أخبار محلية

الإثنين - 13 أكتوبر 2025 - الساعة 10:08 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/عدن

في ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، فجّر اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ومحافظ حضرموت الأسبق، عاصفة سياسية جديدة ببيانٍ ناري وجّه فيه انتقادات حادة للأوضاع في الجنوب، محذّراً من أن حلم الثورة بات مهدداً بالضياع بين الفساد والإقصاء والاستفراد بالقرار.

وقال بن بريك في بيانه الذي حمل عنوان «الجنوب بين حلم الحرية ووجع الواقع»، إن “الواقع الذي حلم به الشهداء لم يتحقق”، مؤكداً أن المواطن الجنوبي يعيش اليوم دوامة من المعاناة وانعدام الرواتب وغياب العدالة، في ظل ما وصفه بـ“العبث المستمر بأسماء مختلفة ووجوه متكررة”.

وحذّر بن بريك من أن التحرر الحقيقي لا يكتمل برحيل المستعمر فحسب، بل يبدأ من بناء الإنسان الحر القادر على حماية مكتسباته، متهماً بعض القيادات بـ“التسلق على أكتاف الثورة ونهب أحلام الناس بشعارات وطنية زائفة”.

وأضاف: “الشعب الذي قدّم الشهداء لا يُكافأ بالجوع ولا بالإحباط”، داعياً إلى مراجعة شاملة للمسار السياسي ووضع حدّ لنهج الاستفراد بالسلطة، مشدداً على أن “الجنوب لن ينهض بعقلية التملك أو المحسوبية، بل بعقلٍ جماعيٍّ ناضجٍ يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”.


وجاء في نص ما قاله بن بريك :

ثورة الرابع عشر من أكتوبر الـ62.. الجنوب بين حلم الحرية ووجع الواقع

في الرابع عشر من أكتوبر، قبل اثنين وستين عاماً، أطلق أبناء الجنوب رصاصتهم الأولى من جبال ردفان الشامخة، فدوّت صرخة الحرية في وجه المستعمر، معلنة ميلاد الثورة التي أعادت للجنوب كرامته المسلوبة، وفتحت أبواب التاريخ أمام شعبٍ أراد الحياة فصنعها بإرادته.

كانت ثورة أكتوبر المجيدة صفحة ناصعة في سجل الشعوب الحرة، جسّد فيها أبناء الجنوب أسمى معاني التضحية والفداء، وسطّروا بدمائهم ملحمة النصر على أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ الحديث.

وها نحن اليوم، في ذكراها الثانية والستين، نترحّم على أرواح الشهداء الأبرار الذين صاغوا بدمائهم درب الحرية، ووهبوا حياتهم لتعيش أجيالنا في كرامةٍ وعزّةٍ وسيادة. رحم الله أولئك الرجال الذين لم يساوموا على الوطن، ولم يعرفوا طريق الانهزام، فبفضلهم نعيش اليوم على أرضٍ طاهرةٍ حرةٍ رغم كل ما يحيط بها من محنٍ وتحديات.

لكن ما يؤلم اليوم هو أن الواقع الذي حلم به الشهداء والثوار لم يتحقق كما أرادوه؛ فالمواطن الجنوبي الذي انتظر ثمرة النضال والحرية، يجد نفسه في دوّامة من المعاناة والتردّي التي لا تليق بتاريخ التضحيات، ولا بروح أكتوبر العظيمة.
بلاد أنهكتها الأزمات، وموظفون بلغوا الشهر الرابع بلا راتب، وأسرٌ تبحث عن لقمةٍ كريمة في وطنٍ يفيض بالخيرات، بينما تحاصرهم المعاناة من كل جانب.

صار المواطن الجنوبي، الذي حلم بدولةٍ تليق بتضحياته، يواجه كل صباح واقعاً يزداد قسوة، وعبثاً يتجدّد بأسماء مختلفة ووجوه متكرّرة، حتى غابت البوصلة وضاعت المصلحة العامة في زحام المصالح الضيقة.

لقد أثبتت التجربة أن التحرر الحقيقي لا يكتمل برحيل المحتل فقط، بل يبدأ ببناء الإنسان الحر القادر على صون مكتسباته، ومواجهة العابثين الذين يتسلّقون على أكتاف الثورة باسمها، ويختبئون خلف شعاراتها لينهبوا أحلام الناس، ويستبدلوا بظلم الأمس أشكالاً جديدة من الإقصاء والهيمنة والفساد.
إنهم أولئك الذين جعلوا من القضية سلّماً، ومن الثورة رداءً يتدثّرون به حين يشاؤون.

لقد تعب الناس من انتظار الوعود، ومن سماع الخطابات التي لا تُطعم جائعاً ولا تردّ كرامةً مهدورة. فالشعب الذي قدّم الشهداء لا يستحق أن يُكافأ بالخذلان، ولا أن يُترك فريسة للفقر والجوع والإحباط، بعد أن حلم بدولةٍ عادلةٍ تداوي جراحه لا تزيدها نزفاً.

ومع ذلك، فإن شعبنا الجنوبي يدرك أن طريق الحرية لا يُعبّد بالأوهام، وأن مشروع الاستقلال لا يمكن أن يُدار بعقلية التملّك أو الاستفراد، بل بعقلٍ جماعيٍّ ناضجٍ يضع الجنوب فوق كل اعتبار، ويؤمن بأن الكفاءة لا تُقصى، والعقلانية لا تُعاقب، وأن الصادقين لا يُحاصرون لأنهم يقولون الحقيقة.

إن ذكرى أكتوبر ليست فقط مناسبة للاحتفال، بل هي لحظة صدقٍ مع الذات، ومراجعةٌ عميقة لمسارنا الوطني والسياسي؛ لحظة نعيد فيها قراءة التاريخ لا لنبكي الماضي، بل لنتعلّم منه كيف نصنع المستقبل.

فلا استقلال بلا عدالة، ولا دولة بلا مؤسسات تحترم كفاءات أبنائها، ولا كرامة في ظلّ من يظنّ أن الوطن ملكية خاصة أو إرث يُوزَّع على المقرّبين.

إنها مسؤولية الجميع أن يسمعوا صوت الشارع الصادق، وأن يتعاملوا مع آلام الناس لا بتخديرها، بل بحلولٍ واقعية. فشعب الجنوب لم يعد يحتمل المزيد من الوعود المؤجّلة ولا الخطابات المتكرّرة.
لقد دفع من دمه وعرقه ما يكفي ليستحق وطناً أفضل، ومستقبلاً أوضح، وقيادةً تعي أن الحرية ليست شعاراً يُرفع في المناسبات، بل عهدٌ يُترجم في الميدان.

ختاماً، نجدد العهد للشهداء، ونعاهد الله والوطن أن تبقى ثورة أكتوبر نبراساً يضيء درب الجنوب نحو الحرية الحقيقية، لا حرية الشعارات، وأن يبقى صوت الجنوبيين أقوى من كل محاولات الإقصاء والتجويع والتهميش.

وليعلم من ضلّ الطريق أن الجنوب لا يُباع ولا يُشترى، وأن الجوع لا يُطفئ الكرامة، وأن الشعوب التي خلّدت أكتوبر قادرة على أن تُعيد كتابة التاريخ من جديد.

التحية لأرواح الشهداء الأبرار،
والتحية لكل من ما زال على العهد، مهما عبث العابثون، ومهما حاول الانتهازيون إطفاء النور، فالشمس لا تُحجب بغربال.

اللواء الركن/ أحمد سعيد بن بريك
نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي
محافظ محافظة حضرموت الأسبق