منوعات

الإثنين - 13 أكتوبر 2025 - الساعة 12:52 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية /متابعات


كما يحدث غالبا في الكوارث، لم يتوقع أحد بين 33 شخصا من عمال منجم "سان خوسيه" في صحراء "أتاكاما" في شمال تشيلي ما سيجري لهم في 5 أغسطس 2010 على عمق 700 متر.
كانوا في أعماق منجم في منطقة تبعد عن العاصمة سانتياغو 725 كيلو مترا، إلا أن هذه المسافة أصبحت لأيام واسابيع طويلة بعيدة المنال، كما ضوء الشمس على سطح الأرض عند المخرج، وكانت تفصلهم عنه حوالي 5 كيلو مترات.

في ذلك اليوم من شهر أغسطس 2010، وقعت كارثة في المنجم قطعت طريق الخروج على 33 من العمال بانهيار المنحدر الرئيس المؤدي إليه.

سقطت فجأة حجارة ضخمة من السقف. انهارت كتلة متراصة ضخمة تزن 700000 طن بالقرب من عمال المنجم، وكانت أعمارهم تتراوح بين 19 و60 عاما.

وجد الرجال أنفسهم فجأة محاصرين في أعماق الأرض. انسحب العمال إلى ملجأ طوارئ صغير ولم يكن توجد فيه إلا كمية قليلة من الطعام لا تكفي إلا ليومين أو ثلاثة. هناك ارتموا على الأرض متراصين وانتظروا في هلع وصول النجدة. صلوا كي تأتي سريعا قبل فوات الأوان.

لم يعرف أحد في الأعلى مصير عمال المناجم وهل نجوا من الانهيار أم راحوا ضحيته. أثناء قيام رجال الإنقاذ بالمحاولة الأولى للوصول إلى داخل المنجم والبحث عن ناجين، حدث انهيار ثان. تضاءلت الآمال أكثر في نجاة العمال، لكن أقاربهم نجحوا في لفت انتباه وسائل الإعلام العالمية للكارثة. لولا ذلك لكانت السلطات التشيلية أوقفت عميلة الإنقاذ لاعتقادها بعدم وجود ناجين.


عملية الإنقاذ الدولية التي جرت تعرضت للعديد من العراقيل والصعاب، منها خرائط المنجم القديمة وسقوط المزيد من الصخور. عمال المنجم المحاصرون هم أيضا مع مرور الأيام لم يكونوا واثقين من أنهم سيرون النور مرة ثانية.

كان لا بد من تنفيذ عملية إنقاذ معقدة للوصل إلى أعماق المنجم وانتشال الأحياء. وكان ذلك ستطلب الكثير من المال. بسبب الضجة الإعلامية الكبيرة أصبحت عملية الإنقاذ مهمة الحكومة التشيلية الأولى.

بذلت الكثير من الجهود وطلبت الحكومة المساعدة من شركات الحفر. شارك أكثر من 600 مهندس وعامل إنقاذ في هذه العملية الصعبة. لاحقا قدّرت الحكومة ما أنفق على عملية الإنقاذ بأكثر من 22 مليون دولار.

الكثيرون في جميع أنحاء العالم ترقبوا وقتهم الأنباء من تشيلي حول مصير عمال المنجم. لمدة 17 يوما من عملية الإنقاذ لم يكن يُعرف هل هم أحيا أم أموات. ما زاد من اليأس أن كمية الطعام المتوفرة والمكونة من التونة المعلبة كانت قليلة جدا، والمياه لا تكفي إلا بضعة أيام.


رجال الإنقاذ تمكنوا أخيرا في 22 أغسطس 2010 من الحفر عميقا ووصل مثقابهم إلى الملجأ. حين شق المثقاب الصخور ودخل إلى المحاصرين داخله، غمرتهم فرحة عارمة لا حدود لها. وعندما رفع عمال الإنقاذ المثقاب إلي السطح وجدوا قصاصة على رأسه: "نحن على قيد الحياة. يوجد 33 شخص هنا".

بعد ذلك تم التواصل مع العمال المحاصرين في أعماق المنجم. تمكن هؤلاء من التحدث إلى أسرهم. وجرى تزويدهم بالطعام والماء والأدوية والكتب والمجلات.

كي تتم عملية الإنقاذ ويُنتسل العمال المحاصرون، كان يتوجب استخدام كبسولة خاصة كانت صنعت في البحرية التشيلية بمساعدة وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا". قبل ذلك تطلب الأمر حفر نفق بقطر 70 سنتمتر بواسطة مثقاب هيدروليكي خاص، كي تتحرك الكبسولة داخله وصولا إلى الأعماق حيث الملجأ.


نفذت هذه العملية المعقدة بنجاح. وجرى في 12 أكتوبر بعد 68 يوما من انهيار المنجم، انتشال الرجال العالقين الـ 33 الواحد بعد الآخر وإخراجهم إلى سطح الأرض.

خرج هؤلاء من القبر الذي دُفنوا فيه أحياء وهم يرتدون نظارات واقية خاصة حتى لا تعمي أبصارهم أشعة الشمس. المشرف على فريق العمل في هذه المناوبة واسمه لويس أورسوا وعمره 54 عاما، كان آخر الخارجين إلى النور.

عانى الناجون لاحقا من الكثير من المشاكل وصعوبات حياتية متنوعة. لكنهم في مواجهة هذه الكارثة كانوا أبطال أكبر عملية إنقاذ من نوعها. لم يستسلموا، تمسكوا بالحياة وحافظوا على أرواحهم بتقسيط مخزونهم من الغذاء إلى حصص صغيرة كل يوم، ما مكنهم من البقاء أحياء إلى أن جاء الفرج.