الوطن العدنية/المصدر أونلاين
مع إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل 2022، ساد شعور بالتفاؤل بين قطاع واسع من اليمنيين، أملاً في أن يتمكن التشكيل الجديد، وما رافقه من حالة توافق مبدئية بين أعضائه، من تجاوز حالة الشتات السابقة واستعادة زمام الحكم من عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد.
وفي أحد أبرز خطاباته المبكرة عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، تعهد رئيس المجلس رشاد العليمي في يوليو 2022 بـ"العمل من الداخل اليمني، في السراء والضراء"، مؤكداً التزامه بالبقاء بين المواطنين ومشاركة ظروفهم وتحدياتهم اليومية.
قال العليمي آنذاك إنه يستمد قوته من "كافة فئات اليمنيين، بمن فيهم الشباب والنساء والنازحين والمشردين، ومن عناصر الجيش والأمن"، في خطاب عبّر فيه عن توجه مبدئي نحو تعزيز الحضور الداخلي لمؤسسة الرئاسة، وربط شرعيتها بالتواجد الميداني وتلمّس معاناة المواطنين.
وتكررت تلك الوعود، أبرزها ربما ما جاء في خطاب بمناسبة ثورة سبتمبر 2023، حين عاد العليمي ليؤكد التزامه مجدداً بالمضي في إعادة عمل كافة مؤسسات الدولة من الداخل، بدءا بمؤسستي الرئاسة والحكومة، وتنفيذ إصلاحات شاملة في مختلف القطاعات، تمهيداً لما وصفه بـ"وضع أسس التغيير المنشود في الممارسات والسلوك".
ورغم هذه التعهدات، تُظهر الوقائع مفارقة لافتة بين الخطاب السياسي والممارسة العملية، فقد قضى العليمي ومعه بقية أعضاء مجلس الثمانية معظم أيامهم بين العاصمة السعودية، وعواصم أخرى، مع العودة إلى الداخل في مناسبات قليلة، في واقع يعكس حالة المشهد السياسي والأمني المضطرب في اليمن، ويثير تساؤلات حول مدى واقعية هذه الوعود وإمكانية ترجمتها على أرض الواقع في ظل الظروف الإقليمية والمحلية المعقدة.
تشير البيانات التي جمعها محرر المادة عن ثلاث سنوات مضت بين أبريل 2022 وأبريل 2025، إلى أن العليمي قضى فترات أطول خارج عدن مقارنة بتواجده فيها، حيث بلغت نسبة غيابه عن العاصمة المؤقتة إجمالاً أكثر من 70%، ومجمل تواجده في الداخل بلغ 277 يوماً فقط من أكثر من 1090 يوما، هي مجموع أيام الفترة.
ففي عامه الأول بعد تولي المنصب، غادر العليمي عدن ست مرات وعاد إليها في ست مناسبات أيضاً، وباحتساب الفترات بين المغادرة والعودة، تبيّن أنه قضى معظم العام في الرياض ومتنقلاً بين عدد من الدول لحضور مؤتمرات وقمم في خطوة بررت حينها بضرورة مشاركته لتعزيز موقف المجلس الرئاسي الوليد، بينما تواجد في عدن لأقل من 3 أشهر متفرقة خلال كامل العام.
وعادة ما يكون تواجد الرئيس في عدن قبيل أو أثناء التحضير لسفر جديد، فيعود من الرياض ليغادر من عدن، ويذاع خبر سفره بشكل رسمي عبر وكالة الأنباء الحكومية.
وشهد عام 2023 فجوة زمنية أوسع في التواجد الرئاسي داخل عدن، إذ بلغت نسبة تواجد العليمي خارج العاصمة المؤقتة نحو 80 % من العام، وجاءت معظم تحركاته بين السعودية ومصر وأوروبا في سياقات دبلوماسية وسياسية، لكن الغياب الطويل أثار انتقادات بشأن الحضور الرمزي للقيادة في الداخل، وبلغ الانتقاد ذروته في شهر سبتمبر ليلقي الرئيس خطابه سالف الذكر.
واستمر النمط ذاته في عام 2024، لكن حركة الرئيس في هذا العام بدأت تأخذ منحى ضبابياً في كثير من الأحيان، فلا يعلن عنها بشكل رسمي ومباشر كما كان الحال سابقاً، ويزيد من تعقيد فهم جدول أعماله الفعلي ومدى انخراطه في إدارة الملفات الداخلية ميدانياً.
وحتى أبريل 2025، سُجِّل أن العليمي غادر عدن في بداية أبريل بعد أن عاد إليها لأول مرة خلال العام في مارس، ما يعني أنه أمضى 22 يوماً فقط داخل عدن منذ بداية العام، مقابل 74 يوماً خارجها.
من خلال تحليل إجمالي البيانات الزمنية، يتضح أن نمط إقامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي يتركز بشكل كبير خارج اليمن، ويُظهر الرسم البياني أن أعلى نسبة تواجد في عدن كانت في عام 2022، بينما انخفضت في 2023 وما بعدها بشكل كبير.
هذا التوجه يثير أسئلة مشروعة حول مدى فاعلية العمل التنفيذي والإشرافي على مؤسسات الدولة من خارج البلاد، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة والفراغ السياسي المتنامي في العاصمة المؤقتة، كما يعكس واقعاً مشوشاً لطبيعة السلطة في بلد يعيش حالة انتقالية مزمنة منذ اندلاع الحرب.
وضع أعضاء المجلس لم يختلف كثيراً، فقد كان التواجد الوحيد لعضوي المجلس سلطان العرادة وطارق صالح، في أول عودة للمجلس عقب إعلان نقل السلطة، حيث أديا اليمين الدستورية أمام مجلس النواب الذي انعقد في حينه لمرة وحيدة في مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد.
وإثر اعتداء على مقر إقامته في قصر معاشيق بعدن من قبل عناصر المجلس الانتقالي ليلة ذكرى الوحدة اليمنية في 21 مايو 2022، وإنزال العلم اليمني وإفساد حفلة بالمناسبة، قرر طارق صالح المغادرة واستقر في منطقة سيطرة قواته بالمخا غربي تعز على ساحل البحر الأحمر التي يغادرها بين الحين والآخر في زيارات متقطعة إلى أبوظبي والرياض، بينما كان سلطان العرادة قد انتقل عبر الرياض ليقضي معظم وقته في محافظة مارب مع زيارات بين الحين والآخر إلى العاصمة السعودية.
أعضاء المجلس الرئاسي من الموالين لأبوظبي والقيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي وأبو زرعة المحرمي، وفرج البحسني، كان الوضع في عدن أكثر انسيابية بالنسبة لهم نظراً لوقوع عدن تحت سيطرتهم العسكرية، لكن رغم ذلك ظلت فترات استقرارهم في عدن محدودة وغالباً مدفوعة بالتنافس مع رئاسة الحكومة لا لدعم مؤسسات الدولة.
وبينما يبرر البعض هذه التحركات بضرورات الوضع الأمني نتيجة سيطرة المجلس الانتقالي المنادي بانفصال جنوب البلاد والمدعوم من دولة الإمارات على عدن، ومساعيه لعرقلة استقرار الحكومة فيها ومنع عودة مؤسسات الدولة إليها خدمة لمشروع الانفصال الذي يسعى له واستجابة لضغوط الحلفاء، إضافة إلى ما يدور من حديث حول أهمية السفر لضرورات الدبلوماسية وحشد الدعم الدولي، يظل استمرار غياب القيادة عن الداخل أمراً مقلقاً من شأنه أن يعمق من أزمات الشرعية ويزيد من الهوة بين السلطة والمواطن.