعليمي تم إهماله فترات مختلفة من الزمن حتى وضع مديحج يده عليه فنقله من الثرى إلى الثريا.
وعند وفاته نعى من كبار شخصيات الدولة ومعظم منظمات المجتمع المدني في حضرموت، ويعد رحيله خسارة على حضرموت والوطن كونه من أبرز الكفاءات في المجالين التربوي والدبلوماسي، رحمة الله عليه رحمة الأبرار.
د. كتب/عدنان أحمد جروان