الوطن العدنية/كتب/فتحي أبو النصر
في مشهد يليق بمسرحيات التاريخ العبثية، يستنفر الحوثيون في محافظة إب وكأن "المكحل" خرج من قبره ليطاردهم في الأزقة والحارات.
صور حمدي عبدالرزاق المكحل، الرجل الذي اغتالوه في سجونهم، تملأ المدينة القديمة في الذكرى الثانية لاغتياله، في لطمة لا يتقنها سوى الأموات العظام، حين يصبحون أكثر حياة من قاتليهم!
قبل عامين، في 19 مارس 2023، اعتقد الحوثيون أنهم انتهوا منه، قتلوه في أحد أقبية التعذيب، ظانين أن موته سيمحو أثره.
لكنهم، كعادتهم، لم يفهموا قوانين التاريخ، لم يدركوا أن بعض الأسماء تُكتب بالدم لتبقى، بينما يذوب الطغاة في النسيان كحفنة رماد في مهب الريح.
اليوم، يركض المشرفون الحوثيون في شوارع إب كالجرذان المذعورة، يمزقون صوره، يحاولون دفن ذاكرته كما دفنوه جسدا. لكن عبثا يحاولون! لأن من يُقتل ظلما يصبح شبحا، يطارد قاتليه في أحلامهم، في جدران مدنهم، في حناجر الناس، في النشيد الذي يعلو رغم أنوفهم.
لماذا يخافون صورة؟ لأنها ليست مجرد ورقة، بل مرآة تعكس جبنهم. لماذا يستنفرون ميليشياتهم ضد اسم رجل أعزل؟ لأنهم يدركون أن الصدق، حتى لو قُتل، يبقى أقوى من الطغيان المسلح.
في اليمن، يموت الرجال في سجون الحوثيين، لكنهم يخرجون ابطالا في ذاكرة الناس.
أما القتلة، فيحكمون بقوة السلاح، لكنهم يدفنون في مزبلة التاريخ.
والحق أقول لكم المكحل لم يمت، بل تحول إلى أيقونة كفاحية ونضالية، وسيرته ستظل تطاردهم حتى تسقط إمبراطوريتهم المصنوعة من الدم والسراب.
ألا فلتستمروا في تمزيق الصور، في طمس الأسماء، في كتم الأصوات. فأنتم كمن يحاول حجب الشمس بغربال.
المكحل خالد، والموتى الحقيقيون هم أنتم، يا أعداء الحياة!