مقالات وكتابات


الإثنين - 04 يونيو 2018 - الساعة 02:10 ص

كُتب بواسطة : أ. صالح القطوي - ارشيف الكاتب


الأزارق إحدى مديريات محافظة الضالع بموجب قرارات الوحدة اليمنية, تقع في الجزء الجنوبي لعاصمة المحافظة, وتشترك في حدودها بأجزاء من حجاف شمالا, والحشاء, وتعز غربا, والمسيمير والملاح جنوبا, والحبيلين والضبيات شرقا.
سميت بالأزارق ربما لزرقة جبالها وسمائها, منطقة جبلية تضم وديان واسعة, تتخللها مجاري السيول, مناخها معتدل صيفا باردا شتاء خفيفة الأمطار, وتعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية.
كانت قبل الوحدة تعرف بالمركز الرابع - أحد مراكز مديرية الضالع التابعة لمحافظة لحج, يقول الشاعر/ حسين القطوي في معركة الكرامة:
حي الذي شاركوا وكل من دافع
حي لزارق, وحي المركز الرابع
يا ضالعي اشمخ براسك للهوا وارفع
احذر تطأطئ براسك يطمع الطامع

استنفر بها أبطال الضالع وجيرانهم من ردفان ويافع, وردهم على الاعتداء الآثم لقوات الاحتلال العفاشي الأمنية والعسكرية, في حادثة اغتيال البطل الشهيد/ محمد ثابت محمد الزبيدي, مايو/ 1998م.
ومن هذا المنطلق التاريخي تعد الأزارق الجناح المسلح القوي والرادع للمحافظة, والتاريخ يؤكد ذلك.
والأمثلة والشواهد التاريخية كثيرة, نقتطف منه, رفضهم للوصاية الزيدية مطلع القرن الماضي, حيث بسطت الدولة الزيدية يدها على أجزاء من الضالع, في الوقت الذي رفض فيه الشيخ/ عبدالله بن أحمد المحرابي وابنه عباس بن عبدالله تلك الواصاية في مواجهة مع جنود الإمام يشهد لها التاريخ - الزمان والمكان - حتى اللحظة, انتهت بمقتلهم وعودتهم خائبين, ليرفع الاحتلال يده بعد ذلك.
بزع بعده الاحتلال البريطاني, وبدأ يمتد نفوذه إلى الضالع وضواحيها, وكانت المواجهة الكبرى بين الشيخ البطل/ محمد عواس, انتهت بمقتل عمالقة الاحتلال البريطاني ومندوبها السامي - بيتر ديفي, هذا الحدث العظيم جعل بريطانيا تعيد حساباتها, لكنها لم تتعض منه.
لتقف على فاجعة أكبر وأعظم من سابقتها بين 7 إلى 14 جنديا بريطانيا لقوا حتفهم وهم في طريقهم لتعزيز نفوذهم على الأزارق وأهلها.
جن جنونها هذه المرة وأرسلت إنذاراتها لآهالي الأزارق وقرية والذنبة على وجه الخصوص, ومنه:
*(( إنذار هام ))*
إلى أهالي قرية دنابا - الذنبة
.... بعد ساعتين من الآن صباح يوم الاثنين - 11 رجب - 11 فبراير, 1956م وذلك لتدمير (دنابا) بصورة كاملة بواسطة القنابل.
وكل ما تريده الحكومة فقط هو تدمير البنايات بسبب أن قتلة عساكر الحكومة يرسمون خطط ويختفون فيها.
لأن دنابا ستدمر , بصورة كاملة بواسطة الطائرات بعد ساعتين من الآن), ... انتهى.
وفعلا" دمرت قرية الذنبة في الأزارق, برغم المبررات التي ذكرت في البيان, حتى أن الشاعر القطوي يصور ذلك الحدث في إحدى قصائده ويرسم المعركة والفوز, والمعاناة, التي مرت بها الأزارق جراء ذلك الحصار, ومنها يقول:
شهور واعوام واجهنا القدر مسبق
واطفالنا بالجبال الشاهقة والشاق

ولم تقف بريطانيا عند هذا الحد, بل سعت إلى تنفيذ سياستها الخبيثة وفق قاعدة: (فرق تسد) بين أهالي المنطقة وقبائلها, لتدخلها في أتون حرب أهلية وثارات قبلية, لكنها برغم المحاولة فشلت في ذلك المخطط, ولجأت إلى ضرب مقار المشيخات في المنطقة وبيوتهم, ولم تزل قنابلها شهادة عليها في قرية الذنبة حتى اليوم, وكذلك دور المشيخات كدار الشيخ/ حسن بن صالح المحرابي - أحد التحف الأثرية المعمارية في عصرنا الحديث, يقع على تلة جبلية صخرية, وكأنها يخت ملكي مرتفع يحمل على ظهر قصرا أمويا يطل على شط العرب دجلة والفرات, ليحتضن القرية عبر ممر واحد ويواجهها في الارتفاع وجها لوجه في سوار واحد لذلك أطلق عليها اسم القفلة - قفلة بلاد المحرابي.
موقع الأزارق الجغرافي حدودي مع أكثر من منطقة, لكنه لم يؤهلها لحياة الرغد والحركة التجارية حاليا, لكنها قبل ذلك كانت سلة الدنيا لكل القرى والمناطق التي حولها, يقول الشاعر:
كانت لزارق للكل مفتاح النعم
تشرب وتأكل من لقمها والعصيد
اليوم الأزارق لم تعد كذلك, أصابتها موجة جفاف مع انفجار سكاني, لكن كل هذا لم يفقدها الإرادة, بل ظلت تقاوم صلف الظروف وقساوة الحياة, حيث انخرط شبابها ورجالها بين مغترب بحثا عن عيش سعيد, وبين خدمة الوطن - بحثا عن العلم, أو حمايته فانخرط بعضهم السلك العسكري والأمني, فأنجبت منهم الكثير الكثير, وعلى سبيل المثال, لا الحصر: العلامة الشهيد/ محمد حسن سالم (1940/ 1975) ذلك الفتى الذي كان يتربع أحد زوايا الحرم المكي الشريف بحلمه وعقله وعلمه, يحفظ من الأحاديث والقرآن وكتب اللغة والتاريخ, ما يؤهله للإفتاء والتحكيم كمرجعية لعلماء الحرم وشبابها,(كما يروى) فإذا ما اختلف في رواية أو مسألة أشاروا بالأصابع إلى ذلك الفتى اليماني ليفتهم في أمرهم وخلافهم - كتابا وصفحة.
شاءت الأقدار أن يرحل مبكرا, بسبب الفكر المريض وطغيان الجهل, وتصرفات حزبية عقيمة طالت جملة من الشرفاء والمناضلين الأقوياء كالشهيد البطل: محمد صالح لزرقي, وحسن ناصر, لكنها انهزمت آخر المطاف.
وبقيت الأزارق ولادة فأنجبت العلماء والمهندسين والأطباء والمفكرين والسياسيين والقادة العسكريين, ومن لا يعرف بطولات القائد المناضل/ فضل حسن العمري, الذي شهد له التاريخ المعاصر في حربه ضد الانقلاب الحوعفاشي انطلاقا من صلاح الدين ورأس عمران مرورا بعدن ولحج والعند وصولا إلى الصبيحة وكرش وحتى مشارف تعز, قهر الانقلابيين وجدودته نكلوا بالوجود البريطاني, فهذا الشبل من ذاك الأسد, ضحى بخيرة أهله وأقرب المقربين منهم, الشهيد/ فضل عبدالله, حسين الدعري وابنه, سيف العمري ...
اليوم الأزارق تدفع بخيرة شبابها تلبية لنداء الحق والواجب, فمن حروب صعدة وبني حشيش وحرب 94م إلى حروب متفرقة فرضتها قوى الكبر والظلام 2015م على محافظات الوطن, فانتفضت الأزارق عن بكرة أبيها في سبيل الذود عن العرض والمعتقد, واسترجاع وطنهم المحتل بقوة السلاح, لا بوحدة الأخوة والانفتاح.
ولأجل ذلك قدمت أكثر من مئتي شهيد, فمن لا يعرف المناضل الشهيد/ الخويل - علي عبدالله, وعمر - أبوعبدالله, أحمد هادي, ومحسن مثنى, وضاح, فرسان, والبسام, والعنسي, وأبو حتم, وغيرهم كثير.
لقد قدمت كل قرى الأزارق تضحياتها: النجد, الغيل, خشان, القفلة, الحقل, الجبل, حمادة, حورة, موعد, الدرب, الشرف, المعزبة, الحمراء, عباب, قصابة, وعلان, صمعان, نعمان, الكابة, الحبلة, الحاجري, الذنبة, المصنعة, شان, الخيرة شبابها, ولم تنحني أمام كل تلك الأعاصير, وأضف فوقها أعاصير الزمن, وجفاف الجغرافيا.
هكذا شاء القدر لشبابنا أن ينقشوا بدامئهم الزكية جبين تربة الوطن, فمن جبين الضالع إلى جبين حضرموت, ومن إشراقة عدن إلى محيا الحديدة, ومن رمال ثمود إلى رمال الجند, ومن جبال صعدة إلى النخيلة, ومن سواعد أبين إلى تجاعيد الصعيد.
وما بقي منها وشاحا تخط ذاك البدن, جراحا تلف تحت الكفن, وعاد شهيدا بعد الغياب, مهلا, ماذا تقول أرصنا, رفقا به تحت التراب, وهبوا ولا تقنطوا, فالأرض أرض الجهاد.

أ/ صالح علي حسن القطوي
➖➖➖➖➖➖➖➖