مقالات وآراء

الأربعاء - 22 أكتوبر 2025 - الساعة 05:41 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية /كتب/منصور بلعيدي

في زمن تتراجع فيه القيم العلمية وتُهمّش الثقافة لصالح التجهيل والتدجين، يبرز الدكتور محمود الميسري، رئيس جامعة أبين، كواحد من القلائل الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية النهوض بالوعي الأكاديمي والثقافي في محافظة أبين، بل وفي الوطن عمومًا.

يمتاز الدكتور الميسري بنشاط أكاديمي دؤوب، وقدرة فائقة على نسج العلاقات العامة والخاصة، إلى جانب جهوده الكبيرة في ترسيخ دعائم العمل الأكاديمي والعلمي داخل الجامعة.
وقد تجلّى ذلك من خلال الأنشطة الثقافية والعلمية التي يدفع بها بوتيرة متسارعة لمواكبة التطورات في مختلف فروع المعرفة.

ومن حرصه على نشر العلم وتوسيع دائرة الثقافة العامة، أطلق مجلتين جامعيتين: إحداهما علمية والأخرى ثقافية، لتكونا نافذتين تطلان من خلالهما الجامعة على المجتمع والنخب العلمية والثقافية، بهدف نشر الوعي العلمي والثقافي في أوساط المجتمع.
وهو عمل بالغ الأهمية، رغم صعوبته وتعقيداته، إلا أن الدكتور الميسري لا يهاب المعوقات، بل يشق طريقه بثبات نحو إشاعة الوعي وتطوير العمل الأكاديمي، ليجعل من جامعة أبين منارة للعلم والريادة، وهذا يُحسب له.

*هدية ثمينة.. ولكن!*
قبل أيام، أهداني الدكتور الميسري نسختين من مجلتي الجامعة (العلمية والثقافية)، وقد سعدت كثيرًا بهذه الهدية التوعوية المفيدة علميًا وثقافيًا.
وبقدر سعادتي بأن الرجل اختصني بهذه الهدية القيمة، كانت سعادتي مضاعفة حين شعرت أن هناك بصيص أمل في نهاية نفق التجهيل الذي يخيّم على أبين، وأن هناك من يسعى جاهدًا لإشعال شمعة في وجه الظلام، بدلًا من الجلوس القرفصاء ولعن ذلك الظلام.

*غلطة الشاطر بعشر*
رغم الإيجابيات الكثيرة التي يتمتع بها الدكتور الميسري، إلا أن بعض قراراته الإدارية تبدو وكأنها مفروضة عليه من عوامل خارجية، لانها لا تلبي حاجة الجامعة في الارتقاء العلمي والثقافي، خصوصًا بالنظر إلى حداثة تأسيسها.
ومن ذلك تعيين رئيس تحرير المجلة العلمية، الذي بدا غير موفق.

لا شك أن في الجامعة كفاءات كثيرة تستحق الانفتاح عليها، فإدارة العمل الأكاديمي أكبر من التفكير الانزوائي. ولا نقول هذا للتقليل من كفاءة رئيس التحرير الحالي في مجاله التخصصي، بل لأن هناك من هو أكفأ منه في إدارة تحرير المجلة العلمية، وهناك اعتبارات أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ونحن نُدرك أن الدكتور الميسري يتعرض لضغوط، لكننا عهدناه لماحًا وقادرًا على التعامل معها بحكمة وتوازن.

*قراءة نقدية للمجلتين الجامعيتين*
من خلال قراءتي للمجلتين، بدا لي أن المجلة الثقافية أكثر فائدة وأثرًا من نظيرتها العلمية.
فالمجلة العلمية، رغم أنها تُحرر من قبل نخبة من الأكاديميين، إلا أن رئيس تحريرها لا يجيد الكتابة العلمية، ويتضح ذلك من غياب الافتتاحية التي يفترض أن يكتبها بنفسه، لكنها سقطت سهواً.

كما أن المجلة تحولت إلى تجميع بحوث جامدة ومطولة، أقرب إلى كتاب منها إلى مجلة، خالية من عناصر التشويق التي يجب أن تتوفر في الدوريات العلمية الرصينة.
على سبيل المثال، مجلة "العربي" الكويتية تنشر بحوثًا علمية بطريقة مكثفة ومشوقة، تجذب القارئ وتمنحه وجبة معرفية دسمة.

نحن في عصر السرعة والسوشال ميديا، عصر "السندوتشات الفكرية" إن جاز التعبير، وكان من الأفضل أن يأخذ رئيس التحرير هذا التحول بعين الاعتبار، وأن يحرص على نشر مقالات علمية مركزة ذات فائدة واضحة، بدلًا من بحوث مطولة مملة يصعب على القارئ إتمامها.
وهكذا تحولت المجلة إلى دورية نخبوية لا تصلح للتداول العام، بل تقتصر فائدتها على أروقة الجامعة والمختصين، وهو ما يمكن أن توفره الكتب الجامعية دون الحاجة إلى تكاليف النشر.

كنا ننتظر مجلة علمية رائدة يستفيد منها القارئ العادي والنخبوي على حد سواء، كونها تصدر عن أهم صرح أكاديمي في المحافظة.
فالعلم لا يُحتكر، وأهميته تكمن في تبسيطه بلغة مستساغة للجميع، ليصل إلى الناس ويؤثر فيهم، ويُسهم في بناء مداميك الوعي المجتمعي وتطوره.



مرفأ قلم:
النقد ظاهرة صحية في المجتمعات المتحضرة، وهو سبيل لتقويم المسار وتجويد الأداء، بعيداً عن التجريح أو الهدم.