مقالات وآراء

الأحد - 21 ديسمبر 2025 - الساعة 02:03 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب_محمد بن اسحاق

سنحيا كرامًا، نعم، سنحيا، رغم هذا الوطن المثقل بالفتن، والمُتخم بالصراعات، والمُنهك بتجارب السلطة المتعاقبة. سنحيا لأن مطلب المواطن لم يكن يومًا مستحيلًا، بل كان بسيطًا وواضحًا: الكرامة والحرية.
الكرامة قبل السياسة، والحرية قبل الشعارات، والإنسان قبل كل الكيانات.
لقد آن أوان انتهاء زمن الدكتاتورية، وانتهاء زمن العنصرية، وانتهاء زمن الاستبداد الذي صادر حياة الناس باسم الوطن، وباسم الأمن، وباسم الشرعية تارة، وباسم الثورة تارة أخرى. آن الأوان أن نقولها بوضوح: كرامة المواطن خط أحمر، لا تُقايَض، ولا تُؤجَّل، ولا تُختزل في خطابات موسمية.
صحيح أننا نعاني؛ نعاني من الفتن، ومن التشريد، ومن التهميش، ومن ضياع البوصلة. نعاني لأن الوطن صار ساحة صراع، لا بيتًا آمنًا. وفي حضرموت، يتجسد هذا الوجع في ذلك المثل الحضرمي الشهير:
«أنا أمير وأنت أمير… من فينا يركب الحمار؟»
مثلٌ يلخص عبث المشهد؛ كثرة أمراء، وغياب مسؤول، وكأن المواطن هو الحمار الوحيد الذي يُحمَّل كل الأثقال، ولا يُسأل عن تعبه.
في حضرموت، كما في بقية المناطق، تتعدد مراكز النفوذ:
المجلس الانتقالي الجنوبي،
الشرعية،
حلف قبائل حضرموت،
وأطراف أخرى من داخل الدولة وخارجها.
كل طرف يرفع رايته، وكل طرف يدّعي تمثيل الناس، لكن السؤال البسيط الذي لا يريد أحد الإجابة عليه هو: أين المواطن من كل هذا؟
المواطن لا يريد صراع رايات، ولا تنافس بيانات، ولا سباق نفوذ. يريد كهرباء لا تنقطع، ووظيفة بلا واسطة، وأمنًا لا يُفرّق بين الناس، وخدمة تحترم إنسانيته. يريد أن يشعر أن له وطنًا، لا ساحة حرب، وأن له دولة، لا شركات نفوذ.
كرامة المواطن لا تتحقق بالسلاح، ولا بالتحريض، ولا بتوسيع الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد. تتحقق بوقف الصراعات العبثية، وبالاعتراف أن هذا الواقع لا يحتمل مزيدًا من الانقسام.
اتركوا الصراعات، فالأرض تتسع للجميع، لكنها تنهار فوق رؤوس الجميع إن استمرت هذه المعارك.
لسنا بحاجة إلى مزيد من الأبطال الورقيين، بل إلى رجال دولة. لسنا بحاجة إلى خطابات عالية النبرة، بل إلى أفعال تُخفف معاناة الناس.
إن الكرامة ليست مطلب نخبة، بل حق أصيل لكل مواطن، من المهرة إلى صعدة، ومن حضرموت إلى تعز.
سنحيا كرامًا…
سنحيا لأننا نرفض أن نكون وقودًا لصراعات لا تشبهنا.
سنحيا لأن هذا الوطن، رغم كل ما فيه، يستحق أن نُنقذه من أنفسنا أولًا.
وسنظل نرددها حتى تُصبح واقعًا: كرامة المواطن فوق كل شيء.