عربية وعالمية

الإثنين - 17 مارس 2025 - الساعة 09:30 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/متابعات

في السودان لا يُعد الشاي مجرد مشروب، بل هو طقس يومي متجذر في الحياة الاجتماعية، حيث تمتزج نكهاته برائحة القرنفل والهيل والنعناع، ويتحول فنجانه إلى رفيق للحوارات والاستراحات العابرة. لكن هذا التقليد العريق يواجه اليوم اختبارا صعبا بعد قرار رسمي مفاجئ بحظر استيراد الشاي الكيني، في خطوة تعكس تداخلا معقدا بين الاقتصاد والسياسة، تماما كما تتشابك خيوط النسيج النوبي في أسواق الخرطوم العتيقة.
في الأسواق، لا تزال عربات الشاي في الأحياء الشعبية تحافظ على زخمها، لكن التجار يترقبون، والمستهلكين يتساءلون: هل ستظل الأسعار على حالها أم أن السوق على أعتاب أزمة جديدة؟ الجميع يدرك أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن تتفاقم التداعيات، فالشاي الكيني ليس مجرد سلعة بل هو مزاج عام.
ما وراء الحظر: غضب سياسي أم إعادة تموضع؟
لكن القصة لا تتوقف عند حدود التجارة. فكما هو الحال في السياسة، لا توجد قرارات بريئة، وحظر الشاي الكيني ليس مجرد إجراء اقتصادي. نيروبي، التي احتضنت مؤخرا اجتماعا لقوات الدعم السريع وحلفائها السياسيين، تجاوزت في نظر الخرطوم خطوطا حمراء. فهل السودان يعاقب كينيا على مواقفها أم أنه يعيد رسم خرائط المصالح وفق معادلات جديدة؟
بالنسبة لكينيا، الصدمة كبيرة. فالشاي يمثل أكثر من 23% من عائدات التصدير، ويعد السودان أحد أبرز أسواقه، حيث يستورد قرابة 10% من الإنتاج الكيني السنوي، بقيمة تتراوح بين 40 و50 مليون دولار. الآن، تتكدس مئات الحاويات في ميناء مومباسا، فيما يبحث المصدرون الكينيون عن حلول لإنقاذ بضائعهم العالقة، وسط تراجع عالمي في أسعار الشاي.
السودان يغلق أبوابه.. وصناعة الشاي الكينية تتلقى ضربة موجعة
وفقا لصحيفة "ستاندارد" الكينية، فإن أكثر من 207 حاويات شاي كانت متجهة إلى السودان توقفت في الموانئ، وهو ما يعادل 20% من الصادرات الموجهة إلى هذا السوق الحيوي. وبينما لا تزال بعض الشحنات في البحر بانتظار تصريح الدخول، يواجه المصدرون الكينيون مأزقا ماليا خانقا.
ونقلت مواقع كينية عن مصدر في قطاع الشاي قوله: "نحن في وضع كارثي. إذا لم يتم إيجاد حل سريع، فقد تواجه صناعة الشاي في كينيا أزمة اقتصادية واسعة النطاق"


حظر استيراد الشاي يهدد السوق السودانية بارتفاع الأسعار
في السودان، لم يشعر المستهلكون بعد بتأثير القرار بشكل مباشر، لكن التجار بدأوا بتخزين الشاي تحسبا لارتفاع الأسعار. وبحسب أبو بكر عمر، أحد مستوردي الشاي الكيني، فإن السودان كان يستورد سنويا ما قيمته 40-50 مليون دولار من الشاي الكيني، ما يجعل العثور على بدائل بالجودة ذاتها تحديا حقيقيا.
وقال عمر لـ"العربية.نت": "إيجاد بدائل بنفس الجودة والسعر سيكون صعبًا، فالخيارات المتاحة من الهند وسريلانكا والصين إما أعلى تكلفة أو أقل وفرة. كما أن المستوردين والموزعين يواجهون صعوبة في تأمين الشحنات، مما قد يؤدي إلى انخفاض حجم أعمالهم".
رهان على البدائل.. ولكن بأي ثمن؟
أمام هذا الواقع، بدأت بعض الدول بعرض نفسها كبديل. زيمبابوي، على سبيل المثال، سارعت إلى تقديم نفسها كمصدر جديد، إذ التقى سفيرها في الخرطوم بوزير التجارة السوداني لبحث إمكانية سد الفجوة. لكن، هل يمكن للشاي الزيمبابوي أن ينافس نكهة الشاي الكيني التي حُفرت في وجدان السودانيين أم أن الأمر مجرد حلّ مؤقت في انتظار مخرج سياسي؟
ما بعد الحظر: تصعيد أم تسوية؟
الأسئلة كثيرة. هل ستردّ كينيا بخطوات مضادة، مثل فرض قيود على المنتجات السودانية أم ستتحرك دبلوماسيا لاستعادة سوقها؟ في الخرطوم، تبدو السلطة أمام اختبار دقيق: كيف تحافظ على استقرار السوق دون أن تخسر ورقة الضغط السياسي؟
وفي انتظار الإجابة، يبقى الشاي، ذلك المشروب البسيط، عنوانًا لمواجهة لم تُحسم بعد، حيث تتشابك المصالح التجارية بالحسابات السياسية، في مشهد مفتوح على احتمالات تتجاوز حدود المقهى الشعبي.