الوطن العدنية/كتب_سعيد النخعي
تجاوزت الأحداثُ المعطياتِ السياسيةَ السابقة، ورسّخت سنونُ الحرب واقعًا جديدًا أصبح من المستحيلِ تجاوزه أو حتى التعاطي معه وفقًا للمعطيات القديمة، بعد تآكل المنظومة السياسية للدولة السابقة،والقوى التي كانت تمثلها، وتمّ تفكيكها في سيناريو مُحكَمٍ من عشرِ حلقاتٍ استغرق عرضُها عشرَ سنوات.
الحلقة الأولى:
حين شرب اليمنيون أكبرَ مغلَب، وصدّقوا أعظمَ فِرية: أن صالح سلّم السلطة، وأن علي محسن انضم إلى الثورة. فصدق اليمنيون، لكن الدول التي أشرفت على بناء دولة صالح ومحسن تعلم موضعَ الحجرِ التي إذا أُزيحت سقط البناء كله. فتداعت الرباعية والخماسية والسباعية، وشكّلت إدارةً للكذبة تعاقب عليها أربعةُ مندوبين دوليين.
الكذبة الثانية:
حين استقال هادي؛ فخروجه من الإقامة الجبرية، وإعلانه تراجعه، ثم انتقاله إلى السعودية باعتباره رئيسًا شرعيًا – بغضّ النظر عن مكان إقامته، ولو كان في "زعيمة" في عرض البحر – فالشرعية الإعلامية أقوى من الشرعية الجغرافية!
الكذبة الثالثة:
استقبلت الرياضُ هاديًا استقبالَ الفاتحين لا الهاربين، وفتحت خزائنَها، فتهافتت القوى السياسية على صريفِ الريالات السعودية كما يتهافت الفراش على الضوء، ومن قبض أدّى فروض السمع والطاعة.
الكذبة الرابعة:
تدخلت الرياضُ عسكريًا، مُعلنةً تحالفًا من عشرِ دولٍ عربية، لكنه اختُزل – بعد ثلاثة أشهر من الإعلان – إلى تحالفٍ ثنائيٍّ مكوّنٍ من الرياض وأبوظبي. وفور سيطرتهما على الأرض، بدلًا من إعادة الشرعية لممارسة مهامها، مُنع هادي من العودة.
الكذبة الخامسة:
لم تعترض أيٌّ من القوى السياسية، أو حتى تُبدِ امتعاضًا أو تعليقًا على منعها من العودة. فقد كان مفعول الضخ قويًا، فجميع القوى السياسية وأنصارها يرفلون في نعيمٍ مقيمٍ في الرياض. وبدلَ العودة إلى الداخل، انطلقوا زرافاتٍ ووحدانًا إلى عواصم العالم ليستثمروا ما غنموا.
الكذبة السادسة:
نُقلت الحكومةُ والبنكُ المركزي إلى عدن لممارسة أعمالهما، ليُخرج التحالفُ الحكومةَ الموالية له بالقوة بقوة موالية له أيضًا. وبعد تحقيق الغرض من كل جولة، كان يرعى اتفاقًا بين القوى المتحاربة التي هي أصلًا تابعة له وتحظى برعايته .
الشعب لم يفهم؛ لأن مفعول القطل في الصيف يكون قويا، أمّا الساسة فمشغولون باستثماراتهم في الخارج، والوزراء لا يأتون إلى عدن إلا في أيام العطل الرسمية، ويغادرونها في أول أيام الدوام الأسبوعي، ولا يعودون إلا ليلة الخميس. أرصدةُ استثماراتِ الساسة تزيد، والشعب يقترب من الهاوية.
الكذبة السابعة:
تغيّر مسارُ الحرب من "شرعية–انقلاب" إلى "انفصالية–شرعية". وهنا انقسمت ضفعةُ التحالف إلى نصفين:
جنوبيون يقاتلون جنوبيين؛ طرفٌ يريد استعادة عدن من الجنوبيين ويقف خلفه الإصلاح ، وطرفٌ جنوبيٌّ يريد استعادة شبوة من أهلها ويقف خلفه "العفافيش" ومن خلفهم أبوظبي .
استحسن التحالفُ اللعبة، لكن مكانَها لم يكن مناسبًا، فقرّر نقل الملعب إلى خارج عدن، في صحراء أبين. فانشغل الجميع، ولم نعد نسمع عبارة "استعادة الشرعية" والعودة إلى صنعاء إلا في تغريدات الناشطين فئة ألف ريال سعودي أو قطري أو درهم إماراتي.
جنوبيو الشرعية يتقاتلون، وشماليو الشرعية يتفرجون، ويهللون، ويحللون، ويحرضون على استمرار القتال الجنوبي–الجنوبي كأولوية لاستعادة الجمهورية وإسقاط الانقلاب.
الكذبة الثامنة:
تفريخُ المفرَّخ، وهذه المرة عسكريًا، بإنشاء قواتٍ تجاوزت أسماؤها أسماءَ السيفِ والأسد في اللغة العربية: جيش شرعي، أحزمة أمنية، عمالقة، درع الوطن، مقاومة وطنية، حراس الجمهورية، مقاومة شعبية… بالتزامن مع وقفٍ غير معلنٍ للحرب في كل الجبهات مع الحوثيين، بالإضافة إلى دعايةٍ مجانية بقيمة انسحاب 160 كم من الحديدة بمناسبة استئناف محادثات استوكهولم.
والساسة مشغولون باستثماراتهم، والشعب مشغول بمتابعة أسعار صرف العملات الأجنبية، وعواجل أخبار صرف المعاشات المتوقفة، وعودة التيار الكهربائي.
الكذبة التاسعة:
نقلت الأحزابُ والقوى الشمالية نشاطها السياسي من مناطق سيطرة الحوثيين إلى المحافظات الجنوبية للحفاظ على الوحدة اليمنية، وهي التي لم تحافظ على وحدة محافظة (تعز، أو مأرب، أو الحديدة، أو البيضاء).
الكذبة العاشرة:
بعد أن جرت السنون ورسّخت واقعًا جديدًا مفاده أن الحوثيين سلطةُ أمرٍ واقع، اقتنع الداخلُ والخارجُ أن فلول النظام السابق – التي باعت الجمهورية وعجزت عن الدفاع عن صنعاء وهي تملك الجيش والمال والنفوذ – لن تستعيدها بتغريدات تويتر .
فأعطى الراعي الإذنَ للانتقالي بالتمدد، ليتغير المسارُ السياسي من استعادة الشرعية إلى استعادة الدولة الجنوبية، ومن استعادة صنعاء إلى استعادة حضرموت والمهرة، ومعه تعالت الأصواتُ التي صمتت دهرًا عن استعادة الدولة من قبضة الحوثي، لتنطق كفرًا باستعادة حضرموت والمهرة من أهلها.
سعيد النخعي
11/ديسمبر/2025م