الوطن العدنية/مقال لـ”د.حسين لقور”
منذ أن سقط علي عبدالله صالح في منزله بصنعاء في ديسمبر 2017 (رواية سابقة)، والحكاية ظلت ناقصة حتى ظهرت رواية ابنه وقبله عدد من الضباط عن مقتله في (قرية الجحشي) وهو هارب نحو قرية بيت الأحمر.
لقد أُغلق الملف سريعًا، دون محاسبة، دون تحقيق حقيقي، وكأن الرجل الذي حكم صنعاء لأكثر من ثلاثة عقود سقط هكذا دون أن يتورط أحد في تسهيل طريق الحوثيين إليه.
لكن يبدو أن الزمن بدأ يكشف المستور، مؤخرًا، خرج أحد أبناء علي صالح في مقابلة علنية يتحدث عن دور مشبوه لابن عمه طارق محمد عبدالله صالح في مشهد الانقلاب على والده، بل وذهب أبعد من ذلك بتلميح إلى أن طارق ربما سهّل مقتله أو تخلى عنه في اللحظة الحرجة على أقل تقدير.
هذا التصريح الذي ما كان ليُقال لولا تراكم مرارات كثيرة، يعكس صدعًا داخليًا يتشكل بهدوء داخل العائلة العفاشية، فهل يتحول إلى انقسام صريح في حال لم تُضبط الأمور أو يتم احتواؤها في البيت العفاشي؟.
لماذا الآن؟ الزمن قد يُنسي الضحايا لكن لا يُنسي القتلة، وصالح قاتل وكم أُناس تمنّوا له نهاية تليق بجرائمه، كتلك التي نالها، جزاء ما اقترف.
لقد بقيت الجراح مفتوحة في صدور من شعروا أن طارق، الذي تصدّر المشهد بعد مقتل عمه، فعل ذلك على حساب دم عمه ولا يزال الحدث طريًا في الذاكرة العائلية.
الأبناء الذين غُيّبوا إعلاميًا وسياسيًا يرون أن طارق اختطف الإرث العائلي والسياسي، ثم استثمره في مشروع جديد خاصًا به، بعيدًا عنهم، بل وربما ضد ما كان والدهم يريد لهم من توريث.
فهل أصبحنا أمام معسكران داخل البيت العفاشي، بعدما كان يقال همسًا بدأ يُقال بصوتٍ عالٍ. هناك اليوم مؤشرات على تشكل جناحين داخل الأسرة:
- جناح طارق حظي بالدعم العسكري واللوجستي من التحالف، ويقود قوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، ويقدم نفسه كامتداد جمهوري لمشروع صالح.
- جناح الأبناء المهمّشون سياسيًا، لكن يمتلكون ما يعتقدون أنه إرثًا سياسيًا خاصًا لهم، وقد يبدؤون بتحريك بعضًا من بقايا العفافشة ضد طارق بعد أن شعروا بالخيانة أو الإقصاء.
مما لا شك فيه ان ما كُشف عنه مؤخرًا لن يكون دون تداعيات محتملة وأهمها تفكك شبكة الولاءات العائلية داخل تيارات المؤتمر الشعبي العام المُنقسِمة أصلًا.
- استثمار الخصومة من قبل الحوثيين الذين يملكون أرشيفًا وافرًا من التسجيلات والاتصالات من فترة سقوط صنعاء مما يعطيهم مادة كبيرة للابتزاز.
- إضعاف موقع طارق سياسيًا وإعلاميًا إن لم يتدارك المسألة برد احتوائي أو كشف للحقائق.
- عودة الأبناء إلى المشهد من بوابة المظلومية، وهو ما قد يربك حسابات التحالف الإقليمي الذي دعم طارق كشخص لا كعائلة.
ولذلك، يمكن القول أن ما يحدث اليوم في بيت صالح ليس مجرد تباين في الرأي، بل قد يكون بداية تفكك البنية التي حاولت بناء مشروعًا سياسيًا جديدًا على أنقاض النظام السابق.
والأخطر أن الخصومة إن اتخذت طابعًا علنيًا، فلن تقتصر على العائلة، بل ستمتد إلى بقايا تيارات المؤتمر وتحالفاتها الإقليمية، والتوازنات في الساحة اليمنية، قد تُعيد رسم خطوط النفوذ في مناطق الساحل الغربي وما بعده.
لقد كانت نهاية صالح ومقتله بداية نهاية مشروعه، والآن، قد تكون بداية نهاية طارق وحلمه، بعدما فقد شرعيته من داخل البيت العفاشي.