الوطن العدنية/كتب_سعيد النخعي
انقضت عشرٌ كاملةٌ من حرب استعادة الدولة، ومع دنوِّ كلِّ شمسٍ تغيب، تدنو معها نهايةُ الدولة، فتنأى صنعاء، حتى غدت كخيطٍ من خيوط السراب.
ومع إشراقة كلِّ يومٍ جديد، يهوي الشعبُ إلى قعر الهاوية، ويرتفع منسوبُ الساسة من الأرصدة، وكلما ارتفعت أرصدةُ بارونات الحرب، هبط سعرُ الإنسان اليمني في سوق المضاربة بالقضايا الكبرى، مقابل ازدهار تجارة الرقيق السياسي في أسواق بيع الولاء.
عشرُ سنواتٍ خلت لا تميّز بين أيامها إلا بأرقام قوائم التقويم الميلادي، ولا يُتعرّف على عدّة شهورها إلا بالمناسبات الدينية التي تسوقها سنون التقويم الهجري.
اُستهلك فيها كلُّ شيء، حتى الشعارات التي فُتن بها اليمنيون لم تعد جذابةً أو مغريةً، بسبب التكرار، وضعف الحبكة، ورداءة الإخراج.
فكلُّ شيءٍ معادٌ، مكرّرٌ، مستهلكٌ، أو منتهي الصلاحية أعيد إنتاجه، بصلاحيةٍ مفتوحة، كحلبة مصارعة الرئاسة، ومقلبي النواب والشورى، وغيرها من بقايا قطع الخردة التي خلّفها انفجارُ مركبة صالح، فوجدها بعضُ السَّيَّارة مرميّةً في فراغ اليباب السياسي بعد سقوط الدولة، فقاموا بتهريبها كقطعٍ أثريةٍ نادرة من عصر حمورابي، في حين أن ورق التواليت يُستخدم مرةً واحدةً فقط، إلا هذا النوع من أوراق التنظيف ظلّ يقاوم القدر، لحكمةٍ لا يعلمها إلا الله والراسخون في النفاق السياسي، وبعضُ الدول التي تعتمد سياستها الخارجية على استثمار بقايا مخلفات الأنظمة السياسية، والتيارات الإيديولوجية التي خرجت من بلدانها رجمًا بالأحذية، ليُعاد إنتاجها وتصديرها على طريقة تجارة المواد المنتهية الصلاحية، والمواد المغشوشة، كالسجائر المكسيكية المهرّبة التي يتم حشوها بنشارة الخشب بعد خلطها بنكهة التبغ، كالتي يتعاطاها المتقاعدون.
وهذا ما فعله السَّيَّارة الذين مرّوا من هنا قبل عشرة أعوام تقريبًا، فأعادوا إنتاج رشاد العليمي،وسلطان البركاني،وبن دغر؛ لأغراضٍ خارجية هذه المرة، وليس للاستخدامات الداخلية. لكن إعادة الإنتاج والتصدير هذه المرة جاءت على طريقة المشردين والمتسولين الذين يجمعون قناني المياه الفارغة من أكوام القمامة والمستنقعات، فتعيد المصانعُ الشعبية تعبئتها-دون غسلها- وبيعها للسوق المحلية بصلاحيةٍ مفتوحة، لا تنتهي إلا بعودتها لبراميل القمامة .
سعيد النخعي
30/ديسمبر/2025م