الأربعاء - 03 يناير 2024 - الساعة 06:00 م بتوقيت اليمن ،،،
الوطن العدنية/العميد اياد علوي فرحان
من قرية امخديرة ضمن عرين دثينة التاريخية, ولد وترعرع الفتى علوي حسين فر حان, ومن بين حصونها المنيعة, تحصن وعيه منذ بواكير العمر ،بروح الثورة وعشقه للحرية,وسرت في عروقه دماء أجداده من ابطال القادسية, فكان خير وريث للمجد الشريف .
حمل "فرحان" ذلك الإرث و وزعه بين بندقيته ولسانه,أفعاله وأقواله,وكان الوريث الأمين, الذي ترجم ذلك الإرث في ساحات النضال ضد المستعمر البريطاني,ولم تترك قدمه سهل ولا جبل من ارض الجنوب,الا وطبعت عليه اثار اقدام وأفعال الثائر فرحان, حتى انبلج فجر الاستقلال في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م، ليبدأ فرحان مرحلة جديدة من النضال في بناء الدولة الوليدة,لكن روح المقاومة التي تشربها منذ صباه, بقيت تحرك ثقافة ذلك الثائر الفذ و تخلج مكنوناته, فما كان منه إلا أن فجرها في مجاله الذي أبدع فيه منذ أن بدأ يؤسس لأهم جهاز استخباراتي عرفه الجنوب, و ربط فرحان علاقاته الوثيقة بمختلف حركات التحرر في العالم من شرقه الى غربه .
لم تحيده أممية النظام الذي تاطر فيه عن عروبيته التي كان يعتز بها,وكانت قضيته الكبرى التي تبناها بعد تحرير الجنوب اليمني, هي قضية فلسطين, فبالنسبة ل "عبدالله ابو نجم" أو "عبدالله اليمني" كما كان يحلو للفصائل الفلسطينية أن تطلق عليه,فلسطين ام القضايا ومركزها, وما زال الكثير من منازل نضاله مسطرة ومحفورة انطلاقا من شوارع عدن التي كانت إحدى أهم قلاع التحرر الوطني التي لاتنام وتتنفس ثورة وتحرر,إلى شوارع بيروت والمدن الفلسطينية وعواصم كثيرة أخرى في المنطقة والعالم,وحيث ما وصلت يده الثائرة في حربها للعدو الصهيوني الغاشم .
ختم فرحان مسيرته النضالية والإنسانية وهو في ذروة عطائه واقفا كالطود,غير عابئ بالموت الذي رافق ظله منذ الستينات وحتى لحظة إعدامه على يد أبناء جلدته وليس أعداء امته كما كان متوقع..! وعلى إثر إحدى حلقات "داحس والغبراء الجنوبية " الاكثر دموية وهي احداث يناير ٨٦م الكارثية,ولم تشفع له حينها,صفحات العزة والشرف التي سطرها باسمه وباسم أبناء الجنوب واليمن عموما .
رحل فرحان تاركا ثروة من الشرف والبطولة,نزيها عفيفا لا يملك غير منزله الذي يسكنه, المحطم حاليا جراء الحرب,بالرغم من أهمية المناصب وحساسيتها التي تقلدها والتي كانت تتيح له الحصول على الكثير والكثير بل وتكوين ثروة أن أراد ذلك، لان هذه الحسابات والمكاسب لم يكن لها مكان في وجدان الثائر فرحان ولا قيمة لها في ضميره, وهو الذي كان يردد عبارة "عيب عليك" والتي جعل منها دستوره الأخلاقي الذي اورثه العفة والنزاهة,فغادر الدنيا شريفا عفيفا مخلصا لقضايا امته الكبرى التي حمل همها حتى آخر أنفاسه .
ترى هل تحفظ الأرض جميل ذلك الثائر والقائد النادر , وهل لا زال الرفاق يتذكرون علوي حسين فرحان ..أبى العباس وابى إياد وابى زياد.. فما اقل ما حصل عليه وهو الكريم الذي لا ينبغي نسيان مرؤته وعطائه ونكرانه لذاته وايثاره للوطن الكبير وقضاياه المصيرية .
فمنذ إطلاق خرافة اغلاق ملفات الماضي, ومرورا ببدعة معالجة اثاره,و وصولا إلى أسطورة جبر الضرر التي يرددها البعض كثيرا حاليا,لا زلنا ننتظر متى يتم رد الاعتبار وانهاء حالة الإقصاء والتهميش والأبعاد والمصادرة بل والطمس "غير المبررة أو المفهومة" ليس لنا فحسب,بل ولاخرين كثر من أبناء الشهداء والقادة الافذاذ وكثير منهم من العيار الثقيل..قدموا كل شي ولم يحصل ابنائهم وأسرهم على اي شي ..غير النكران والجحوذ, وفوقه توظيفات مشينة لمعاناتهم, لا تؤلمهم وحسب, بل وتؤلم شهدائهم في قبورهم وتزعج سباتهم .
المقال الذي أعددته هنا لإعادة النشر, سبق وأن نشر في صحيفة القبس الكويتية وكاتبه الدكتور الازيمع, وهو شخصية كويتية إعلامية وصحفية وأدبية بارزة ومعروفة ليس بالكويت فقط,بل تتعداه الى اوساط حركات التحرر الوطني في المنطقة,لطالما كان للكويت العزيز النفس الاجمل والاكثر اثرآ ومبادرة في العمل العربي المشترك ,وقد اختار الكاتب الذي كان ضمن الدائرة المقربة جدا من الشهيد فرحان, أن ينعي رحيله من خلال عتاب قوي حوله، مع شخصية ادبية وشعرية ودبلوماسية, عربية تحررية هي الأخرى, وهو الشاعر والأديب السوداني الكبير الراحل "السفير صلاح احمد ابراهيم" ,والذي كان يلقب "بالشاعر الدبلوماسي" , انشرها هنا للاطلاع, وذلك بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل الشهيد ورفاقه الأبطال الاربعة,الذين رحلوا بصحبته بمكان واحد ,ودفنوا كذلك بمكان واحد...وساستعين هنا بعبارة لكاتب المقال واقول.. أنه ربما سيحين الوقت للبوح ببعض ما نحتفظ به إن لم يكن كله,لاني في الوقت الحاضر "في فمي ماء" .
عميد / اياد علوي فرحان .
المقال :
" عيب عليهم "
من لايعرف فرحان ..؟.
بقلم/ ابو وليد الازيمع
من لا يعرف فرحان.. كثيرون.. كما أعرف يعرفونه ولا شك، لكنني تمنيت ان يعرفه واحد مثل صلاح أحمد إبراهيم الذي أعطى لكل ذي حق حقه، حتى لم تشرد شاردة انجليزية ولا واردة فرنسية إلا وأعطاها حقها،، لكن فرحان يا صلاح .. تظل له أهمية خاصة، مع تقديري، لكل من عرفت ولكل ما رويت.
"عيب عليك" .. تظل هذه العبارة الحبيبة تطل علي صباح مساء كل ماتخيلت وجهه، وكلما عنت لي ذكراه.. وبالتالي، فهي تعيش معي ليل نهار... فخياله دوماً معي و ذكراه دائماً أمامي.
لله درك أيها اليمني، الذي عرف العروبة صدقاً لا إفتراءا , وعلمنا الوطنية التزاماً لا هراءا, وعرفنا به الثورية فعلاً لا ادعاء..
متى لنرجع القهقرى .. لن أتحدث عن يومياته في حرب التحرير .. فسجلات الإستعمار البريطاني وكتائب الفدائيين، وتحرير المدن تشهد أكثر مني، وتقول أكثر ..وأكثر .
هو من عرفته منه "عيب عليك" ان تتحدث عن الإنتماء والوطنية والثورة،، فواجبك أن تفعل .. بدوي هو , لكنه قومي حتى النخاع... وطني هو ، لكن الأنسانية بكل مداها مجال وعيه وفعله وعطائه..
"عيب عليك" ونذرع بيروت نعانق الشروق، ونتمدد عبر اشراقة الأمل ... صبرا وشاتيلا يعرفان فرحان وفرحه كان من فرحهما ولفرحهما، ربما اسمه الحركي جاء من ذلك الشروق، وذلك الأمل ، وتلك الفرحة، كل ماتعني البساطة يرتسم في ذلك الوجه الطفولي المشرق بالأمل، وكل ما تعني الطهارة ينعكس علي ذلك المحيا الأسمر العربي الأًصيل .
لله درك أيا ذلك اليمني .
تلحف سماء بيروت وتوسد أرصفتها، وجاب أرجاء المعمورة مرسوما كوجه فلسطيني، ومختوماً كرمز مناضل فعل .. نعم فعل، وأكثر مما فعل كثير من الأدعياء، ولكن بدون ادعاء،، بل ولا مفاخرة، حتى بعد هزوع الليل حين يمسح عن بندقيته غبار ليل مضى، ويعبئها ليوم واعد جديد .. لا لم تكن هناك لحظة استنفار نرجسية واحدة حتى ونحن على مشارف خط الاستواء فحاولت ان اعلمه النسيان، لكنه علمني مرارة الصحوة، كان يردد عبارته الشهيرة .."عيب عليك"..
كان يحلم ,وكنا من حوله نحاول ان يتمد الحلم حتى يجتاحنا لنحلم معه ، ولكنه كان دائماً يتركنا نحلم ثم يتسلل هو ليحيل الحلم إلى حقيقة،، لله درك ياذاك اليمني.. كم من معركة انبلج نهارها عن نقيع الدم بعد أزيز الرصاص، وكان فارساً من فرسانها، ان لم يكن فارسها، ويعلم الله أنه كان الفارس الوحيد في معارك حكيت الأساطير عنها، وسطرت البلاغات عن بطولاتها.. وفي فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء..؟!
"عيب عليك" ويحول عزاؤه من العيب إلى فعل مشرق .. قاتل عن فلسطين أكثر من الفلسطينيين، وتسكع على ارصفة العواصم العربية.. وكان عزأوه ان انتصار الثورة في اليمن يعني أن الله أعطاه عمراً وجهداً لنصرة الثورة الكبرى، ويقصد بها الثورة في فلسطين... وكان يفعل ...متى؟...وكيف؟.. في كل السنوات وكل الشهور وكل الأيام.. كان يفعل .. ويفعل.. وفي فمي ماء..
عرف الزعتر وصار يوصي كل صديق : "عيب عليك" أن تأتي "بليا الزعتر".. وكان يقول الزعتر رمز فلسطين، وجدتي كانت تقول لي "من اكل من لحم الذئب لا يخاف"، وأنا تعلمت من شيخ فلسطيني: أن من يأكل الزعتر لا يستسلم .
كان يقارن بين وريقات الزعتر وغصن الزيتون، ويقول ضاحكاً "عيب عليك وكله أخضر" , حتى أبناؤه أعطاهم أسماء عربية فلسطينية.. اليس هو أبو "" أبو إياد وأبو لميس"!؟!
لله درك أيها اليمني.. كان فرحان يبتسم في عز المسئولية والمعاناة، بل انه كان يصنع الابتسامة للأخرين.. لم أشهد في حياتي رجلاً يحمل كفنة على يديه ويبتسم مثل فرحان.. في أكثر من فعل حمل كفنه على يديه وعاد مبتسما.. ومع كل زيارة للطبيب يعود مثقلاً بالنتائج السلبية لكن يظل مبتسماً.. أظن، بل أجزم، ان ابتسامته تلك كانت .. بطولته..
كانت .. بطولته..
"أبو أياد" يحدثك عن بيوت المخيمات وكأنه لم يزل يعيش بها...
ويحدثك بلهجته الفلسطينية المكتسبة فتخال ان ((أبو نجم)) عائد لتوه من معسكر تنشيط للثورة..
كان يزورنا كثيراَ، وأصبح يزورنا لماما.. تنوعت وزادت مسئوولياته.. لكنه ظل ذلك الوجه الصبوح المبتسم تلك الأبتسامة المشرقة الواعدة.. وظل كما هو حين عرفته لسنين خلت.. دائماً يردد نفس العبارة.. "عيب عليك".. عيب علينا ..!! نعم بل هو عيب عليهم ولا استثني أحداً.. ابداً لا استثني أحد.. من سمع ورأى ولم يتكلم .. ولن يتكلم..
"عيب عليك" وأغمض عينيه لا كما كان يحلم في معركة مع العدو.. لكنها داحس والغبراء..
أغمض عينيه ضحية لكل معاني عبارته الأزلية .."عيب عليك".. رحمك الله يا فرحان.. ولعل في موتك ما يعطينا القدرة من جديد على الإبتسامة المشرقة والآملة على دربك إيها البطل...
صلاح/ لاتسأل عن فرحان .. فكلهم يعرفونه .. لكنهم سيدارون عوراتهم بشواربهم .. و .. "عيب عليهم"..
ملحوظة :
أبو إياد "أبو نجم" سابقاً :
أطفال الأرض التي ناضلت من اجلها – الأرض المحتلة – يقاتلون بالحجارة .. هل عندك – أو عندنا – أكثر - ؟!! – جبال اليمن تشهد .. أظن هذا.. عزاؤك.. عزاؤنا..
- انتهى-
|