الوطن العدنية/النهار المصرية
من القاهرة.. هنا اليمن، دائمًا ما كانت القاهرة بيت العرب الكبير، ونصيرًا للأشقاء، والعون لهم فى مختلف الأزمات، ولا جدال أن الدولة المصرية عمدت منذ اندلاع الأزمة اليمنية إلى تقديم كافة أوجه الدعم إلى اليمن الشقيق، وذلك فى ضوء علاقات الشراكة الاستراتيجية التاريخية بين البلدين، التى لطالما تُوجت بمواقف مشتركة ورؤية واحدة تستهدف تعزيز الشراكة الثنائية والحفاظ على الأمن القومى العربى.
هذا، وقد أولت القاهرة جُل اهتمامها منذ اندلاع الأزمة اليمنية إلى تقديم يد العون لأبناء الشعب اليمنى، كما أولى الإعلام المصرى أهمية بالغة للملف اليمنى وتطوراته التى تنعكس بصورة أو بأخرى على أمن واستقرار المنطقة العربية.
وفى أول حوار صحفى له منذ توليه حقيبة وزارة الدفاع، تحدث وزير الدفاع اليمنى الفريق الركن محسن محمد حسين الداعرى لجريدة "النهار"، وشمل الحديث آخر التطورات التى يشهدها اليمن، وسُبل الخروج من الأزمة، فضلًا عن جهوده الحثيثة لتطوير القوات المسلحة اليمنية، والعلاقات الثنائية مع مصر، ورؤيته المستقبلية لتعزيز علاقات الشراكة المصرية اليمنية، فى ضوء المستجدات المحورية التى يعبر بها اليمن من أجل إرساء السلم، واستعادة الاستقرار، ومواجهة الميليشيات الحوثية الإرهابية.
وفيما يلى نص الحوار:
المشهد العسكرى اليمنى.. تطورات متلاحقة
** فى البداية نرحب بك معالى الوزير، هل تُطلعنا على تطورات المشهد العسكرى اليمنى؟
أهلًا وسهلًا، نشكر صحيفة النهار على إجراء هذا الحوار.. من المعلوم للجميع أن اليمن يشهد حربًا منذ ٩ سنوات، تتخللها بعض الهدن بين الفينة والأخرى كان آخرها الهدنة التى رعتها الأمم المتحدة، والتى بدأت فى إبريل ٢٠٢٢، لمدة شهرين، وتجددت مرتين حتى شهر أكتوبر، ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش فترة اللاحرب واللاسلم، وهذا لا يعنى أن الميليشيات الحوثية قد التزمت بالتهدئة سواء أثناء الهدنة أو بعدها، فقد قامت بالعديد من المحاولات لاستهداف عدد من القيادات العسكرية والمواقع والمعدات وحتى المدنيون لم يسلموا من استهدافها، فالميليشيات الحوثية تخوض حرب تجويع ممنهجة ضد الشعب اليمنى، تستهدف أقواته فى الشمال والجنوب ومنابع وموانئ النفط، وحاولت تعطيل مختلف الإيرادات التى تحقق للمواطن القوت الأساسى للعيش، فهى ترى أن السلطة والثروة حق إلهى لها، فبالتالى لا تفكر فى أى شىء يحقق مصالح الشعب اليمنى.
* ما صحة استغلال الميليشيات للهدنة للتحشيد العسكرى، ومدى قدرتكم على مواجهة تلك المخططات؟
نحن نعرف الحوثى جيدًا، وكما عهدناه خلال الفترات السابقة فهو يستغل أى هدنة تسعى فيها الشرعية لتحقيق السلام، فيقوم بالمزيد من تحشيد المقاتلين والمعدات والأسلحة إلى مختلف الجبهات؛ استعدادًا لمتوالية من الحروب التى لا يمكن له أن يعيش أو يستمر مشروعه التخريبى بدونها، صحيح أن الحوثى يمارس التضليل على المجتمع الإقليمى والدولى من خلال إيهامه باستجابته لهذه المبادرات، لكننا نذكّر مجددًا بأن الحوثى لم يفِ بأى عهدٍ أو ميثاقٍ، ونؤكد أن قواتنا المسلحة فى كامل الجاهزية والاستعداد القتالى لأى حماقات قد ترتكبها الميليشيات الحوثية، وكما هو واضح للجميع أنه كلما أحرزت قوات الشرعية تقدمًا أو حققت انتصارًا تتداعى الوساطات والضغوط والمبادرات لإيقاف الحرب، بينما عندما يحدث العكس لم ينبس هؤلاء ببنت شفة. وإذا ما أُتيحت الفرصة لقواتنا فستحسمها وتحقق النصر الكبير بكل جدارة واقتدار.
* توليت المسئولية الوطنية فى لحظات فارقة، ما رؤيتكم لتعزيز المنظومة العسكرية؟
نحن ننظر لهذه المهمة كتكليف لا تشريف خاصة فى هذه الظروف الاستثنائية التى يمر بها الوطن، وبهذا نحن نحاول أن نقوم بترميم كل ما لحق بالمؤسسة العسكرية من تدمير لمعظم منشآتها نتيجة الحرب التى شنتها الميليشيات الحوثية على الدولة ومؤسساتها وانتشارها فى أكثر المناطق التى أصبحت غالبيتها مناطق محررة حاليًا، ورغم تحريرها من الميليشيات الحوثية إلا أن المنشآت الموجودة أُلحق بها دمار واسع، وأضرار كبيرة، خاصة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى، ونحن اليوم نسعى من هنا وهناك إلى ترميم هذه المنشآت، والأسلحة، وإعادة ترتيب قواها البشرية، ومحاولة دعمها بالوسائل والمعدات التى تحقق لها المزيد من الثبات والقوة.
التحالف العربى ودعم الشرعية فى اليمن
* ما تقييم المؤسسة العسكرية للاتفاق السعودى-الإيرانى، وانعكاسه على المشهد اليمنى؟
حقيقة نحن نتمنى للأشقاء فى المملكة العربية السعودية قائدة ورائدة التحالف فى اليمن تحقيق المزيد من النجاحات فيما يخص علاقتها البينية مع إيران، لكننا فى اليمن لا نرى أن هناك أى انعكاس إيجابى للاتفاق على الوضع فى اليمن، كون الميليشيات الحوثية بمثابة مرض سرطانى خطير إذا لم يتم استئصالها ستقضى على الشعب اليمنى برمته، وبالتالى نتمنى مزيدًا من السلام لأشقائنا فى المملكة العربية السعودية، ومزيدًا من العلاقات الدبلوماسية الناجحة، لكننا لا نرى أى انعكاس ملموس لهذا الاتفاق على حربنا المصيرية مع ميليشيا الحوثى الإرهابية.
* كيف تنظر لجهود دول التحالف فى دعم الجيش اليمنى؟
دول التحالف لم تبخل يومًا فى دعمها ومساندتها للجيش اليمنى، فقد كانت أول من لبى نداء الأخوة والعروبة، وقدمت الدماء والأرواح قبل الأسلحة والمعدات، وبقينا معًا فى خندق واحد كتفًا لكتف، يجمعنا الهدف والمصير المشترك، ولا أظنهم سيتخلون عنا فى يوم من الأيام.
لقاء الفريق أول محمد زكى وزير الدفاع المصرى
* أجريت زيارة مهمة للقاهرة هل تُطلعنا على الخطوط العريضة حول مستقبل الشراكة؟
زيارة جمهورية مصر العربية كانت ناجحة وموفقة، وأعجبنا كثيرًا بالنجاحات والتطوير الذى يشهده الجيش المصرى بقيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول محمد زكى، والتقينا أيضًا برئيس الأركان ورؤساء الهيئات والأكاديميات العسكرية، وزرنا عددًا من المصانع والمجمعات العسكرية ووجدناها على مستوى عال من الكفاءة، وولدت لدينا ارتياحًا وفخرًا بمستوى التقدم الذى تشهده هذه الدولة المحورية الشقيقة، المساندة لشعوب المنطقة عند النوائب. وتجمعنا بمصر علاقات استراتيجية متينة، علاقة أمن قومى واحد، لما لما للبلدين من موقعين هامين على مدخلى البحر الأحمر، وليس غريبًا أن تكون العلاقة وطيدة بين البلدين، والأشقاء فى مصر كما أكدوا لنا أنهم على كامل الاستعداد لتقديم أى دعم أو شراكة فى المستقبل، وقد تركزت جهودنا فى جوانب التأهيل والتدريب؛ باعتبارها الأكثر أهمية حاليًا، خصوصًا أن عقيدتنا ومدارسنا ومناهجنا متشابهة تمامًا، وما أكسب هذه الزيارة أهمية أكبر هو لقاء فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتأكيده على دعم بلادنا حتى استعادة الأمن والاستقرار.
* كيف تنظر للدور المصرى فى الأزمة اليمنية؟
الأشقاء فى مصر موقفهم حكيم ومتزن وينظرون إلى أن الحرب قد فُرضت على اليمنيين، وكان ينبغى حسمها بوقت مبكر، إلا أن الظروف لم تساعد على ذلك، كما أنه خلال سنوات الحرب فى اليمن كانت دول عربية أخرى ومنها مصر لديها مشكلاتها؛ فلم يتفرغ أحد للآخر، وكل بلد انشغل بمشكلاته، والنموذج الذى قدمته مصر أن لديها مؤسسة عسكرية موحدة وقوية استطاعت الحفاظ على البلد وقفزت به إلى الأمام، لكن نحن للأسف تعثرنا نتيجة الكثير من المتناقضات على الساحة اليمنية، ونتطلع لمساعدة أشقائنا فى مصر حتى نعيد الأمن والاستقرار لكل شبر فى أرض الوطن.
* كيف ترى قيادة مصر للقوات الدولية فى البحر الأحمر وانعكاسه على المشهد اليمنى؟
قيادة ناجحة بما تعنيه الكلمة من معنى، ولديهم تجربة وخبرة كبيرة، ونثق كل الثقة أنها ستقودها بكفاءة واقتدار؛ للحفاظ على أمن البحر الأحمر والملاحة البحرية عمومًا.
* الزيارة المصرية رفيعة المستوى ولقاء القيادة السياسية، كيف استقبلتها الحكومة والشعب اليمنى؟
حقيقة اهتمام أشقائنا فى مصر وحفاوة الاستقبال أعطى للزيارة أهميتها، ولما تمثله مصر من مكانة لدى العرب واليمنيين بشكل خاص فقد لاقت ارتياحًا واسعًا وانطباعًا جيدًا، وأعادت المعنويات والآمال بمساندة مصر الأخوية لليمن وشعبه وجيشه، وتعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ولذلك نعول على أن تلعب جمهورية مصر العربية دورًا محوريًّا مستقبلًا، وسنكون جميعًا كعرب سواء مع دول التحالف العربى أو جمهورية مصر العربية متشابكى الأيدى ومتعاضدى السواعد، ومتجاوزين لكل الأزمات التى عصفت بالمنطقة إلى بر الأمان بأقرب وقت ممكن.
* ما رؤيتك حول الطفرة الهائلة التى تشهدها المؤسسة العسكرية المصرية وانعكاسها على دعم الأشقاء العرب؟
كما أشرت سابقًا بالنسبة للجيش المصرى بقوته وبنائه المؤسسى فقد نجح فى تجاوز الأزمة التى عصفت بالمنطقة وحافظ على أم الدنيا من أى سوء قد يلحق بها، فالرؤية الاستراتيجية للجيش المصرى بما تحويه من صناعات عسكرية ولوجستية وغيرها تبعث على الفخر والاعتزاز، وقد أكدت لنا القيادة المصرية استعدادها لتقديم كل الدعم والمساعدة إذا ما تطلبت الحاجة.
* كيف ترى الانسجام الشعبى المصرى اليمنى؟
العلاقات اليمنية المصرية وطيدة وراسخة، واليمنيون يجدون فى مصر بلدهم الثانى؛ ولذلك لجأ إليها مئات الآلاف من اليمنيين نتيجة الحرب التى فرضتها ميليشيا الإرهاب الحوثية، وما وجدوا فيها إلا الترحيب وحفاوة الاستقبال من الشعب المصرى الشقيق، ورغم عمق العلاقات الثنائية إلا أنها شهدت تطورًا نوعيًا خلال الفترة الأخيرة، وقد أتت زيارتنا إلى مصر إثر زيارة فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسى الدكتور رشاد العليمى، وسبقتها زيارات أخرى له، ولقاءات مع القيادة المصرية على هوامش القمم العربية، فالعلاقة بين الشعبين وقيادة البلدين عميقة وضاربة الجذور.
* معالى الوزير ما الرسالة التى توجهها للشارع العربى عن اليمن؟
أقول لإخواننا العرب فى مختلف الدول إن اليمن يمر بأزمة عاصفة، وحرب فُرضت على الشعب اليمنى بدعم من يتآمرون على اليمن والمنطقة، لكننا نطمئنهم بأننا سنخرج من هذه الحرب ونتجاوز هذه الأزمة، وسيعود الأمن والاستقرار والسلام لليمن، وما النصر إلا من عند الله.
نقلا عن العدد الورقي