الوطن العدنية/كتب_هاني المحثوثي
حضرموت، تلك الأرض التي تشبه القصائد القديمة، الممزوجة بالبخور وعرق المهاجرين، والسكون الذي لا يشبه السكينة، بل الصبر المتجذر في الجبال والوديان لم تكن حضرموت يوماً بعيدة عن الحلم، لكنها كانت بعيدة عن القرار.
في الأيام القريبة الماضية، خرج الشيخ عمرو بن حبريش، أحد أبرز وجهاء القبائل وقياداتها في حضرموت، ليضع على طاولة النقاش الوطني ملفاً ثقيلاً حمله الحضارم لعقود، وهو ملف الحكم الذاتي لحضرموت، هذه الدعوة لم تكن نشازاً في سمفونية المعاناة التي عاشها أبناء المحافظة، بل كانت نغمة تأخرت كثيراً، لكنها حين وصلت، مست أوتار الألم والكرامة في آن واحد.
قد يقول قائل إن الدعوة للحكم الذاتي مجرد انشقاق في لحظة وطنية حرجة، لكن من يعرف حضرموت جيداً، يعرف أنها لم تكن يوماً في قلب القرار، بل كانت دائماً في ذيل الخدمات، في هامش المشاريع، في غبار المركزية، ورغم ذلك، لم ترفع حضرموت السلاح، بل رفعت صوتها، على استحياء أحياناً، وعلى استبسال في أحيان أخرى.
دعوة الشيخ بن حبريش وقبائل حضرموت لا تطلب انفصالاً، بل تطلب إنصافاً، تطلب إدارة للموارد بعيداً عن أيدي العابثين، وتطلب كرامة تحفظها مؤسسات محلية تعرف تضاريس الوجع جيداً، حضرموت تريد أن تحكم نفسها بنفسها، لا نكاية في أحد، بل بحثاً عن حياة تليق بتاريخها، وعن سلام يحق لأهلها أن ينعموا به.
ولعل في هذا النموذج ما يوقظ بقية المحافظات النائمة تحت بطانيات الفساد والنسيان، قد تكون حضرموت بوابة، لا للخروج من الوطن، بل للدخول إلى مفهوم جديد للدولة، دولة تتنافس فيها الأقاليم على التعليم والصحة والبنية التحتية، لا على تقارير الولاء.
الحكم الذاتي ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة تاريخية، بعد أن تراكمت الخيبات، وتكررت التجارب الفاشلة، والحضارم، كما عهدناهم، لا يرفعون الصوت إلا حين تمتلئ الصدور بالحسرة، وها هم اليوم، يطلبون فقط أن يعيشوا كما يليق بأبناء أرضٍ علمت الملاحة والعلم، وصدّرت الرجال والأخلاق، لقد آن لحضرموت أن تستريح قليلاً، آن لأهلها أن يحكموا مدنهم وقراراتهم، آن للحق أن يكون سيّد الموقف، فهل يسمع المركز هذا الصوت النبيل، قبل أن يتحول إلى صرخة؟