الوطن العدنية/مقال لـ”د.نادين رباطي”
تشهد الساحة الجنوبية مرحلة غاية في التعقيد، تثير كثيرًا من التساؤلات حول مستقبل مسار الثورة الجنوبية ودور المجلس الانتقالي في قيادتها. فبين من يرى أن التحركات الأخيرة للمجلس تمثل مخاطرة قد تُقاس بانتحار سياسي، وبين من يعتبرها لحظة تاريخية لقطف ثمار سنوات النضال، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة. وفي هذا السياق، يعمل المجلس الانتقالي على تعزيز حضوره السياسي والعسكري عبر دعوة الجنوبيين للاحتشاد والتعاضد والخروج مجددًا إلى ساحات الاعتصام. إلا أن هذه الدعوة تأتي في إطار وصفه بعض المتابعين بـ"المربك"، خصوصًا أنها موجهة إلى كل الجنوبيين دون استثناء، في تحول يبدو أنه تجاوز لكثير من الممارسات المنفردة التي اتُّهم المجلس باتباعها خلال الفترات الماضية.
وترافق هذا التصعيد تساؤلات جوهرية حول ما بعد الانفصال، حيث تبرز أولويات كبرى تتصدر المشهد الجنوبي، من بينها ضرورة بناء مؤسسات دولة قادرة وفاعلة، وترسيخ الأمن، وصياغة مشروع وطني جامع يحفظ التنوع ويعزز الهوية الجنوبية. كما يشكل الاعتراف الدولي وإقامة علاقات مستقرة مع الإقليم والعالم عاملًا حاسمًا في نجاح أي مرحلة انتقالية قادمة. وعلى الصعيد الاقتصادي، يظل التحدي الأبرز هو إدارة الموارد بكفاءة، وتطوير البنية التحتية، وتحقيق تنمية شاملة تلمس حياة المواطنين وتساعد على خلق استقرار اقتصادي طويل الأمد.
وفي الوقت نفسه، تبرز الحاجة إلى معالجة آثار الصراعات السابقة عبر مسارات العدالة الانتقالية، وتمكين الشباب، ودعم المجتمع المدني، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية لتثبيت الجبهة الداخلية وتجنب أي صراعات أو انقسامات مستقبلية. وهكذا يصبح تعزيز مسار التحول في الثورة الجنوبية مرتبطًا بقدرة القوى الجنوبية—وفي مقدمتها المجلس الانتقالي—على إدارة المرحلة المقبلة بوعي ومسؤولية، ضمانًا لاستقرار الجنوب وتحقيق تطلعات شعبه نحو الكرامة والمستقبل الذي طال انتظاره.
د.نادين عبدالقادر رباطي