الوطن العدنية /كتب_سالم غانم
كان صباحاً جميلاً ، كان الجو رائقاً صافياً والنسمات باردة. بعد ليلة من ليالي " سود" الماطرة ، رائحة "تيراه " تنعش الروح ورائحة" اصهر معطفات " الأمهات تفوح من "خلاف" مطابخ حارتنا العتيقة . تشبعنا بهذا العطر " حال" الصباحي الذي يفوح من كل بيوت حارتنا العتيقة ، ما اجمله عطرنا المفضل جميعاً ، اكثر شيء نفتقده عندما نكون بعيدين في الغربة ! وموسيقتنا الصباحية صوت الدجاج ومعيز الحارة الواقفات على الأبواب ينتظرن فطورهم الباقي من خبز الأمهات الباسلات. كعادتي خرجت راجلاً لأداء عملي اليومي في الجامعة بعد ما خرجت من حارتنا وازقتها الضيقة دخلت على حارة "دالعمودي" شاهدته عند باب بيته " يقانم دهي حيضارتن " من مخلفات غابته العظيمة . دعاني سلمت عليه وأصر علي أن أدخل معه لتناول الشاي الصباحي "الملبن " ومشاهدت حديقته الملكية. بدون تردد وافقت الدعوة لأن كان بي شوق لرؤية غابته العظيمة فأنا عاشق الأشجار والطبيعة، ادخلني غابته في فناء بيته الضيقة البسيطة ، ادهلني منظرها الجميل وكأن مهندس زراعي صمم هذه التحفة الجميلة ، اجلسني على طاولة صغيرة تحت ضل شجرة "ضائد" كبيرة ثم أحضر الشاي الملبن وقعدنا نتسولف يأشر الى كل شجرة : هذه تريمو جبتها من حالة وهذيك اشحب من حيبق وهذاك عند شجرة الليم طيف اخدته من جاحي دنجهن عندما رحنا رحلة هناك. الغابة تحوي العديد من الأشجار سقطرى النادرة وبعض من أشجار الرمان والجوافة وجوز الهند .
- أنا مؤشراً إلى أحد الأشجار : دش شجرة دبوق بو ورود عفرتن ال سقطرية اضنها دخيلة منؤو اجدحك توس ؟
- نعم يا يا أستاذ اجدح أنهي توس طاد صاحبي يعومر اجديحو من رنهم .
-يا يعومر دياع وسامه .
- يا اخي فول شوجا شضرك مس ورود .
- يا اصحاب حماية البيئة كا أقدم عس يمحراس دجداجه .
- معصباً بأعلى صوته : افقديهن لاها لبوق حماية حق حماية الجيوب ، لصوص البيئة - أعداء البيئة ، بالله عليك كم شيهن دعم أسسوا المكتب وكم مشاريع أجنبية ومحلي هت قا ضالع أنهي نم عاامر ، بشي كال سرقة وسفريات وحضور مؤتمرات دولية على الفاضي، ودعم جادح ال شينو بيئة دساقطري عافية ، عيك لضلع هك يهن دسمحوا بالاشجار الدخيلة كور يعمر عسن حملة وضا يطلبوا دولارات من منظمات . لاها لبوق حق فلوس مش حق حماية بيئة . اول الله يخلي دحن افو قبت تان فول نحافظ ونحمي دحن بيئة ال يهن ناعة . خلاص توقف بس ال ترقح منهي ماتل.
- اتأملت في كلامه بعمق طلع أكثره صحيح.
فوقنا على شجرة السدر لاحظت الحمام البري " جاجه دمن حادب" هكذا نسميها في حديبوه . في عشتها آمنة تطعم صغارها وجبة الفطور. علي قائلاً :
دش دحا حادبة ال تعشا من حا ، كل مرة تسودك بدش شجرة واقانمس.
- ديفول سس حا ؟
- اوميدك سنة ونص.
مباشرة تذكرت المثل السوري " الحنان يجلب الطير ولو كان بري" حنان بو أصيل جلب جاجه دمن حادب وأصبحت من سكان الدار.
- علي قائلاً :
تصدق فحرى تو كان لها أشجار " ده شرهم دحا ايهشسن بمشيو من دش عبهور دبوق.
- الله يعينك.. ال رازحك ؟
- لا والله على كذا استمتع اكثر .
لا يملك الأخ علي اي شهادة ولا معرفة بعالم النباتات ولم يحصل على الدورات الخارجية المزعومة الوهمية ، كل مافي الأمر اعتمد على رغبته وخبرته التي اكتسبها من والدته . لم يكن الإهتمام بشأن البيئة عنده مجرد هواية أو موضة التباهي وكسب الدولارات بل إن شأن البيئة بالنسبة له هما مورقاً أمن به إلى حد أعتبره واجب مقدس .
الغابة رغم مساحتها الصغيرة لاحظت إنها جذبت أنواع جميلة من طيور سقطرى النادرة وبعض من الفراشات السقطرية الجميلة .
من كثر ما استمتعت بغابته نسيت أن عندي محاضرة وطلابي "الشكسبيرين" في إنتظاري... غادرت منتعشاً وفي خيالي تمنيت ألف علي في مكتب حماية البيئة .
معاني الكلمات السقطرية:
سود : اسم أحد نجوم الأمطار.
تيراه : رائحة الأرض الرطبة بعد المطر.
اصهر معطفات : خبز الطاوة المحلي .
خلاف : ومفردها خلفة فتحات صغيرة في المطبخ من خلالها يخرج الدخان .
حال : عطر بجميع انواعه .
دالعمودي : اسم أحد الحارات القديمة في العاصمة حديبوه.
حيضارتن : مفردها حيضارة اي الغنمة الأليفة المتواجدة طول الوقت عند البيت .
ملبن : شاي مخلوط فيه حليب الأغنام أو المعلب الدانو .
يقانم : يطعم الأغنام بالأعلاف أو حبوب الشعير أو بقايا اكل البيت .
