مقالات وآراء

الخميس - 07 أغسطس 2025 - الساعة 08:05 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/حافظ النخعي


في عدن وُلدنا، وعلى ترابها مشينا أولى الخطى، تنفسنا هواءها، وتربينا في أزقتها ومدارسها وجوامعها، وكنا نكبر وتكبر فينا معاني الأخوة والنقاء والرحمة. كانت عدن لنا أمًا، لا تفرّق بين أبنائها، تحتضنهم جميعًا، وتمنحهم الحب بلا قيد ولا شرط.

لم نكن نعرف في طفولتنا ما يُسمى بالعنصرية أو المناطقية. كانت أرواحنا أنقى من أن تُلوّثها تلك المفاهيم الدخيلة. زملاؤنا في الدراسة كانوا من كل بقاع اليمن، بل ومن أصول هندية وصومالية وتركية وحبشية، ولكننا لم نكن نراهم إلا كما نرى أنفسنا… إخوة في الإنسانية، شركاء في الطفولة، أبناء لمدينة لا تعرف الضيق ولا العزل ولا الفوقية.

أتذكر جيدًا – وقلبي يبتسم بحنين – كيف كانت أمي رحمها الله، تفتح قلبها وبيتنا لزملائي، تُكرمهم كما لو كانوا أبناءها تمامًا. لم تسأل عن أصولهم، ولا لهجاتهم، بل كانت ترى في وجوههم صفاء عدن، وحلاوة تربتها. هكذا كانت عدن، وهكذا كنا أبناءها… قلوبنا بيضاء، وبيوتنا مفتوحة، وأيدينا ممدودة بالمحبة.

عدن ليست قبيلة، ولا قرية ضيقة الأفق، بل مدينة ولّادة، احتضنت في أحشائها الهندي والفارسي والحبشي والمصري، كما احتضنت القادم من صنعاء، وتعز، وحضرموت، والضالع، وكل شبر من هذه الأرض. من ولد في عدن، أو أحبها بصدق، فهو عدني الروح، عدني الانتماء.

إن العنصرية اليوم، بما تحمله من بُغض وتعالٍ، لا تمت لعدن بصلة. إنها دخيلة علينا، مرضٌ خبيثٌ لا ينهش إلا القلوب الضعيفة، وعُقدة نقص لا يُصاب بها إلا من فقد إنسانيته. فالعنصري لا يرتفع، بل يغرق في وحل الجهل والكبر.

عدن تنادينا جميعًا… أن نعود كما كنا، أن نتذكر ما نسيناه في زحمة السياسة وفتن الأحقاد. تنادينا أن نرتقي فوق الأسماء والعناوين والجهات، لنعيش في وطن يحفظ كرامتنا، ويمنحنا أمنًا مجتمعيًا حقيقيًا، لا تفضيل فيه إلا بالحق والعدل.

فلنحفظ عدن من ألسنة العنصرية، كما حفظتنا ذات يوم من قسوة الحياة.
ولنعد كما كنا: إخوة تحت سمائها، وأبناء في حضنها، وأملًا في مستقبلها

✍🏼 حافظ النخعي