الوطن العدنية/مقال لـ"ماهر البرشاء"
من منكم لا يتذكر ذلك المقطع الذي انتشر آنذاك بشكل واسع، ولقي ردود أفعال سلبية من الشعب اليمني؟ وصفوه بالضعيف، بالمتباكي، ووصل الأمر ببعضهم إلى وصفه بالأضحوكة، وحتى القول بأنه كحال النساء. لا أعتقد أن أحدكم قد نسي تلك الكلمات ودموع باسندوة الغالية.
قبل سنوات عديدة، كان محمد سالم باسندوة، رئيس حكومة الوفاق اليمنية، يعتلي منابر الخطابات ويبكي بحرقة، مناشدًا الشعب اليمني: "لا تهدموا بيوتكم، لا تخرقوا سفينتكم، لا تحرفوا مسار حاضركم ومستقبلكم، ولا تدمروا وطنكم بأيديكم فتندموا عليه فيما بعد."
كان باسندوة يعتلي منابر الاجتماعات لقيادة الدولة، مُلقيًا كلماته للشعب اليمني، وهو يبكي في كل مرة، مُدركًا مرارة ما سيحدث إذا لم يحافظوا على ما بين أيديهم، ولم يسعوا للمضي قدمًا، وبناء وطن متسلح بالعلم والمعرفة، وطن آمن، ومستقر.
بكى باسندوة، وانتقدناه، وشتمناه، وجعلنا منه مسخرة، ونحن لا ندرك أن دموعه تلك ستصبح يومًا ما غالية، وستكون كقطرات "أسبرين" توضع على الجرح فتؤلمه، محولةً الضحكات إلى أنين حزن.
هذا المساء، شاهدت فيديو قديمًا محمد سالم باسندوة وهو يبكي ويقول: "عندما أزور وطنًا آخر وأعود إلى وطني، أبكي لأنني أرى الأوطان الأخرى في حال، وبلادي في حال آخر." أعادني الفيديو إلى الماضي، وتألمت على كل كلمة قلناها، وتاهت حواسي بين بكاء وصمت، بألم، وقهر، وأنين.
أتعلم يا باسندوة، أود مخاطبتك عن قرب لأقول: إن آلاف اليمنيين الذين كانوا يضحكون بالأمس على بكائك، يبكون اليوم ويتمنون عودة دموعك الوطنية، يتذكرونك فتؤلمهم ذكراك، يشاهدون كلماتك فيلعنون مسؤولي اليوم.
أتعلم يا باسندوة، أن دموعك اليوم لامست قلوب اليمنيين شمالًا، وجنوبًا، شرقًا، وغربًا، وهم يأملون أن يجدوا مثلها في وقتنا هذا؟ ولكن تبقى دموع الألم غالية، لا تعوض ولا تقدر بثمن، لأن الوطن كان بالنسبة لك كل شيء.
انتقدناك، وضحكنا عليك ونحن نعيش في ظل دولة ونظام، وقانون. أما اليوم، فكل شيء تغير، وأصبح الوطن الذي ذرفت دموعك يومًا لأجله بقايا ركام حرب أكلت الأخضر واليابس. فأرجو منك أن تسامحنا على ما اقترفناه بحقك.
ماهر البرشاء