الوطن العدنية/مقال لـ”طلال لزرق”
منذ أن بسطت القوات الجنوبية نفوذها الميداني على محافظتي حضرموت والمهرة، لم يكن المشهد عسكريًا فقط، بل سياسيًا وإعلاميًا بامتياز. إذ برز اصطفاف شبه جماعي لمعظم النخب السياسية والإعلامية الشمالية في خطاب واحد، يتقاطع في الهدف وإن اختلفت العناوين: إجهاض مشروع استعادة الدولة الجنوبية وفك الارتباط.
هذا التوحد لا يمكن قراءته بوصفه “حرصًا على الوحدة” كما يُسوَّق، بل بوصفه رد فعل دفاعي على تحولات استراتيجية تهدد بنية النفوذ التاريخي الذي تشكل بعد عام 1994م، حين جرى تحويل الجنوب من شريك سياسي إلى مساحة نفوذ وثروة.
أولًا، لأن حضرموت والمهرة تمثلان العمق الاقتصادي والجيوسياسي، وخروجهما من دائرة السيطرة غير المباشرة يعني عمليًا سقوط آخر أوراق الضغط. فاستعادة الجنوب لقراره في هذه المحافظات تنهي معادلة “الجنوب المورد والشمال المستفيد”.
ثانيًا، لأن اقتراب الجنوبيين من الاستقلال الثاني ينسف السردية التي بنت عليها تلك النخب شرعيتها السياسية طوال ثلاثة عقود. لذلك نراهم ينتقلون من التناقض إلى التماهي: إسلامي، قومي، يساري، وإعلامي، جميعهم يتحدثون بلغة واحدة حين يتعلق الأمر بالجنوب.
ثالثًا، لأن المشروع الجنوبي اليوم لم يعد احتجاجًا أو خطاب مظلومية، بل واقعًا سياسيًا مدعومًا بقوة على الأرض، واعترافات إقليمية متدرجة، وهو ما يثير القلق الحقيقي، لا على “الوحدة”، بل على فقدان الامتيازات.
إن هذا الاصطفاف يكشف حقيقة مهمة:
أن القضية الجنوبية لم تعد محل خلاف جنوبي-شمالي شعبي، بل صراعًا بين شعب يسعى لاستعادة دولته، ونخب تخشى سقوط منظومة مصالحها.
ومع كل خطوة جنوبية متقدمة في حضرموت والمهرة، يتأكد أن الضجيج الإعلامي ليس دليل قوة، بل علامة خوف من واقع جديد يتشكل… جنوبٌ يستعيد دولته، وشمالٌ يعيد حساباته متأخرًا.
#طلال_لزرق