أخبار محلية

الأربعاء - 19 نوفمبر 2025 - الساعة 03:15 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/رويترز

تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا في جنوب وشرق البلاد أزمة مالية خانقة تتفاقم آثارها على آلاف الموظفين الحكوميين الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ أشهر، ما تسبب في تدهور غير مسبوق لمستوى المعيشة وزيادة الاحتقان الشعبي. الأزمة التي بدأت كتعثر مالي باتت اليوم مؤشرًا على شلل حكومي متصاعد وخلافات داخلية تعيق تنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة تُعد شرطًا ضروريًّا لاستئناف الدعم الإقليمي والدولي.

حمّلت الحكومة اليمنية، التي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة مقراً لها، مسؤولية تأخر صرف الرواتب إلى «شح الموارد» و«خلافات إدارية وتنظيمية» حول آليات توريد العائدات من المحافظات. لكن مسؤولين في البنك المركزي بعدن أكدوا لرويترز أن الأزمة أعمق من ذلك بكثير، إذ تواجه الحكومة «أسوأ أزمة تمويلية منذ 2015»، بسبب توقف المنح الخارجية وتباطؤ الدعم الخليجي.

ورغم تلقي 90 مليون دولار من دفعة سعودية منتظرة بقيمة 368 مليون دولار، لم تتمكن الحكومة سوى من صرف جزء محدود من المتأخرات، فيما تستمر أزمة السيولة وتراجع الاحتياطي الأجنبي. ووفق تقديرات البنك المركزي فإن الخسائر الناتجة عن توقف صادرات النفط منذ هجمات الحوثيين على الموانئ الجنوبية تجاوزت ثلاثة مليارات دولار خلال ثلاثة أعوام.

تقرير «المرصد الاقتصادي لليمن» الصادر عن البنك الدولي أكد أن الاقتصاد اليمني تعرض لضغوط كبيرة خلال النصف الأول من عام 2025 نتيجة الحصار المفروض على صادرات النفط وتراجع المعونات وارتفاع التضخم. ووفق المستشار الاقتصادي لرئاسة الجمهورية فارس النجار، فإن توقف صادرات النفط منذ أكتوبر 2022 تسبب في «هبوط حاد للإيرادات»، بينما تبلغ فاتورة الرواتب شهريًّا نحو 83 مليار ريال.

أمام هذا الوضع، دفعت الأزمة المتصاعدة مجلس القيادة الرئاسي إلى تبني خطة إصلاح اقتصادي ومالي شاملة تقدمت بها الحكومة مطلع الشهر الجاري، وتهدف إلى توحيد الموارد العامة ووضعها تحت إشراف البنك المركزي، وهي خطوة تُعد محورية في تقييم الدول المانحة.

غير أن تنفيذ الإصلاحات يواجه عرقلة من بعض المحافظين والجهات المحلية التي ما تزال تحتجز عائدات الضرائب والجمارك، ما دفع الرباعية الدولية بشأن اليمن – الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات – إلى التهديد بفرض عقوبات على أي مسؤول يعرقل خطة الإصلاحات أو يمتنع عن توريد الإيرادات للحكومة المركزية.

وبحسب ما نقلته رويترز عن مصادر حكومية، فقد أبلغت الرباعية مجلس القيادة بأن «مهلة توريد العائدات باتت على وشك الانتهاء»، وأن أي تقاعس جديد سيؤدي إلى إدراج المعرقلين في قوائم عقوبات دولية.

ويأتي هذا التحذير الدولي في ظل تأكيد صندوق النقد الدولي أن احتجاز الإيرادات من قبل بعض المحافظات أدى إلى تضخم كبير في الأموال «تحت التسوية» خلال عامي 2023 و2024، وإلى تراجع الخدمات العامة وتزايد المخاوف بشأن الشفافية والمساءلة.

على الصعيد الإنساني، تتفاقم معاناة الموظفين في عدن ولحج وأبين، حيث يؤكد أكاديميون ومواطنون أن عدم صرف المرتبات دفعهم إلى الاقتراض والعجز عن تغطية احتياجاتهم الأساسية. يقول د. عقيل بن ثابت، أستاذ بجامعة عدن، إن عدم امتلاك أستاذ جامعي أجرة المواصلات «جريمة ترتكبها الدولة بحق المجتمع».

وفي سياق متصل، يعاني آلاف الموظفين النازحين من مناطق سيطرة الحوثيين أوضاعًا أشد قسوة، إذ يواجهون تهديدات بالطرد من منازل الإيجار لعدم قدرتهم على السداد. ويؤكد الموظف النازح باسل عبد الرحمن أن «الحياة أصبحت مستحيلة بدون مرتب»، مشيرًا إلى أن أغلب النازحين يعولون أسرهم ولا يملكون مصادر دخل بديلة.

تقرير «المرصد الاقتصادي لليمن» حذر بدوره من أن أكثر من 60 % من الأسر في مناطق الحكومة والحوثيين تواجه صعوبة في تأمين احتياجاتها الغذائية، ما يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى وسائل «تكيف سلبية» تصل حد التسول.

أزمة متدحرجة في ظل هشاشة حكومية
يقول مراقبون إن الأزمة المالية ليست مجرد تعثر اقتصادي، بل تعبير عن أزمة حكم أعمق تتعلق بتشتت القرار المالي، وازدواجية السلطات المحلية، وضعف قدرة الحكومة على فرض الرقابة، إضافة إلى خلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي حول إدارة الموارد.

وفي ظل هذا المشهد، تبدو الحكومة عاجزة عن مواجهة الغضب المتصاعد في الشارع، فيما تراقب القوى الدولية الوضع عن كثب بانتظار ما إذا كانت السلطة الشرعية ستنجح في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة قبل أن تنفذ الرباعية تهديدها بعقوبات قد تعيد رسم موازين القوى داخل المحافظات الجنوبية.