مقالات وكتابات


الثلاثاء - 25 مارس 2025 - الساعة 10:58 م

كُتب بواسطة : محمد المسبحي - ارشيف الكاتب




في هذا المستنقع السياسي، حيث تحوّل الفساد إلى منظومة، وصارت المصالح الشخصية تعلو فوق مصلحة الوطن، تذكّرت هذا الرجل الذي قرر أن يواجه العاصفة… الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس وزراء الجمهورية اليمنية، الرجل الذي لم يختر المعركة، لكنها فرضت عليه يوم قرر أن يكون رجل دولة حقيقيًا في زمن اللادولة.

الرجل الذي تحمل ما لا يحتمل وتلقى السهام من كل الاتجاهات لا لشيء إلا لأنه أراد أن يكون رجل دولة في زمن الفوضى. الرجل الذي لم يكن جزءا من شبكات المصالح، ولم يأتي على ظهر صفقة، ولم يبني مجده على أنقاض أحد… فكان غريبا في ساحة تعشق الصفقات والمزايدات. الرجل الذي أُسر على يد الميليشيات، فقاوم بصمته كما يقاوم الرجال، ثم خرج ليُحارب على جبهتين: جبهة الخصوم، وجبهة الأقربين.الرجل الذي كلّما حاول أن يعيد السياسة إلى مسارها، وجد ألف قيد في طريقه، وألف متربص يُفسد عليه كل محاولة للبناء وسط الركام.

منذ اليوم الأول، وجد نفسه في قلب معركة لا هوادة فيها، لم تكن ضد طرف سياسي واحد، بل ضد شبكة مصالح كاملة، متغلغلة في كل زاوية، متجذرة في كل مؤسسة. حاول أن يعيد للمؤسسات دورها، وأن يعيد للحكومة وظيفتها، وأن يُنهي ثقافة "المكتب الخاص"، و"التوجيهات الفوقية"، و"الصفقات تحت الطاولة". أراد أن يُخرج المحافظات اليمنية المحررة من دائرة الفوضى، لكن الفوضى لا تريد أن تخرج منه.
كان يدرك أن الحرب ليست فقط في الجبهات، بل في الوزارات، في الهيئات، في كل مكاتب الدولة التي تحوّلت إلى إقطاعيات خاصة. كان يعلم أن معركته ضد الفساد أشد خطورة من أي معركة عسكرية، لأن العدو هذه المرة ليس خارجيا، بل داخلي، متخفي، يلبس ثوب الوطنية، ويتغنى بالمصلحة العامة وهو ينهش في جسد الوطن.

لم يكن سهلا أن يحاول إعادة مؤسسات الدولة إلى مسارها الطبيعي، في زمن تعود فيه الكثيرون على الدولة الغائبة، على الفوضى المدفوعة الثمن، على اللجان الخاصة التي تحل محل القانون، وعلى المسؤول الذي يرى الوزارة ملكا شخصيا لا مرفقا عاما.
لكن بن مبارك، في هدوئه الظاهر، كان يخوض حربا شرسة، يعرف أنها قد تكلفه الكثير، لكنه لم يتردد.

واليوم، وبينما يستميت البعض في إفشال أي محاولة إصلاح، وبينما تُفتح الأبواب الخلفية لعودة الفساد بصورته الأشد وقاحة، لا يزال الرجل يحاول…
يحاول أن يبني حيث يريدون الهدم، أن يُنظم حيث يريدون الفوضى، أن يُعيد المؤسسات إلى دورها، رغم كل القيود، رغم كل العوائق، رغم كل الطعنات.
قد يختلف البعض معه، وقد يعارضه البعض، لكن الحقيقة تبقى واحدة..
هناك رجال يختارون الطريق الصعب، لأنهم لا يعرفون أنصاف الحلول.
هناك رجال يضعون الدولة أولا، حتى لو كان الثمن أن يُحاربوا من الجميع.
وأحمد عوض بن مبارك… واحد من هؤلاء.