الوطن العدنية/العرب اللندنية
جاءت الاحتجاجات الشعبية العارمة في مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن مكرسة للأوضاع المعقدة أصلا في المحافظة الأكبر مساحة والأغنى بالثروات الباطنية، والتي تواجه السلطة الشرعية اليمنية صعوبات كبيرة في ضبطها والسيطرة عليها بسبب احتدام صراع النفوذ داخلها.
وتشهد المدينة الواقعة على ساحل بحر العرب منذ الأحد احتجاجات شعبية تعبيرا عن الغضب من تردي الأوضاع المعيشية وحالة شبه الانهيار التي بلغتها الخدمات العامّة وخصوصا خدمة الكهرباء، وهو غضب بلغ ذروته الاثنين مع إقدام المحتجين على اقتحام مبنى إدارة السلطة المحلية في رسالة جديدة للحكومة التي أصبح التمرّد على سلطتها وقراراتها ظاهرة متواترة يجسدها بشكل استثنائي حلف قبائل حضرموت الذي بات يجاهر برغبته في تسيير شؤون حضرموت والسيطرة على ثرواتها وصولا إلى دعوته لإنشاء حكم ذاتي فيها مدعوم بقوة عسكرية شرع بالفعل في تشكيلها.
وتدعم فورة الغضب الشعبي موقف الحلف على حساب خصومه ومنافسيه وخصوصا ائتلاف السلطة الشرعية الذي يرى في حضرموت جزءا أساسيا لا تنازل عنه.
وعلى غرار غالبية السكان في المناطق الواقعة ضمن سلطة الحكومة الشرعية اليمنية، واجه سكان حضرموت انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي وصلت خلال الصائفة الحالية إلى أكثر من ثماني ساعات في اليوم.
ولا تعتبر أزمة الكهرباء الحادة الأزمة الوحيدة التي يعانيها سكان تلك المناطق الذين يعانون أيضا نقصا في المياه وترديا في الخدمات الصحية والتعليمية، مضافة إلى موجة غلاء في أسعار المواد الأساسية مترتبة عن ظاهرة التضخم التي تسبب بها الانحدار الكبير في قيمة عملة الريال المحلية.
لكن أزمة الطاقة الكهربائية تظل مثار غضب استثنائي من قبل السكان باعتبارها عنوانا على الفشل الحكومي في إدارة الموارد وحسن توظيفها بما في ذلك موارد الطاقة الوفيرة في حضرموت وبعض المحافظات الأخرى.
وعزت السلطة المحلية في حضرموت أسباب الانقطاعات الطويلة والمتكررة للكهرباء إلى نفاد الوقود نتيجة ما وصفته بـالتقاطعات القبلية التي تعيق مرور ناقلات الوقود إلى محطات التوليد، في إحالة إلى نقاط التفتيش التي يقيمها حلف قبائل حضرموت عند مداخل مواقع إنتاج النفط وعلى طرق ومحاور نقل الخام بالشاحنات في إطار ما يسميه الحلف الحفاظ على ثروات المحافظة.
وفي مقابل ذلك تنصّل الحلف من أي مسؤولية عن الأزمة، قائلًا على لسان الناطق باسمه الكعش سعيد السعيدي، إن السلطة المحلية ومؤسسة الكهرباء وشركة النفط ترسل يوميًا كشوفًا بالكميات المستحقة من المازوت والديزل إلى شركة بترومسيلة للتزويد والتعبئة مع نسخة من تلك الكشوف إلى الحلف لتسهيل مرورها اليومي، مؤكدًا أن العملية تتم بانسيابية تامة.
وأكّد أن النشرات اليومية التفصيلية تثبت التزام الحلف بمهامه، لافتًا إلى أن أي أزمة في كهرباء الساحل لا يتحمل الحلف مسؤوليتها.
وعكس السعيدي الهجوم على السلطات المحلية الممثلة للشرعية اليمنية، داعيًا إياها إلى التنحي وقائلًا إنّ "المسؤولية أمانة وإن عجز القائمون عليها عن أدائها فالاعتذار عنها شرف وترك المجال لغيرهم ممن يمتلكون القدرة على تحمّلها واجب".
ويحاول حلف القبائل الاستثمار في المزاج الشعبي الغاضب من السلطة المحلية التي يمثلها المحافظ مبخوت بن ماضي، وهو مزاج أعاد المحتجون التعبير عنه الاثنين خلال تجمّعهم في محيط مقر تلك السلطة قبل اقتحامه، رافعين شعارات تحمّل المسؤولين المحليين مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع المعيشية والخدمية من تدهور وانهيار غير مسبوقين، ومنادين برحيلهم ومتوعدين بعدم السكوت مستقبلا على تلك الأوضاع.
وعلق المحلل السياسي العميد المتقاعد خالد النسي على اقتحام المحتجين لمقر ديوان محافظة حضرموت بالقول إنّه جاء بعد أن "غرق المواطنون في القهر والمعاناة ولم يجدوا من يسمع أنينهم".
وذكّر في تعليق له عبر منصّة إكس بأنّ "حضرموت كانت تمثل نموذجا إيجابيا مشرفا بين المحافظات المحررة"، معتبرا أن الأزمة في المحافظة هي أزمة فراغ قيادي، فمنذ خروج المحافظ السابق فرج سالمين البحسني منها "سقطت في دوامة الفوضى والمعاناة"، وداعيًا إلى عودة الرجل الذي يشغل حاليا منصب عضو في مجلس القيادة الرئاسي إلى منصبه السابق.
ويعتبر البحسني من الشخصيات الحضرمية الكاريزمية وكان له دور كبير في بسط الاستقرار في المحافظة من خلال مشاركته في قيادة عملية استعادة مناطقها التي سقطت سنة 2015 بيد تنظيم القاعدة.
وتخشى دوائر سياسية وأمنية من تأثير الأحداث الجارية في حضرموت من صراع شرس على السلطة والنفوذ ومن احتجاجات شعبية على سوء الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات، على مستوى الأمن والاستقرار في المحافظة، محذّرة من تطور الصراعات إلى صدامات مسلحة قد يشجّع على حدوثها وقوع السلاح بكثرة في يد أكثر من طرف.
وهدّد المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرا باستخدام القوة العسكرية لفرض السيطرة على المحافظة قائلا على لسان العميد سعيد أحمد المحمدي رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس بحضرموت، إنّ الأخيرة "بما تمتلكه من موقع استراتيجي وثروات وقدرات بشرية لم تعد تحتمل استمرار الوصاية أو العبث السياسي. وقد آن الأوان أن تفرض إرادة الشعب الحضرمي نفسها على الواقع عبر قوات محلية قوية وشرعية قادرة على الدفاع عن الأرض والهوية".