مقالات وكتابات


السبت - 19 أبريل 2025 - الساعة 10:47 ص

كُتب بواسطة : د. علي عبدالله الدويل - ارشيف الكاتب



في زمن تتشابه فيه الوجوه وتختلف فيه الأرواح، كان روبن ويليامز وجهًا استثنائيًا، ضحكته علامة مسجلة، وصوته يحمل قدرة فريدة على صناعة الفرح. هو من أضحك العالم حتى الدموع، لكنه رحل باكيًا من الداخل، صامتًا من فرط الألم. هذا هو التناقض المرير الذي يكشفه لنا مشوار رجل كان "مهرجًا للعالم، لكنه حزينًا في خلوته".

ولد ويليامز عام 1951، وبرز كممثل وكوميديان أمريكي من طراز نادر، استطاع أن يسكن قلوب الناس في كل أنحاء العالم من خلال أفلامه التي مزجت بين الذكاء والفكاهة والرسائل الإنسانية. فيلمه الشهير Dead Poets Society (جمعية الشعراء الموتى) كان درسًا في تحفيز الروح، بينما حمل فيلم Patch Adams رسالة أن الضحك دواء، وأن الإنسانية قد تبدأ من كلمة طيبة أو ابتسامة صادقة.

لكن الحقيقة التي لا يعرفها كثيرون أن هذا الرجل الذي ملأ الدنيا ضحكًا، كان يخوض صراعًا صامتًا مع الاكتئاب، والقلق، والوحدة. حياته لم تكن مرآةً لشخصياته المبهجة، بل كانت سلسلة من محاولات البحث عن ذاته، ومعنى وجوده، وسكينة روحه.

ويليامز كتب وتحدث كثيرًا عن أهمية الحب، والعطاء، والتعاطف، وكان قريبًا من قضايا إنسانية عديدة، دعم الجمعيات الخيرية، زار الجنود في الخطوط الأمامية، وتبرع بسخاء. ومع ذلك، في أغسطس 2014، استيقظ العالم على خبر صادم: روبن ويليامز وُجد منتحرًا في منزله. الطبيب الشرعي لاحقًا كشف أنه كان يعاني من مرض عصبي تنكسي خطير (جسم ليوي)، وكان لهذا أثر بالغ في حالته النفسية.

المفارقة العظيمة هنا أن رجلًا جعل من الضحك مهنته، لم يستطع أن يضحك قلبه. وهنا تكمن الرسالة: السعادة الحقيقية لا تأتي من الخارج، بل تنبع من الداخل. من تصالح الإنسان مع نفسه، من فهمه لمعنى الحياة، من شعوره بقيمته بعيدًا عن الأضواء والهتاف.

إن قصة روبن ويليامز ليست دعوة للحزن، بل دعوة للتأمل. للتوقف لحظة في زحمة العالم، وسؤال أنفسنا: هل نحن سعداء فعلًا؟ أم أننا نُتقن ارتداء الأقنعة؟ وهل نهتم بمن حولنا بقدر ما نهتم بأنفسنا؟

ختامًا، إن الضحك لا يُقاس بالصوت، بل بالسلام الذي يتركه في القلب. والسعادة لا تُقاس بالمظاهر، بل بطمأنينة الروح. وليكن في قصة ويليامز عبرة، أن لا نغفل عن أنفسنا ونحن نحاول إنقاذ العالم.