الوطن العدنية/مقال لـ"وضاح اليمن الحريري"
اصدر الرئيس الامريكي ترامب، في بداية مبكرة، لتوليه الرئاسة في فترته الثانية، امره التنفيذي باعتبار حركة الحوثيين، منظمة ارهابية، ووجه في أمره بمجموعة من الاجراءات، للتضييق على الحركة وقدراتها، دون أن يذهب في امره ابعد من ذلك، مما يعني أن المدى الزمني لهذا الأمر، قد يكون طويلا يمتد لسنوات او قصيرا من عدة أشهر، بحسب مقتضيات الاوضاع وتطور الاحداث في منطقة الشرق الاوسط والبحر الاحمر، بما فيها ما يمكن ان يهدد او لا يهدد المصالح الامريكية وارتباطاتها الاقليمية.
السوابق الامريكية
يمكن ببعض التقييم للسوابق الامريكية، في تدخلاتها على مستوى العالم وفي أوامر قياداتها المشابهة لهذا الامر التنفيذي، في افغانستان او العراق او غيرهما، أن نكتشف ان البراجماتية الامريكية في سياستها الدولية وعلاقاتها الخارجية، غالبا لا تتسم بالثبات والجمود الاستاتيكي، نقصد ان نظريتها النفعية، هي عادة التي تحرك نشاطها وتوجه خطواتها، تجاه خصومها او حلفاؤها، بالتالي من الصعب الركون على هذا الامر التنفيذي وحده، خصوصا في مسألة حلحلة الاوضاع المعلقة في اليمن، ما لم يتبع بخطوات ملموسة أخرى، كالعمل العسكري مثلا وهو الامر غير المضمون بأن تقوم به الولايات المتحدة فقد تكتفي الحكومة الامريكية، بالتشديد وفرض الحصار على الحوثي، دون ان تتدخل لصالح خصومه، الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا ومجلس القيادة الرئاسي اليمني، الذين يحتاجوا اكثر من هذا الامر التنفيذي، كي يسعوا لتحقيق نصر حاسم على الحوثيين في حربهم معهم، الحرب المعلقة والمشغولة بحروب اخرى اكثر تفصيلية، داخليا وخارجيا.
لابد اذن من قراءة حصيفة، ليس لتداعيات الامر الترامبي، بقد ما يجب من استيعاب وتمحيص في تبعاته ونواتجه، وسيناريوهات اثره المحتملة، على الاصعدة المختلفة، مع معرفة ميزات ما يمكن ان يحققه ذلك، من تفوق او تقدم بالنسبة للأطراف المحلية المواجهة للمشروع الحوثي، لأن الامريكان، قد لا يكون في بالهم او من بين اهدافهم، ان الأمر يعني ان ينتهي بهزيمة الحوثي في الحرب والتخلص من حركته، لذا فإن على الشرعية ان تقرأ الامر التنفيذي مع قراءة العقلية الامريكية في فهم وتقييم الاوضاع، كي تستفيد بأقصى ما يمكن من امر ترامب.
الحوثيون كرجل معاقب
صحيح انه يمكن النظر الى نشاط الحركة الحوثية ودورها، بالنسبة للمتابع العادي، بدرجات متفاوتة، تبدأ من أعلى مستواها بالتشدد والمطالبة باجتثاث الحركة وهزيمتها، الى التأييد للحركة ومناصرتها، مع التفاعل الشاطر الذي قامت به الحركة ما بعد عملية طوفان الأقصى، الا أن كل ذلك، لا يمنع ولن يمنع، ادانتها في الدفع بعجلة الحرب في اليمن نحو الاستمرارية، واعطائها طابع الديمومة، من خلال استمرار تشدد الحركة، بتهديدها للملاحة الدولية في البحر الاحمر، مع ادراكها بانعكاس المشكلة على مسار التسوية وافشال جهود السلام، إذ يبدو أن الحوثيين يقيسون المسألة بمقياسين، الاول هو في علاقتهم بالمجتمع الدولي والاقليمي، لهم معادلتهم التي يحسبونها فيها، اما الثاني فهو مقياسهم للاوضاع المحلية في مناطق سيطرتهم او في مناطق سيطرة الشرعية، ليوفقوا فيما بعد بين المعادلتين للوصول الى حصيلة تطيل بقائهم وتحولهم الى كيان سيتشرعن بعد عدة سنوات، كما تشرعن نظام طالبان او كما تحركت آلية اسقاط النظام السوري السابق، لأن الفرضية ستبنى لدى الحوثيين كما اتصور ، على اساس ان كل لحظة تماسك وصمود داخلي لنا بدون خضات، ستمضي بنا نحو مواجهة الضغوط الخارجية، مما سيجعلنا أكثر حضورا وتأثيرا، ما بالك ونحن نتملك أسلحة الردع من الصواريخ والمسيرات، هذه الجدلية المغامرة، هي التي سيدفع ثمنها الشعب اليمني في كل مكان بانعكاساتها عليه، جوعا وفقرا وقهرا وقمعا وتمزقا.
إن جوهر العقوبة التي يجب أن يواجهها الحوثي، هي في هزيمته سياسيا اولا، فالتسمية بالارهابي قد لا تجدي ولا تعني شيئا، اذا لم يقابل الحوثي مشروعا سياسيا متماسكا وممنهجا، ناجحا في خطواته واعماله، وفي تحقيق أهدافه، ليس بالتحريض الشعبوي المباشر، لكن بالنفس الوطني الواسع والطويل المدى، هنا سيفرق الامر وسيظهر الحوثيون في حالة من العزلة الغارقة في انكفائها السياسي، هذا يقتضي تزامنا في الخطوات المصاحبة للأمر التنفيذي الترامبي.. وللحديث بقية.