الوطن العدنية/إعداد_القاضي أنيس جمعان
لوحة تجدها معلقة على جدران أغلب البيوت ، فهي مألوفة دون شك لدى الكثيرين فمن منا لايعرف هذا الطفل أو ينسى هذه الملامح الملائكية الحزينه ،
وبالتأكيد رأيتم مثل هذه اللوحة من قبل فهي واحدة من أشهر اللوحات في العالم ، وتحمل أسم “الطفل الباكي” The Crying Boy ، وتسمى أيضا بلوحة ” فتيان الغجر ، وأشتهرت هذه اللوحة بشكل كبير لما تتضمنه من تعابير وأحاسيس عن الرحمة والشفقة لملاح الطفل الحزينة وعيونه الدامعتان ..
اللوحة الأشهر هي لرسام إيطالي وتحمل إسم "الطفل الباكي" من مجموعة لوحات تحمل ذات الاسم عن أطفال كلهم يبكون لاتزال قصتها إلى اليوم غامضة ومريبة ، وهي لوحة ذات انتشار واسع، رسمها الفنان الإيطالي ( جيوفاني براغولين) giovanni bragolin وأسمه الحقيقي (برونو أماديو ) ، ولاتوجد معلومات الكثير عنه سوى انه عاش في فلورنسا ورسم سلسلة من اللوحات الفنية الجميلة لأطفال دامعي العيون تتراوح أعمارهم ما بين سن الثانية والثامنة ، وقد صنع من اللوحة الكثير من النسخ المشابهة لفتيان وفتيات صغار وهم يبكون ضمن مجموعة لوحات تحمل ذات الاسم عن أطفال كلهم يبكون لا تزال قصتها إلى اليوم غامضة ومريبة ، وذلك بسبب انتشارها الكبير في المحلات والمنازل وانخفاض سعر الصور المنسوخة منها ، وبسبب عمق معناها الدرامي والإنساني ..
ولكن هل تعلم إن هذه الصورة مصابة بلعنة تسمى The Curse of the Crying Boy
ولوحة “الطفل الباكي” هذه اللوحة بالذات هي اشهر اللوحات الفنية وتصور طفلا ذا عينين واسعتين والدموع تنساب من على وجنتيه ، ومن الواضح أن هيئة الطفل تشعر الناظر بالحزن والشفقة وتلعب على وتر المشاعر الإنسانية بعمق ..
ولكن المعلومات غامضة في معظمها عن هذا الرسام ، فقد كان “جيوفاني” يعمل في البندقية ، وفر إلى أسبانيا بعد الحرب ، ليبدأ رسم لوحاته الشهيرة التي حملت جميعها ذات الإسم “الطفل الباكي”، وقد رسم نسخاً كثيرة تدور مواضيعها حول أولاد أو بنات صغار يبكون ، لأطفال أيتام من ملجأ إحترق لاحقا كما ذكر بقصته ، وأنتشرت هذه اللوحة بشكل واسع منذ عام 1950م ..
✍ في العام 1969م سمع “أماديو” صوت نشيج متقطع أسفل مرسمه ، عندما نظر أسفل محترفه، أثاره مظهر صبي يرتدي أسمالا بالية ويجلس خارج حانية قريبة ويبكي ، حيث نادى الرسام على الصبي وسأله عن المشكلة ، فنظر إليه بصمت وكان ما يزال يبكي ..
أماديو الذي أخذته الشفقة على الصبي أصطحبه إلى محترفه وأطعمه ثم رسم له بورتريها، وقد زاره الولد بعد ذلك مرارا ورسم له “بورتريهات” عديدة ، وطوال تلك الزيارات لم يتوقف الصبي عن البكاء كما لم يتفوه بكلمة..
ولم يمض وقت قصير حتى زار بيت الرسام كاهن محلي ، كان الكاهن قد رأى الصورة التي رسمها الفنان للصبي وأخبره أن أسمه “دون بيونيللو” وأنه هرب من منزله بعد رؤيته لوالده يتفحم حتى الموت عندما ألتهم حريق بيتهم ، حين سمع الكاهن قصة الصبي نصح الرسام أن لايفعل المزيد لأجل الصبي ، مبررا ذلك بأن النار ستظل تشب في أثره ، وبعد وقت قصير من لقائه الأول مع الصبي ، زار الرسام في بيته كاهن محلي كان في حالة ارتباك واضح ، كان الكاهن قد رأى الصورة التي رسمها الفنان للصبي وأخبره أن اسمه دون بونيللو وانه هرب ليهيم على وجهه في الشوارع بعد أن رأى والده يتفحم حتى الموت عندما التهم حريق بيتهم ، وقد نصح الكاهن الرسام بأن لايفعل المزيد من أجل الصبي لأنه أينما ذهب كانت النار تشب في إثره. ارتعب أماديو من حقيقة أن رجلا متدينا ومن أهل الله ينصحه بأن يدير ظهره لصبي يتيم وضعيف ..
وفي النهاية تجاهل الرسام نصيحة الكاهن وبادر إلى تبني الصبي بعد ذلك بوقت قصير ، وفي الأشهر التالية بيعت نسخ كثيرة من البورتريه على نطاق واسع في طول وعرض أوروبا وأصبح الرسام ثريا جدا، ويقال أن الرسام والصبي عاشا حياة مريحة بفضل نجاح اللوحة ، وأستمر كل شيء على ما يرام إلى أن عاد الرسام إلى بيته ذات يوم ليفاجأ بأن بيته ومحترفه إحترقا عن آخرهما وسويا بالأرض ، ونتيجة لذلك تدمرت حياة الفنان ثم لم تلبث أصابع الاتهام أن وجهت إلى الصبي بونيللو الذي اتهمه الرسام بإشعال حريق متعمد في بيته، غير أن الصبي هرب من البيت ولم يره أحد بعد ذلك أبدا ، وأماديو نفسه لم يسمع عن الصبي ثانية ، لكن في أحد الأيام من عام 1976م تناقلت الأخبار نبأ حادث سيارة رهيب وقع في أحد ضواحي برشلونة ، ويبدو أن السيارة أرتطمت بجدار خرساني بينما كانت تسير بسرعة جنونية لتتحول إلى كرة من نار ، وداخل الحطام إحترقت جثة السائق وتشوهت لدرجة أنه كان من الصعب التعرف على هويته ، غير أنه أمكن استنقاذ جزء من رخصة قيادته التي كانت في حجرة القفّازات بالسيارة ، وتبين أن السائق كان شابا يبلغ من العمر تسعة عشر عاما وكان أسمه دون بونيللو ، وأكتشف أنه قام برسم لوحة فتاة تبكي قبل ثمانى سنوات ، وبعد مرور فترة قصيرة على الحادث تواترت تقارير صحفية عديدة عن حوادث اشتعال نار غريبة في العديد من أنحاء أوروبا ..
✍ المفارقة الغريبة هي إنه لم يعثر على أي سجلات في برشلونة تشير إلى موت شاب باسم دون بونيللو في حادث سيارة ، كما لم يعثر على أي سجلات عن فنان إحترق بيته بأسم برونو أماديو أو جيوفاني براغولين أو حتى فرانكو سيفيل ، وحتى على إفتراض وجود شخص باسم دون بونيللو وإنه هو الموديل الذي أستخدم في رسم لوحة الصبي الباكي ، فإن هذا لوحده لايكفي للإجابة على أي من الأسئلة المتعلقة باللعنة التي أرتبطت باللوحة ، ولا بد وأن الكثيرين لاحظوا أن البورتريهات المنسوبة لـ أماديو والتي صور فيها أطفالا يبكون هي لأطفال مختلفي الأعمار والملامح ، ويمكن أن يكون بونيللو أحدهم وقد لا يكون أيامنهم ، ويقال أن هناك ثمانا وعشرين صورة مختلفة وكلها تحمل نفس الاسم ، أي الصبي الباكي ..
✍ لعنة لوحة الطفل الباكي :
➖➖➖➖➖➖
في 4 سبتمبر 1985م نشرت صحيفة ذا صن البريطانية بأن هناك رجل إطفاء من يوركشاير يدعي أن نسخاً غير محترقة كانت توجد في عدد كبير من البيوت المحترقة ، وأكمل بأنه ليس هناك رجل إطفاء يسمح بدخول هذه اللوحة إلى منزله. وفي الشهور اللاحقة قامت صحيفة الصن وعدد آخر من صحف التابلويد بنشر سلسلة من التحقيقات حول أناس كان يمتلكون اللوحة وتعرضوا لاحتراق منازلهم ..
✍ في 4 سبتمبر 1985م نشرت صحيفة الـ”سن” البريطانية عن رجل إطفاء من “يوركشاير” يدّعي أن نسخاً غير محترقة من لوحة “الطفل الباكي” كانت توجد في عدد كبير من البيوت المحترقة ، وأكمل بأن ليس هناك رجل إطفاء واحد يسمح بدخول هذه اللوحة إلى منزله ، وفي الشهور اللاحقة قامت صحيفة الـ”سن” وعدد آخر من صحف بنشر سلسلة من التحقيقات حول أناس كان يمتلكون اللوحة وتعرضوا لاحتراق منازلهم ، والغريب ان كل البيوت التي تتواجد فيها تلك اللوحة تحترق لكن الاغرب إن البيت يحترق بمحتوياته ماعدا تلك اللوحة الملعونة ..!
ولم تلبث الجريدة أن نظمت حملة عامة أحرقت فيها آلاف النسخ من هذه اللوحة ، واستغل الناس الفرصة ليخلصوا بيوتهم من ذلك الضيف الصغير والخطير ، لكن القصة لم تنته عند هذا الحد ، فقد أصابت لعنة الطفل الباكي جريدة الصن نفسها ، ليس بسبب حريق وانما بفعل الإضراب الواسع النطاق الذي قام به عمالها ومحرروها وانتهى بطريقة عنيفة ، مما دفع أصحاب الجريدة إلى التفكير جديا في إغلاقها في نهاية الثمانينات ..
✍ وهناك قصه أخرى للطفل الباكي فى عام 1988م دمر انفجار غامض منزل عائلة في انجلترا ، وعندما جاء رجال الإطفاء و فرزوا أماكن الحريق بالمنزل وجدوا صورة لصبي وجهه ملائكي ويوجد تعبير الحزن على وجهه ولكن وجدوا أن الصورة لم تتاذى من الحريق بالرغم من احتراق المنزل بأكمله ، وأيضا بعد هذا الحريق بزمن ليس بطويل حدث حريق آخر فى (برادفورد) ووجدت أيضا صورة الطفل الباكي سليمة بين الأنقاض التي يتصاعد منها الدخان ،
وقال رئيس فوج الإطفاء (يوركشاير) للصحف ) أن هذه الصورة غريبة جداً ودائما توجد سليمة بالأماكن التي بها حرائق قد حدثت في ظروف غامضة ، وسأله الصحفيون أن من الممكن أن تكون الصورة لها علاقة بالحرائق فرفض الرئيس التعليق ..
في عام 1998م كانت توجد صورة فتاة تبكي عثر عليها سليمة في منزل محترق في (دبلن) فالبعض يتسائل هل الطفل الموجود في اللوحة كان شخصا حقيقيا ..!؟
من رسم هذه اللوحة ..!؟
قال أحدهم أنه رأى فتى أثناء تجوله وعلى وجهه الكثير من الحزن ، أكتشف بعد ذلك أن هذا الفتى هرب بعد رؤية والديه يموتون في الحريق ، فبدا بعد ذلك برسم اللوحات التي بها الحزن ، ولكن بعد فترة من رسم هذه اللوحات أحترق في ظروف غامضة واكتشف بعد ذلك أن من الممكن أن تكون هذه اللوحة مسببة للحرائق الغامضة ..
وأعتبرت هذه اللوحة مجلبه للنحس ..
لكن هذا كله لم يؤثر في شعبية القصة ، بل لقد انتشرت كألسنة اللهب مع بدايات القرن الحادي والعشرين بفضل انتشار ورواج الانترنت ، وبدأت قصص الصبي الباكي في الظهور في عدد آخر من مناطق العالم البعيدة كالبرازيل واليابان وفي عام 2006م أسست مجموعة من الطلاب الهولنديين ناديا للمعجبين بالصبي الباكي ، وكانت غايتهم جمع نسخ اللوحات الثمان والعشرين المعروفة ووضعها في موقع اليكتروني أنشأوه لهذه الغاية ، لكن المحزن أن الموقع سرعان ما اختفى ولا أحد يعرف ما الذي حل بأصحابه ، وثمة إحتمال بأنهم سينضمون الآن إلى أسطورة اللعنة بالرغم من أنهم قد يكونون كبروا وعرفوا أن هناك في الحياة أشياء أخرى أكثر نفعا وجدوى ، ويقال اليوم إن السبب في نجاة اللوحات من حوادث الحريق له علاقة بطبيعة المواد التي كانت تستخدم في صنعها، فقد جرت العادة على استنساخ اللوحات التي تنتج عادة بأعداد ضخمة وذلك بطباعتها على أسطح قوية تلبية لمتطلّبات وشروط المصنع ، وفي حالة الصبي الباكي ، كانت اللوحات تصنع من ألواح مضغوطة وهي مادة يتفق معظم خبراء الحرائق على صعوبة اشتعالها ، مع أن ذلك ليس بالأمر المستحيل تماما ، إذا أمكن إثبات أن الصور يمكن أن تحترق ، لكن بصعوبة ، وبالنتيجة ، أصبح ممكنا تفسير وجود بعض الصور سليمة في مسرح الحريق. الجزء الوحيد من قصة دون بونيللو وبرونو أماديو الذي يمكن التحقق منه بشكل قاطع هو أن في إسبانيا مدينة اسمها مدريد وأخرى تسمى برشلونة، وبناء عليه ، فإن الأثر الوحيد المتبقي من قصة الصبي الباكي لايعدو كونه مجرد كومة من رماد ..
ومن يومها اصبح كل من يعتبر الطفل الباكي نذير شؤم وعلامة نحس عازفا عن شراء أي منظر لطفل حزين ذي عينين واسعتين ، لكن ذلك كله لم يؤثر في الكثيرين ممن اعتادوا على رؤية اللوحة والإعجاب بفكرتها ومحتواها الإنساني ، وافضل دليل على ذلك أن اسم اللوحة The Crying Boy تحول إلى عنوان لموقع إليكتروني جميل يضم نسخا مكبرة من كافة أعمال براغولين التي رسمها تحت نفس العنوان ..
✍ لكن هل فعلاً الصور الحزينة هي المسببة للحرائق الغامضة؟
✍ لكن في عام 2007م كشف دكتور ديفيد كلارك باحث وكاتب صحفي أن هذه المزاعم غير صحيحة وأنها مجرد فرقعة من أحد محرري جريدة ذات صن ..
#الـثـقـافـيـة_الـجـنـوبـيـة
(#القاضي_أنيـس_جـمـعـان)
➖➖➖➖➖➖➖