الوطن العدنية/عبداللاه سميح
قال الممثل والمنتج اليمني، صلاح الوافي، إن الأزمة اليمنية التي تدخل عامها العاشر، أحدثت تأثيرًا إيجابيًا على الدراما المحلية، من خلال تعدد الأطراف المتصارعة، التي أفرزت عددًا كبيرًا من القنوات التلفزيونية، ورفع سقف التنافس غير المسبوق لإرضاء المتابع المحلي، عبر إنتاج كمًا كبيرًا من المسلسلات في رمضان المنصرم، وحسّن من جودتها.
وفي حوار خاص مع “وينك”، تحدث الوافي، بطل مسلسل “دروب المرجلة” بالاشتراك مع زملائه الآخرين، إلى أسباب نجاح المسلسل وتصدّره لقائمة الانتاجات الدرامية في اليمن، بأكبر عدد من المشاهدات على منصة “يوتيوب”، والأكثر تفاعلًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وفق إحصائيات وكالة “داتا بيكرز” اليمنية المتخصصة بأبحاث السوق وتحليل البيانات.
متطرقًا إلى التحديات المتراكمة، ومشكلة ضعف الإنتاج التي تواجهها الدراما اليمنية والممثل المحلي، والمتطلبات التي يجب توافرها للوصول إلى الإقليم والعالم العربي..
نص الحوار:
*ما سرّ النجاح الذي حققه مسلسل “دروب المرجلة”، من حيث تصدره لقائمة الأكثر مشاهدة على يوتيوب، بين المسلسلات اليمنية الأخرى لهذا العام؟*
فضل من الله أولًا، ثم القصة، التي تلعب دورًا كبيرًا في الأعمال الدرامية في جذب انتباه المشاهد واستمراره في المتابعة حتى النهاية، وكانت قصة المسلسل بسيطة ومشوّقة وغير متشعبة، وكذلك متنوعة مزجت بين البيئة البدوية والحضرية، إلى جانب الأدوار الأخرى المتعلقة بالإخراج والتمثيل والأسماء المشاركة.
وأعتقد أن هذا العمل هو الوحيد الذي كان يقدم بعضًا من الكوميديا خلال الموسم الرمضاني المحلي، والمشاهد اليمني يحب الأعمال الكوميدية التي تخرجه من الجو العام وبالذات ما يتم عرضه بعد الإفطار لأن الجميع يكون حاضر، وإضافة إلى ذلك، فالمسلسل عرض على قناة “السعيدة” التي انتجته، وهي قناة محايدة سياسيًا وتحظى بمتابعة جمهور كبير في اليمن.
*ما مدى ارتباط قصة المسلسل بواقع اليمن الذي يعيش ظروفًا استثنائية؟ وهل تعتقد أن ذلك هو ما جعله من أكثر المسلسلات المحلية تفاعلًا على مواقع التواصل الاجتماعي؟*
طبعًا المسلسل حمل رسائل كثيرة وناقش مشكلات واقعية، كمشكلة قطع الطرق المستمرة، في وقت تكاد تكون فيه الحرب في اليمن قد انتهت، لكن حرب الطرقات لا تزال مستمرة، ولا يزال المواطن والمسافر يعاني ويتكبد المشقات لهذا السبب.
في بعض المدن كتعز مثلًا، من أجل قطع مسافة كانت لا تتجاوز 5 دقائق، عليك الآن إمضاء من 7 إلى 10 ساعات للوصول ذات المنطقة، وهذا همّ أتعب الناس أكثر من حرب الصواريخ والرصاص، وأثر على حياتهم.
وناقش المسلسل في جزء كبير من حلقاته هذه المشكلة المؤرقة، وصادف دعوات وهاشتاغات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بفتح الطرقات، وأرى أن “دروب المرجلة” شدّ انتباه الناس ونال ارتياحًا وحقق تفاعلًا كبيرًا، رغم أن هناك مسلسلات يمنية أخرى كانت قريبة من واقع وظروف البلد، وناقشت مختلف القضايا منها الطرقات المقطوعة.
تفاعل الناس مع المسلسل وأحداثه اليومية على مواقع التواصل، مرجعه كذلك للقصة اللطيفة وتفاصيلها المحبوكة التي تجسد الصراع بين الخير والشر، في قالب درامي مثير يربط المشاهد بأحداثها الملامسة لواقعه اليومي المعاش، وهذا الصراع موجود في مختلف الأعمال ومرتبط بكل المجتمعات، لكن بأشكال مختلفة، وليس شرطًا أن يكون أي عمل درامي كله رسائل، لأن العمل الفني يبقى فني ومرتبط بالأذواق.
وأتذكر في إحدى المرات كان أحدهم يقول لي لماذا لا تتحدثون عن الكهرباء ووضعها، رغم أننا تطرقنا إليها في كثير من المسلسلات، وقلت له إن الكهرباء بحاجة إلى وقود وليست في حاجة مسلسل.
*أين جرى تصوير المسلسل؟*
صورنا في 3 مواقع، في مدينة تعز ثم انتقلنا إلى صحراء طور الباحة بمحافظة لحج، ثم عدنا إلى تعز وتحديدًا في منطقة دبع الداخل ومنطقة بني عمر بمحافظة تعز، التي تم فيها تصوير بقية المسلسل كاملا كونها موقع القبيلة.
*يبدو هذا الموسم الرمضاني هو الأكبر عددًا من ناحية الأعمال المنتجة في تاريخ الدراما اليمنية.. برأيكم، ما حجم هذا التطور الذي يأتي رغم استمرار أزمة البلد؟*
اعتقد أن العام الماضي كان الأكثر عددًا من ناحية انتاج المسلسلات، والعام الحالي يعتبر كذلك كبيرًا في الإنتاج لكنه الأفضل من ناحية الجودة الفنية، تصويرا وشكلا وأداءً وإخراجًا، وسبب ذلك في رأيي هو تعدد القنوات اليمنية وتنافسها على كسب أكبر قدر من المشاهدين، بهدف الحصول كثير من الإعلانات التجارية.
ومن الممكن القول إن الأزمة اليمنية، أثرت إيجابًا على الدراما المحلية، فلدى كل طرف من الأطراف المتصارعة قنوات تلفزيونية وهو ما رفع سقف المنافسة على المشاهد، والورقة الرابحة في ذلك الدراما، إذ أسهم ذلك في تعدد المسلسلات التي تنتجها القنوات وطوّر الأعمال المقدمة بشكل ملحوظ، على الرغم من أن معظم هذه القنوات سياسية، إلا أنها تتوخى الحياد في مسلسلاتها، واعتقد أن ذلك شيء جميل وإيجابي أيضًا.
*لكن ماذا عن التأثيرات السلبية للحرب؟*
بكل تأكيد هناك الكثير من التداعيات التي تؤثر على الجودة، فمثلا هناك ركاكة في بعض الأعمال بسبب الأوضاع القائمة، كما لا يمكن التصوير في كل مناطق اليمن بسبب حالة الانقسام والاضطراب، وهناك بعض الممثلين المحليين المقيمين في الخارج، تحُول الأوضاع دون عودتهم للمشاركة في بعض الأعمال التي تتطلب انضمامهم، إلى جانب صعوبة التنقل بأريحية.
كما أن هناك قيودا تواجهنا في عملية التصوير ومتطلباتها من تصريحات أمنية وغيرها، ويمكن لأي جهة أمنية إيقاف العمل بهدف التحقق، وفي بعض الأعمال كنا نضطر إلى تغيير موقع التصوير بسبب هذه القيود التي تخفض هامش الحرية والإبداع بشكل يؤثر على الجودة، لكن للأمانة في الفترة الأخيرة بدأنا نلمس مرونة وانخفاض لهذه التحديات.
*برأيكم، إلى أي مدى تؤثر ميزانيات الإنتاج المنخفضة على جودة الأعمال الدرامية المحلية، خاصة وأن معظم ما تعرضه القنوات من انتاجها؟*
في رأيي أن ميزانية الإنتاج مهمة جدًا لجودة أي عمل درامي، لكن هناك عامل أكبر مرتبط بالوقت، فخلال الأعوام السابقة أنتجت مسلسل “غربة البن” في جزئه الأول بمبلغ زهيد جدًا، وكان لدي متسع من الوقت يصل إلى 6 أشهر لكتابة القصة والالتزام بها قبل عرضه في رمضان عام 2019، في حين كانت ميزانية الجزء الثاني من المسلسل كبيرة جدًا، لكنني لم أملك الوقت الكافي، وأثر ذلك بشكل كبير على جودة هذا الجزء، ليس على مستوى الصورة فحسب، بل حتى على القصة.
ومشكلة الدراما اليمنية الرئيسية تكمن في جودة القصة، وهناك بعض القنوات تنتج مسلسلات بميزانيات مفتوحة للإنتاج، لكن ذلك لا يشمل النص، وهو أهم ما في العمل، وذلك ينتج بعض الأعمال الركيكة.
كما أن بعضها يكتفي بممثل نجم أو نجمين حتى لا يضطر إلى دفع الكثير كأجور، وهذا ما واجهته في أحد المسلسلات المنتجة خارج البلاد، وكنا حينها 4 نجوم والبقية من المقيمين اليمنيين في هذه الدولة، وكان ذلك يؤثر على أدائنا لأنهم ليسوا ممثلين.
واعتقد أن التنافس الحالي، سيدفع القنوات إلى رفع مستوى ميزانيات الإنتاج، لأن الإنتاج الدرامي ثقيل جدًا، والنجاح في الغالب يكون للأعمال التي تنتجها شركات إنتاج مختصة لأن القنوات تكون رقيبة، والمنتج يبذل كل جهده وحرصه في تقديم عمل مرضي للقناة.
*ما حجم تأثير غياب شركات الإنتاج المتخصصة والمرتبطة بالإبداع وليس بالربح التجاري، على مستوى جودة الدراما في اليمن؟*
اعتقد أن الأعمال الفنية جميعها تهدف إلى الربح إلى جانب الإبداع، وإن لم يكن هناك ربح فلن يكون هناك إبداع، لكن يجب ألا يأتي الربح على حساب الإبداع، ولو لا الربح لما استمرت هذه الشركات في عملها، وينبغي على القنوات أن تخدم الإبداع والنجاح الذي يعود أيضًا في خدمتها.
وهذا ما بدأت به بعض المحطات الفضائية المحلية في الفترة الأخيرة، وبات مرتبطا بالجودة، وهو ما ساهم في زيادة أعداد مشاهديها ومتابعيها على التلفزيون وعلى منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
والوضع الحالي غير مساعد إطلاقًا للمؤسسات الإبداعية التي لا تهدف إلى الربح، ولا توجد هناك مؤسسات أو جهات أو تجار يمكنها تمويل ذلك الجانب، ما لم يكن جانبا موجهًا، كما أن اليمن لم تعرف هذا النوع من الشركات منذ بداية ظهور الدراما المحلية، وفعلا هناك مؤسسات متخصصة بالإبداع الفني، لكنها لا تشمل الدراما التي تعتبر مكلفة جدًا ومتعبة.
كما أن هناك شركات انتاج محلية قديمة، بدأت تعود بقوة، وأصبحت لا تهتم بالربح بدرجة أساسية، بقدر اهتمامها بتقديم مواد مناسبة وذات جودة ومنافسة، واهتمامها بهذا الجانب زاد من عدد انتاجاتها الدرامية، وهو ما يعود عليها بالربح.
*أخيرًا.. ما الذي تحتاجه الدراما المحلية لتقدم نفسها للجمهور العربي؟ وما الذي ينقص الممثل اليمني عن غيره؟*
تحتاج الدراما اليمنية أن تقدم نفسها للجمهور المحلي بالشكل الصحيح أولًا، لأن عدم رضى الجمهور اليمني يعني استحالة إقناع الجمهور الإقليمي والعربي، وخلال السنوات الأخيرة بدأنا في ملاحظة تفاعل الناس في الشارع أو على وسائل التواصل، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، واعتقد أن هذا إحدى المبشرات بإمكانية إقناع المشاهد اليمني.
وفي رأيي أن ذلك ليس صعبًا، لكنه يتطلب الجودة الشاملة، كما أن اللهجات اليمنية المتعددة قد لا تكون بعض ألفاظها مفهومة للمتابع العربي، وسبق لنا إنتاج بعض المسلسلات في مصر والأردن، وفي أول الأيام كانت طواقم الأعمال في هذه البلدان لا تفهم ما نقوله أحيانًا، ومع مرور الوقت أصبحوا يتفاعلوا ويتأثروا بالمشاهد وأصبحوا ملمين بلهجاتنا، بمعنى أن الاستمرار يمكن أن يذلل هذه المشكلة.
واللافت أن مسلسل “دروب المرجلة” لهذا العام، حظي ببعض المتابعات الخارجية، لأن لهجة المسلسل بدوية ومفهومة لدى كثير من الأقطار العربية القريبة، وهذا ما يؤكد أن العوامل ممكنة، في ظل حالة التنافس المحلي غير المسبوق.
وفيما يتعلق بالشطر الثاني من سؤالك، سأضرب لك مثالًا حدث معنا خلال تصوير مسلسل “بيت المداليز” قبل عدة سنوات في القاهرة، كان هناك مشهد خطير رفضت تأديته لأننا لم نتلق أي تدريب على المخاطرة، وأجورنا لا تسمح بذلك وليس لدينا أي تأمين، ومخرج العمل المصري تفهم ذلك.
وبالتأكيد أن الممثل اليمني يمتلك الموهبة، لكن ينقصه التدريب والتأهيل، والقنوات المحلية المنتجة للأعمال الدرامية لا تفكر مطلقًا بإقامة دورات حتى مدفوعة الثمن للممثلين لتعزيز قدراتهم ومهاراتهم، فمثلا واجهتنا خلال “دروب المرجلة” الكثير من المشكلات في ركوب الخيل وحتى في قيادة بعض السيارات، وكان ذلك يؤخر التصوير.
وهناك الكثير من الممثلين المبدعين بذلوا جهودا شخصية كبيرة في تطوير قدراتهم فنيًا وبدنيًا، لكن هذه الأعمال بالنسبة لهم موسمية فقط، ولديهم حياة ومهام وأعمال أخرى إضافة للمسؤوليات الأسرية.
كما أن هناك مشكلة أخرى متعلقة بغياب التسويق المدروس والصحيح لتقديم الممثل اليمني، فضلًا عما يواجهه من إرهاق واستنزاف في كثير من الأعمال الفنية والمسرحية، ثم يُطلب منه التجديد في حالات مستعجلة، لأن الوقت ضيّق.