إسلاميات

الأحد - 25 يوليه 2021 - الساعة 06:31 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/إعداد القاضي أنيس جمعان

معنى الإجهاض لغة وإصطلاحاً :
➖➖➖
▪️الإجهاض أو الجهيض هو العضو الذي لم يكتمل نموّه، ويُعرّف لغةً بأنّه عملية إسقاط الجنين والتخلّص منه لأسبابٍ عديدة قد تكون مقنعة أو غير مقنعة، وأمّا إصطلاحاً فيعني إنهاء الحمل عن طريق إخراج الجنين من الرحم بحيث لا يُعدّ قادراً على إتمام حياته ..*

*▪️الإجهاض أيضاً هو مصدر الفعل أجهض، ويُقال أجهض إجهاضاً فهو مُجهض، وقد جاء في اللغة أنّ الإجهاض هو خروج الجنين من رحم أمّه قبل إتمامه الشهر الرابع، لذلك الإجهاض لغةّ من الجهيض الذي توقف عن النمو قبل الإكتمال، أو الجهيض هو عضو غير مكتمل النمو، وفي اللغة إسقاط، إسقاط الجنين، إِلْقاءُ الأُمِّ لِوَلَدِهَا قَبْلَ الاكْتِمال فهو جهيض، ويسمى التطريح أيضاً بمعنى أن يسبب الإجهاض ..*

*أنواع الأجهاض :*
➖➖➖➖
*أولاً: الإجهاض التلقائي دون إرادة من الأم :*
---------------------------
*▪️ويكون ناتجاً عن خللٍ في الرحم، أو شذوذ في كروموسومات الجنين، أو ضعف الجهاز المناعي للأم ..*

*ثانياً: الإجهاض العلاجي أو المُستحث :*
--------------------
*▪️وهو يكون بسبب تور صحة الأم، بحيث يُشكّل الحمل خطراً على حياتها، وقد يؤدّي إلى وفاتها ..*

*ثالثاً: الأجهاض الإختياري أو المحرّض :*
--------------------
*▪️ويكون لأيّ سببٍ آخر كالرغبة في تحديد النسل علماً أنّ تحديده حرام، والأصل تنظيمه فقط، أو التستر على فاحشة الزنا والعياذ باللَّه وهو ما يُعرف بالحمل غير الشرعي ..*

*حالات إجهاض الجنين شرعاً :*
➖➖
*▪️يُقرّ علماء الفقه بأنّ الضرورات تبيح المحظورات، غير أنّهم أكّدوا على أنّ الضرورة تقدّر بقدرها، ولا يُتجاوز فيها أبعد من القدر الذي تندفع به، ومسألة إجهاض الجنين تخضع لهذا الفهم، ويبنى على ذلك حيث جاءت الشريعة الإسلامية بالتيسير ودفع الضرر ورفع الحرج في أحكامها، ومن هنا فقد جوّز العلماء في حالاتٍ إستثنائيّةٍ وخاصَّةٍ جداً إسقاط الجنين، وحدّدوا شروطاً ضابطة لذلك، مثل أن تكون الأمّ الحامل معرَّضةً لهلاك محقّقٍ ينتج عن إستمرار الحمل فحينئذٍ يجوز إستثناءً وضرورةً إجهاض الحمل القائم، ضمن شروطٍ معتبرةٍ، وإنّ الخشية من مشقّة تربية الأبناء، أو التخوّف من عدم قدرة الأب على كُلَفِ معيشتهم، أو رغبة الزوجين بالإكتفاء بما لديهم من الذُّريّة، كلّ ذلك ليس مسوّغاً للإجهاض، ويحرم تحت هذه الذرائع إسقاط الحمل حتى خلال الأربعين يوماً الأولى ..*

*▪️لهذا قد يكون الإجهاض مشروعاً وجائزاً في مجموعة من الحالات التي حدّدتها الشريعة الإسلامية نذكر منها :*

*(١) إذا تجاوز عمر الجنين مئةً وعشرين يوماً (أربعة أشهر)، وتمّ نفخ الروح فيه، وبعد ذلك توضّح لدى الطبيب أنّ الحمل يضر بالأم، ويُشكّل خطراً على حياتها فإن القاعدة الشرعية تقتضي الإجهاض للمحافظة على الأصل وهو الأم، علماً أنّ هذا القرار يتطلّب لجنةً طبية موثوق بها وذلك بعد إستنفاد كل الوسائل المُتاحة للحفاظ على صحة الأم، وذلك من باب دفع أعظم الضررين، فحياة الأمّ وهي الأصل أولى من حياة الجنين وهو الفرع، وتقديماً لأعظم المصلحتين، ففي حياة الأم وجنينها مصلحةٌ، أما وقد تعذّر تحصيل المصلحتين كانت مصلحة الأمّ مقدّمةً على مصلحة الجنين ..*

*(٢) إذا تجاوز عمر الجنين أربعين يوماً ولم يتجاوز مئةً وعشرين يوماً، وتبيّن أنه سيولَد مشوّهاً بصورة كبيرة لا يُمكن شفاؤها أو لا يمكن إستمرار حياته يجوز إجهاضه شريطة أن يوافق الزوجان على ذلك ..*

*(٣) يجوز الإجهاض مادام الجنين نطفة سواء أكان ذلك لعذر أم لغير عذر، ويحرم إسقاط الجنين إذا كان في مرحلة العلقة أو المضغة، إلا بقرارٍ من لجنةٍ طبيّةٍ مختصّةٍ وموثوقةٍ، تؤكّد أنّ إستمرار الحمل يعني الخوف من هلاك أمّه، عندها يجوز الإسقاط بعد إستنفاد الوسائل المانعة للخطر المحدق بالأمّ الحامل ..*

*حكم الإجهاض في الإسلام :*
➖➖➖
*▪️حكم الإجهاض في الإسلام أو رأي الإسلام في الإجهاض هو مسألة فقهية تحدثت عنها الأحاديث النبوية وعلماء الدين المسلمين والفقهاء لم يتطرق القرآن الكريم إلى الإجهاض بشكل مباشر، ولكن علماء المسلمين الذين يرون تحريم الإجهاض مطلقاً، يستدلون بآيات تحريم قتل النفس وإهلاك الحرث والنسل، مثل قول اللّه تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}[سورة البقرة ..الآية 205]، وقوله اللّه تعالى: ﴿وَلاتَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾[سورة الأنعام .. الآية:151]..*

*الأحاديث التي تتحدث عن الإجهاض :*
➖➖➖
*▪️عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (قضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنين إمرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت، فقضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها) جامع السنة وشروحها - صحيح مسلم ..*

*▪️وفي حديث في نفس المصدر عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فأختصموا إلى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم )، ومعنى الحديث أن امرأتين تشاجرا فقتلت إحداهما الأخرى بغير عمد، وكان الأخرى في بطنها جنين فمات معها، فقضى النَّبِيِّ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدفع ديّة للجنين (مقدارها عشر ديّة المرأة) بالإضافة إلى ديّة المرأة، وفيه دليل على أن قتل الجنين من قتل النفس ..*

*▪️عَنِ المغيرة بن شعبة: «عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ المَرْأَةِ، فَقَالَ المُغِيرَةُ: «قَضَى النَّبِيُّ بِالْغُرَّةِ، عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ قَضَى بِهِ»، وإملاص المرأة: هو الإجهاض أو قتلها لجنينها، ومعناه أنها عليها جزء من الديّة كأنما قتلت نفساً ..*

*▪️ولكن حسب العقيدة الإسلامية والأحاديث النبوية فإن الجنين يمر بمراحل، وهي أن يكون نُطفة ثم علقة ثم مُضغة كل منها مدتها أربعون يوماً ثم يُنفخ فيه الروح، فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قال: حدثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق المصدوق، قال: « إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يوماً نطفةً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، فينفخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربعٍ، كلِماتٍ: بكَتبِ رزقِهُ وأجلِهُ وعملهُ وشقيٌّ أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى مايكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة» حديث متفق عليه (رواه البخاري ومسلم) ..*

*آراء الفقهاء في حكم الإجهاض :*
➖➖➖
*▪️أختلف الفقهاء حول إجهاضه قبل نفخ الروح فيه وأختلفوا حول أي الأطوار التي يُصبح فيها الجنين نفساً بشرية مُحرمَّة القتل، أما بعد نفخ الروح فيه فاتفقوا على أنه لا يجوز إجهاضه مطلقاً، أما قبل ذلك ففيه خلاف: فجمهور العلماء على تحريمه ومنهم من قال بالكراهة، ومنهم من قال بالجواز لعذر، ومنهم من قال بعدم الجواز مطلقاً، وأشهر هذه الأقوال بين المذاهب الفقهية هي الجواز في الأربعين الأولى من مراحل الجنين (وهي مرحلة النطفة) إذا كان هناك عذر (مثل وجود خطر على حياة الأم أو أن الحمل جاء من زنا أو إغتصاب) ..*

*▪️لذلك لم يختلف الفقهاء في حكم الإجهاض بعد نفخ الروح، فقد أجمعوا على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين لأي سبب أو عذر بعد مرور 120 يوماً على الحمل، ويرى المالكية وبعض الحنفية، وبعض الحنابلة أن درجة التحريم متفاوتة بين مرحلة وأخرى، إلا أن الإثم يلحق في الجميع، ولذا تجب في مذهبنا كفارة القتل على إجهاض الجنين، وقد قرر ذلك أبوحامد الغزالي حيث قال: (وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الأنفصال حياً) ..*

*▪️لكن أجاز بعض الفقهاء الإجهاض في الأربعين يوماً الأولى من الحمل لعذر قوي إما لإنقاذ حياة المرأة أو إن كان الحمل من زنا أو إغتصاب، قال الرملي: «لوكانت النطفة من زنا فقد يتخيل الجواز قبل نفخ الروح»، وأفتى الحنفية بالإباحة لعذر ضروري فقط في أول مراحل الحمل، وقال ابن وهبان: «إن إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضرورة»، بينما معتمد المالكية التحريم مُطلقاً، فيقول الدردير: «لايجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً» ..*

*▪️خلاصة القول أختلف جمهور العلماء والفقهاء في الحكم الشرعي للإجهاض إذا كان عمر الجنين أقلّ من أربعين يوماً، فمنهم من حرّمه كالمذهب المالكي، ومنهم مَن أباحه كالمذهب الحنبلي، وبعض الحنفيين حتى لو لم تكن حاجة في ذلك، ومنهم من أجازه مع كراهيته كالمذهب الشافعي والحنفي ..*
----------------------------