أخبار محلية

الإثنين - 10 نوفمبر 2025 - الساعة 12:51 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/تقرير خاص

»بيان الميليشيا يعيد إنتاج خطاب الخوف ويكشف مأزقها السياسي والاقتصادي

•أثار بيان وزارة الداخلية التابعة للميليشيا الحوثية في صنعاء، الذي أعلنت فيه القبض على ما وصفتها بـ"شبكة تجسس دولية" مرتبطة بالمخابرات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية، موجة واسعة من الجدل والسخرية في الأوساط اليمنية. البيان، الذي جاء مصحوبًا بمشاهد مصوّرة لما قالت الميليشيا إنها اعترافات المتهمين، لم يتضمّن أي أدلة مادية أو تفاصيل واضحة، ما عزّز الشكوك حول طبيعته السياسية والدعائية.

يأتي هذا الإعلان في وقت تعيش فيه مناطق سيطرة الميليشيات أزمة اقتصادية غير مسبوقة، بعد توقف دفع رواتب الموظفين العموميين وتزايد السخط الشعبي من تفشي الفساد وتدهور الخدمات. ويرى مراقبون أن الميليشيا تحاول عبر هذه البيانات خلق حالة طوارئ مصطنعة تصرف الأنظار عن الانهيار الداخلي، وتعيد توجيه الغضب الشعبي نحو “عدو خارجي” متخيّل.

في الشارع اليمني، قوبل البيان بقدر كبير من السخرية. فقد امتلأت منصات التواصل بتعليقات ناقدة تشكّك في مصداقية الرواية الرسمية، وتتناول بسخرية أسماء الشخصيات التي ظهرت في التسجيلات. الصحفي فارس الحميري اعتبر الاعترافات المصوّرة “ركيكة وتفتقر إلى أبسط مقومات التحقيق الأمني”، فيما وصف الكاتب هزاع البيل البيان بأنه “استعراض إعلامي يهدف لتصوير بطولات وهمية”، أما الباحث عدنان الجبرني فتهكم على تكرار الأسماء قائلاً إن “القضية تحولت إلى مسلسل بعنوان علي والبلكة”.

هذا التفاعل الشعبي يعكس مدى اتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي للميليشيا ووعي الشارع اليمني، الذي بات يتعامل مع مثل هذه البيانات كجزء من حملة دعائية متكررة تهدف إلى تثبيت السيطرة الداخلية، لا إلى حماية الأمن العام.

من الناحية السياسية، يرى محللون أن لجوء الميليشيا إلى مثل هذه البيانات يعكس مأزقها المتفاقم. فمع انحسار الزخم المرتبط بالحرب في غزة، فقد الحوثيون أحد أهم أدواتهم الدعائية التي استخدموها لتعبئة الأنصار وتبرير الأزمات الاقتصادية. ومع غياب تلك الورقة، عادوا إلى صناعة “العدو الداخلي” كوسيلة لإعادة إنتاج الخوف وضبط المجتمع عبر التهديد بالتجسس والخيانة.

الآثار الحقوقية لهذه الحملة تبدو أكثر خطورة. فقد ترافقت مع اعتقالات جديدة طالت موظفين في منظمات إنسانية دولية، بينهم عاملون في الأمم المتحدة، وسط إدانة من منظمات حقوقية وصفت الاتهامات بأنها “كيدية وغير قائمة على أدلة موثوقة”. هذه الممارسات تهدد بيئة العمل الإنساني في اليمن، وتعقّد مهمة إيصال المساعدات إلى ملايين المحتاجين.

في المحصلة، تكشف قصة “شبكة التجسس” المزعومة عن أزمة سياسية وأمنية عميقة داخل الميليشيا الحوثية، أكثر مما تكشف عن مؤامرة خارجية. فالبيان الذي أُريد له أن يظهر إنجازًا أمنيًا، بدا في نظر كثيرين دليلاً إضافيًا على هشاشة السلطة القائمة، التي باتت تعتمد على صناعة الخوف لإبقاء قبضتها مشدودة، فيما يتسع التصدع تحت أقدامها يوماً بعد آخر.