حوارات وتحقيقات

السبت - 30 يوليه 2022 - الساعة 06:52 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/كتب_عوض القيسي

لقد ألِف من يقرأ مقالات الغفوري مزاعمه الضمنية بالأستاذية في كل ما يكتبه المسكين؛ فإن كتب في الطب فهو ذلك الطبيب الجهبذ، الذي يلم بآخر مخرجات العلوم الطبية في الغرب، وقد يكون كذلك، وإن كتب في السياسة فإنه ذلك الجهبذ المتمرس الذي خبر السياسة الدولية والمحلية، وعرف خفاياها، ومن حديثه تخال أنك تستمع لهنري كسنجر، وعندما يكتب في الأدب، يمارس أستاذيته من خلال لعص بعض المصطلحات؛ ليوحي للقارئ أنه ناقد جهبذ ضليع في النظريات الأدبية.

لربما استطاع الغفوري أن يقنع فيما يكتبه عن الطب، وشيء من السياسة، لكن الأدب يكشف عورة أستاذيته، ويبرز زيفها وجهله المدقع.

أما الطامة الكبرى هذه الأيام فهي أن داء العظمة قد أزّ الغفوري أزا للولوج على حقل التاريخ الإسلامي المليء بالأشواك، وراح - كعادته في الاستخفاف بالقارئ- يكتب ما يظنه تاريخا، مدعيا الأستاذية والفهم في التاريخ، وهو يجهل أساسيات التاريخ والحقبة التي يكتب عنها، فضلا على انعدام المنهج الذي يسم كل كتابات الغفوري النرجسية، التي لا دافع لها غالبا إلا إعلاء الذات، لكن بالجهل المتشبث بمسوح العلم، لا بروحه.

الهباش الغفوري، الذي يتظاهر في كتاباته كأنه أستاذ التاريخ وهو لا يعرف أساسيا، كتب شَخِيطَة من شخائطه، ملأها سبا وقذفا للصحابي الجليل علي ابن أبي طلب، وقد اسمى شخيطته "الظل والظلام يوميات أبي الحسن في المدينة"، سعى فيها لتشويه صورة هذا الصحابي الجليل، ضمن مساعيه لأن يكون مفكر ما يسمونها حركة الأقيال الجاهلية.

وكعادة الغوغائيين الجهلة عندما يستدعون التاريخ، ذهب الغفوري لهبش روايات تاريخية لا يعلم هو مدى صدقها، والمهم عنده أنها تدعم رؤيته الغوغائية في تشويه الصحابة، وتضمن له صورة مفكر حركة الأقيال الجاهلية، وفي عروجه على شخصية الصحابي الجليل، هبش الغفوري أخطاء تاريخية ليست في أي كتاب، بل أنتجتها قريحته التي تقرح بجهل فاضح في التاريخ؛ إذ زعم أن غزوة العسرة كانت زحفا للعرب لأول مرة باتجاه روما. إلى روما مرة واحدة ! ما كل هذا الهبش؟!

لو عرف الهباش الغفوري أساسيات التاريخ الأوربي وأساس القسمة الأوربية للتاريخ إلى قديم ووسيط وحديث لعرف أن قبائل الجرمان أسقطت روما عام 476 م، وأن هذا التاريخ هو الحد الفاصل بين العصور القديمة والوسيط، وأن شبه الجزيرة الإيطالية فقدت وحدتها السياسية وصارت دويلات أو ولايات في ملك دول عديدة حتى ستينيات القرن 19 عندما استعاد الطليان وحدتهم الترابية.

لاحظ مُرفِّسور التاريخ الشبه بين لفظة روم، التي استعملها العرب، ولفظة روما وظن أن المعنى واحد، وراح - على طريقته في سلق المبالغات في الرواية- يزعم أنها مواجهة مع روما. والحق أن الروم هم البيزنطيون، أي أصحاب الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وعاصمتهم كانت القسطنطينية (إسطنبول اليوم) ولغتهم كانت اليونانية.

أما التهبيشة الثانية فكانت اعتماد الغفوري على مراجع الشيعة - الذين عرفوا بالكذب - في إثبات حياة الرجل الجنسية، ثم يرد في نهاية المنشور نفسه مرويات الشيعة جملة باعتبار حياة علي ابن أبي طالب فراغا، وهذا هو المنهج الانتقائي بعينه الذي يأخذ من الروايات ما يعزز قناعاته المسبقة ويرفض ما يناقض تلك القناعات، فمروان الذي يشبه أحد موظفي التوجيه المعنوي خلال الحرب، يريد أن يلطخ صورة الملهم لدى الحوثة، ويرغب في تحطيمها بعد تشويهها وجعلها منعدمة القداسة، فراح يقرأ الروايات المتناقضة قصد الحصول على ما يشين، ثم رسم لعلي صورة العاطل الكسول الطماع الفاسق جنسيا، وراح يجمع الروايات الموضوعة التي تدعم هذه الصورة دون تحقيقها، أما الروايات الأخرى التي تتحدث عن مناقب الرجل فقد شطبها كلها بجرة قلم، ولم يكلف نفسه أدنى تحقيق، بحجة أن حياة الإمام علي – رضي الله عنه - فراغ واسع يصلح لكل ذلك البناء الزائف.

الأحكام التاريخية ليست قعقات بلاغية جوفاء، بل بحث وتقصٍ للمتون والأسانيد والعلل القادحة فيها، ولو علم الألمان سادة المنهج التاريخي بصنيع تفيهان الغفوري لربما حرموه من شهادته في الطب؛ لأنه مارس الأستاذية في حقل ليس من اختصاصه مع استخفاف بالغ لعقول القراء. وهذا صنيعه الدائم في كل ما يكتب، أن يمارس الأستاذية على متابعيه مستخفا بعقولهم ظانا أنه يفهم وغيره جهلة.

لو بحثنا عن علة تنطط الغفوري إلى كل حقل معرفي ومحاولة الظهور بمظهر الأستاذ، فأظن أن الأمر يعود لشعوره بالقماءة والقزمية، التي لازمت قامته وجعلته يشعر بالنقص، وحسب نظرية إدلر في علم النفس الفردي، يشعر المصابون بعاهات جسدية بالنقص، فيدفعهم شعورهم لتعويض ذلك النقص بما يجترحونه من أعمال قيّمة.

ولو أن الغفوري اكتفى بما حققه في الطب لكفاه ذلك رفعة تعوض مشاعر النقص والقزمية، لكن يبدو أن الرجل قد عرف القلم قبل أن يعرف الطب، وظاهر أمره أنه استسهل الكتابة بعد أن وجد مطبلين كثر في حزبه، وظن من ارتفاع ضجيجهم أنه مفكر لا يشق له غبار، والحقيقة التي يجهلها الغفوري وبعض الكتاب اليوم هي أننا في عصر التخصص العلمي الدقيق، فحتى في المجال المعرفي الواحد مثل الطب هناك تخصصات كثيرة، فلا أظن الغفوري، المتخصص في طب القلب، يجرؤ على كتابة أبحاث عن طب العيون، لأنه سيجد زملاء المهنة قد تصدوا له، ووبخوه بعنف، لكنه في التاريخ لم يجد أولئك الدكاترة الشرسين الذين يعلمونه أدب التزام الاختصاص ومنعه من التكلم فيما لا يفقه.

عوض القيسي