حديث الصحافة

الإثنين - 18 أغسطس 2025 - الساعة 09:38 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/متابعات

قبل عودة اللاجئين، تحتاج الحكومة السورية الجديدة إلى خطة مدعومة بتمويل دولي قوي، ومراقبة، ودعم سياسي.
لقد برزت مؤخراً مسألة متى ستكون سوريا مستعدة لاستقبال ملايين النازحين في الخطاب السياسي الأوروبي. وبعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، بدأت عدة دول في الاتحاد الأوروبي بتعليق طلبات اللجوء والنظر في ترحيل اللاجئين السوريين.

ومع وجود ما يقرب من 14 مليون نازح سوري حول العالم، منهم 6 ملايين في الدول المجاورة وأوروبا، تتضح الحاجة الملحة لتقييم ما إذا كانت الأوضاع في سوريا آمنة لعودة السوريين. وقد عزز ظهور هيئة تحرير الشام (HTS)، ووعدها بإجراء انتخابات وحماية الأقليات، إلى جانب رفع بعض العقوبات الأمريكية والأوروبية، الادعاءات بأن سوريا أصبحت الآن آمنة للعودة. ومع ذلك، يبقى السؤال الحاسم: هل سوريا مستعدة حقاً لإعادة سكانها النازحين إلى وطنهم؟

تشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منذ سقوط الأسد، إلى عودة ما يقرب من 500 ألف سوري من الدول المجاورة. ومع ذلك، ورغم التزامات هيئة تحرير الشام، يواجه هؤلاء العائدون تحديات مستمرة: استمرار انعدام الأمن، والعنف المتقطع، والبنية التحتية المدمرة، وضعف الخدمات العامة التي لا تزال منتشرة على نطاق واسع.

ويزيد عدم الاستقرار الاقتصادي ونقص المساكن من تعقيد جهود إعادة الإدماج، مما يلقي بظلال من الشك على جدوى العودة واسعة النطاق. ويتردد صدى هذا التشكك في استطلاعات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث يعرب الكثير من السوريين في الشتات عن مخاوفهم بشأن السلامة والاستقرار السياسي.

وعلى الرغم من تراجع حدة النزاع المسلح، لا يزال النسيج الاجتماعي والسياسي في سوريا هشاً. وقد تؤدي العودة المبكرة إلى نزوح متجدد إذا ثبت عدم استقرار الظروف. لذا، يجب أن تكون أي استراتيجية للعودة حذرة ومتدرجة، ومبنية على الحقائق على أرض الواقع.

الطائفية وهشاشة التوازن في سوريا

على الرغم من أن المخاوف المبكرة من اتساع رقعة العنف الطائفي لم تتحقق، إلا أن سوريا لا تزال تعاني من انقسامات اجتماعية عميقة تهدد الاستقرار وتعيق العودة الآمنة لملايين النازحين. وقد حاولت الحكومة الانتقالية تشكيل حكومة أكثر شمولاً تضم ممثلين أكراداً ومسيحيين، لإظهار نيتها للمضي قدماً نحو سوريا أكثر تمثيلاً وأمناً.

ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تزال غير كافية لتهيئة الظروف اللازمة لإعادة واسعة النطاق. ولا تزال الهجمات المُستهدفة تستهدف الأقليات، مثل العلويين والدروز، وتزعم الحكومة أن المهاجمين هم من فلول الأسد. كما يسلط تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، الذي أودى بحياة 25 مدنياً، الضوء على التهديد المستمر الذي يواجه المسيحيين. إضافةً إلى ذلك، تبرز الضربات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق، والتي أشعلتها اشتباكات السويداء بين الدروز وقوات الحكومة السورية، كيف أن التوترات المتصاعدة قد جرّت إسرائيل إلى ساحة الصراع.

إن الاستعداد الحقيقي للعودة إلى الوطن يعتمد على أكثر من مجرد مبادرات معزولة من الحكومة المركزية. فهو يتطلب مصالحة مستدامة على المستوى المحلي، وضمانات للسلامة والحماية القانونية للأقليات، واستعادة الخدمات الأساسية وسبل العيش. ودون هذه الخدمات، سيواجه العائدون عدم الاستقرار والتمييز، وربما الضرر، مما يعرضهم والدول المضيفة لخطر انتهاك المبادئ الإنسانية الدولية، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر العودة القسرية إلى ظروف غير آمنة.

ويعد الدعم الدولي أمراً بالغ الأهمية في تهيئة سوريا لهذا التحول. وقد بدأت دول الخليج، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، بتقديم المساعدات، وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.5 مليار يورو لتحقيق الاستقرار. يجب زيادة هذه الموارد بشكل مؤقت واستراتيجي، وتوجيهها نحو بناء السلام المجتمعي، والجهود الأمنية المحلية، وبرامج إعادة الإدماج المصممة خصيصًا لمجتمع سوريا المتنوع والمنقسم.

ينبغي أن يعطي التمويل الأولوية لآليات المصالحة طويلة الأمد، وأن يُمكّن الجهات الفاعلة المحلية، تحت إشراف مؤسسات محايدة، مثل الأمم المتحدة، لضمان الشفافية والمساءلة. يمكن تحقيق ذلك من خلال عمليات تدقيق دورية، ومتطلبات إعداد التقارير، وفرق مراقبة مدمجة على المستوى المحلي لتتبع التنفيذ ومنع إساءة الاستخدام.

ومن المهم أن يقود السوريون أنفسهم عملية المصالحة. كما يجب تعزيز الحكم المحلي، ولكن دون هيمنة القوى الأجنبية عليه، لأن التدخل الدولي المفرط قد يولّد مقاومة أو يقوّض الشرعية. وللحفاظ على هذا الزخم، ينبغي أن يكون تستمر المساعدات الدولية، وخاصةً تلك المخصصة لحماية حقوق الأقليات، شرط تقيد الحكومة الانتقالية بالتزاماتها.

لن تكون سوريا وطن جاهز للعودة إليه إلا عند استيفاء شروط واضحة وقابلة للتحقق. وتشمل هذه الشروط استقرار الأمن في جميع مناطق العودة، وتوفير حماية قانونية فعّالة للأقليات، واستعداد المجتمع المحلي لاستقبال النازحين دون تجدد التوتر، وتوفير بنية تحتية كافية لدعم العائدين. وإلى أن تتحقق هذه المعايير، يجب أن تظل العودة طوعية وتدريجية وخاضعة لمراقبة دقيقة.

وعلاوة على ذلك لا يزال نظام الرعاية الصحية في سوريا يعاني من أزمة خانقة. فقد دمرته سنوات من الحرب والعقوبات التي دمرت معظم البنية التحتية وأجبرت العديد من العاملين في المجال الطبي على الفرار. وغالباً ما تعاني المستشفيات والعيادات من نقص في الكوادر والموارد، لا سيما في المناطق الريفية والنائية حيث يكون الوصول إلى الخدمات محدوداً للغاية.

وفي الوقت نفسه، قلّصت المنظمات غير الحكومية عملياتها بسبب تخفيضات التمويل الدولي. وبدون استثمارات كبيرة، لا يمكن للنظام الهش تلبية احتياجات السكان أو مواجهة الطلب المتزايد. ومما يزيد من تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية أزمة الألغام الأرضية والعبوات الناسفة التي خلفتها الحرب الأهلية، والتي تسببت بالفعل في أكثر من 1000 إصابة في 6 أشهر، ويشكل الأطفال ما يقرب من ثلث الضحايا.

وفي نفس الوقت يمكن لدول الخليج والاتحاد الأوروبي لعب دور حيوي في توفير المعدات الطبية والأدوية والمساعدة التقنية، ولكن يجب أن يكون التعافي طويل الأمد متجذراً في المسؤولية السورية. وتعتمد إعادة البناء المستدامة على تدريب الكوادر الطبية المحلية والاحتفاظ بها ودعمها من خلال المؤسسات المجتمعية.

وينبغي على الحكومة الانتقالية السورية التعاون مع الجهات المانحة الدولية لوضع هياكل وسياسات وإجراءات وبرامج تهدف إلى مسح الألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار وإزالتها على الفور، بالإضافة إلى تأمين مخزونات الأسلحة.

ومن أكثر التحديات التي تواجه اللاجئين السوريين العائدين غياب حقوق الملكية الآمنة. فقد أفادت لجنة الأمم المتحدة المعنية بسوريا بوقوع عمليات نهب وتدمير واسعة النطاق وممنهجة لممتلكات النازحين، معظمها على يد القوات الحكومية السابقة، مما يشكل عائقاً رئيسياً أمام العودة الآمنة والاستقرار طويل الأمد.

وفي المناطق التي تسيطر عليها الآن هيئة تحرير الشام، تُعتبر المطالبات بالملكية محفوفة بالمخاطر لأن نقص الوثائق والسجلات الرسمية يجعل العائدين عرضة لخطر نزع الملكية. وهذا يردع الأفراد والمستثمرين الأجانب على حد سواء، مما يعطل جهود إعادة الإعمار والحوكمة.

ولم تصرّح الحكومة المؤقتة صراحة عمّا إذا كانت تنوي استبدال المرسوم 66 أو القانون رقم 10 الخاص بالملكية من العهد السابق. ومع ذلك، فإنّ الضغط الشعبي المتزايد، والمراجعات القانونية، وتشكيل لجان محلية لتعديل القرارات الرئيسية، يشير إلى إدراك أوجه القصور في القوانين، وإمكانية التحوّل نحو الإصلاح، على الرغم من عدم الإعلان رسمياً عن إلغائها.

ومن شأن لجنة مطالبات ملكية محايدة ومدعومة دولياً أن تساعد سوريا على معالجة نزاعات الملكية ودعم العودة. ولتسهيل ذلك، يمكن للمجتمع الدولي توفير الخبرة الفنية والتمويل والرقابة لضمان عمل اللجنة بشفافية وإنصاف واستقلالية عن النفوذ السياسي.

ويجب أن تتركز جهود إعادة الإعمارعلى الإسكان والخدمات وسبل العيش لتخفيف التوترات ومنع الصراعات القائمة على الموارد. كما ينبغي للمانحين والاستثمارات، وخاصة من أوروبا والخليج، دعم التنمية المجتمعية الشاملة وحماية مساكن الأقليات لضمان سياسة عودة مستدامة.

في النهاية ينبغي على الاتحاد الأوروبي إنشاء بعثة مراقبة مدنية تحت رعاية الأمم المتحدة للإشراف على عملية العودة، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، والتواصل مع المجتمع المدني السوري لضمان الشفافية والمساءلة. وتعد هذه الإجراءات حاسمة لمنع العودة المبكرة التي قد تؤدي إلى نزوح متجدد أو إثارة ردود فعل سياسية سلبية داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.


إيفار جانسين – ناشيونال إنترست