أخبار محلية

الإثنين - 05 مايو 2025 - الساعة 01:15 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/متابعات

في تطور عسكري هو الأخطر من نوعه منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، اخترق صاروخ باليستي أطلقته قوات صنعاء صباح الأحد، منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات، وسقط في محيط مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب، محدثاً حالة من الهلع الواسع، ومجبراً شركات طيران أوروبية كبرى على تعليق رحلاتها فوراً، ومثيراً تساؤلات مريرة حول جدوى التصعيد الإقليمي مقابل استمرار الحرب والحصار على غزة.

ودوّت صافرات الإنذار في مناطق واسعة وسط الأراضي المحتلة، بما في ذلك تل أبيب والقدس ومستوطنات في الضفة الغربية، صباح اليوم، فيما سُمع دوي انفجارات قوية وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من منطقة قريبة من مطار بن غوريون، الذي يعتبر البوابة الجوية الرئيسية لإسرائيل وأحد أكثر المطارات تحصيناً في العالم.

وأعلنت خدمات الإسعاف الإسرائيلية عن تسجيل 8 إصابات نتيجة الانفجار، إحداها وصفت بالمتوسطة. وأقر جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد محاولات اعتراض متعددة، بسقوط الصاروخ في منطقة المطار، مؤكداً فتح تحقيق في “الحادث”، وهو ما يمثل إقراراً ضمنياً بفشل منظوماته الدفاعية المتقدمة.

إخفاق دفاعي وصدمة في إسرائيل

شكل نجاح الصاروخ اليمني في الوصول إلى محيط المطار صدمة كبيرة للأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول أمني إقراره بأن منظومتي الدفاع الجوي المتقدمتين “آرو حيتس” (Arrow/Hetz) و”ثاد” (THAAD) الأمريكية قد أخفقتا في اعتراض الصاروخ الباليستي القادم من اليمن، والذي قيل إنه تجاوز أربع طبقات دفاعية.

هذا الإخفاق أثار قلقاً بالغاً لدى القيادة العسكرية، خاصة وأن مطار بن غوريون يعتبر منشأة حيوية واستراتيجية تخضع لحماية أمنية مشددة. وذكرت تقارير إسرائيلية تابعها بقش أن الصاروخ أحدث حفرة بعمق 25 متراً، مشيرة إلى أن رأسه الحربي كان “كبيراً للغاية”، مما تسبب بموجة انفجارية هائلة.

على الصعيد السياسي، تم إرجاء اجتماع مجلس الوزراء الأمني المصغر الذي كان مقرراً صباح اليوم، بينما توعد وزير الدفاع “يسرائيل كاتس” برد “سبعة أضعاف”، فيما سارع وزير الدفاع السابق “بيني غانتس” إلى اتهام إيران بالوقوف وراء الإطلاق، داعياً لاستهداف طهران، في محاولة على ما يبدو للتقليل من شأن القدرات اليمنية المتنامية.

شلل “بن غوريون” وتعليق رحلات دولية

كانت التداعيات فورية ومباشرة على حركة الطيران، حيث تم إيقاف عمليات الإقلاع والهبوط في مطار بن غوريون بالكامل لساعات. وأفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية كانت في طريقها إلى تل أبيب عادت أدراجها في الجو ولم تهبط.

وسرعان ما تبعتها شركات طيران أوروبية رئيسية، حيث أعلنت مجموعة لوفتهانزا الألمانية، التي تضم شركات لوفتهانزا، والخطوط النمساوية، والسويسرية، وبروكسل، ويورو وينجز، عن إلغاء جميع رحلاتها من وإلى تل أبيب لهذا اليوم.

كما ألغت شركة طيران أوروبا الإسبانية رحلاتها، وتم إنزال ركاب رحلة كانت متجهة من مدريد إلى تل أبيب من الطائرة قبل لحظات من إقلاعها حسب متابعات بقش. وأثارت هذه التطورات مخاوف جدية لدى السلطات الإسرائيلية من أن يؤدي هذا الاستهداف النوعي إلى عزوف دائم أو طويل الأمد لشركات الطيران العالمية عن تسيير رحلاتها إلى إسرائيل.

لم يتأخر رد صنعاء، حيث أعلنت حكومة صنعاء مسؤوليتها الكاملة عن العملية، مؤكدة أنها استهدفت مطار بن غوريون “بصاروخ باليستي فرط صوتي” وأن الصاروخ “أصاب هدفه بنجاح”. وقال المتحدث العسكري باسم قوات صنعاء، يحيى سريع، إن العملية تأتي “انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني، ورفضاً لجريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها العدو الصهيوني بحق إخواننا في قطاع غزة”.

وفي تصريحات للجزيرة نت، ذكر “نصر الدين عامر”، رئيس وكالة سبأ التابعة لحكومة صنعاء، أن الهدف من هذه العملية هو “إغلاق مطار بن غوريون وحظر الملاحة فيه حتى يُرفع الحصار ويتوقف العدوان على قطاع غزة”. وربط عامر توقيت العملية بـ”اشتداد جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، ومع تفاقم الوضع الإنساني نتيجة الحصار المفروض على القطاع” منذ السابع من أكتوبر 2023.

كما شدد عامر على أن الغارات الأمريكية والبريطانية المستمرة على اليمن منذ منتصف مارس (والتي قدرت صنعاء عددها بأكثر من 1200 غارة وقصف بحري أدت لمقتل وجرح مئات المدنيين وتدمير بنى تحتية مدنية) “لم تؤثر على قدراتنا العسكرية”، معتبراً أن “الولايات المتحدة وإسرائيل هما من بدأ التصعيد ضد قطاع غزة”، وأن عملياتهم تأتي رداً على ذلك وعلى “التصعيد الأمريكي ضد بلادنا”.

تصعيد كان يمكن تجنبه؟ غزة هي الجذر

استهداف مطار بن غوريون الاستراتيجي اليوم، وما سبقه من تصعيد خطير ومستمر في البحر الأحمر أدى إلى تعطيل أحد أهم ممرات التجارة العالمية، كل ذلك يطرح بقوة تساؤلات حول جدوى السياسات الإقليمية والدولية المتبعة تجاه الأزمة الحالية.

فمنذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة، حذرت صنعاء، ومعها أطراف إقليمية أخرى، من أن استمرار “الإبادة الجماعية” والحصار الخانق على أكثر من مليوني فلسطيني لن يبقى محصوراً داخل حدود القطاع، وأن تداعياته ستمتد حتماً لتهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

استهداف مطار بن غوريون اليوم، وقبله استهداف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل ثم لاحقاً بالسفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، بدا تجسيداً عملياً ومباشراً لتلك التحذيرات التي قوبلت بالتجاهل أو بالرد العسكري بدلاً من معالجة السبب الجذري.

ويؤكد المحللون أن الكارثة الإنسانية المروعة في قطاع غزة، والتي حصدت أرواح أكثر من 55 ألف شهيد وجرحت قرابة 118 ألف آخرين (وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة)، ودفعت بالسكان إلى حافة المجاعة وسط دمار هائل، هي المحرك الأساسي لللتصعيد الإقليمي.

وبدلاً من أن يتركز الجهد الدولي على وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار بشكل كامل، وإدخال المساعدات الإنسانية الكافية لإنقاذ مئات الآلاف من الموت جوعاً ومرضاً، وبدء مسار سياسي جاد، اختارت القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، توفير الغطاء السياسي والعسكري لاستمرار العدوان الإسرائيلي، والتعامل مع تداعياته الإقليمية (كهجمات اليمن) كقضايا أمنية منفصلة يجب قمعها بالقوة العسكرية، عبر شن غارات على اليمن وتشكيل تحالفات بحرية، وهو ما أثبت فشله في وقف الهجمات بل ربما زادها إصراراً.

تجاهل التحذيرات ومواجهة العواقب

تم تجاهل التحذيرات اليمنية والإقليمية بشكل ممنهج، وقوبلت دعوات وقف الحرب على غزة باللامبالاة أو بدعم أمريكي ودولي مطلق لإسرائيل. واليوم، تجد إسرائيل نفسها، ومعها حلفاؤها والمجتمع الدولي، في مواجهة مباشرة لعواقب هذا التجاهل.

فاستهداف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي متطور، وتعطيل حركة الطيران الدولي، يمثلان تصعيداً نوعياً يظهر مدى هشاشة الأمن الإسرائيلي وقدرة أطراف إقليمية، حتى تلك التي تعاني من حرب وحصار، على إلحاق ضرر استراتيجي بها رداً على أفعالها في غزة. كما أن استمرار العمليات في البحر الأحمر يفرض تكاليف اقتصادية باهظة على التجارة العالمية ويرفع أسعار التأمين والشحن، مما يؤثر على الاقتصاد العالمي برمته.

محاولة التعامل مع هذه التداعيات عبر مزيد من القوة العسكرية، سواء بضربات إضافية على اليمن أو بتهديدات ضد إيران، قد لا تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد ودخول المنطقة في دوامة عنف أوسع يصعب الخروج منها وفق أغلب التحليلات الدولية.

ويُظهر استهداف مطار بن غوريون اليوم، بكل ما يحمله من دلالات رمزية واستراتيجية، حقيقة بات من الصعب تجاهلها، هي أن أمن المنطقة، بما في ذلك أمن إسرائيل والملاحة الدولية، يرتبط بشكل وثيق ومباشر بإنهاء الكارثة الإنسانية ووقف حرب الإبادة في قطاع غزة.

ولن يؤدي استمرار التعنت الإسرائيلي، المدعوم دولياً، في مواصلة الحرب والحصار، إلا لمزيد من ردود الفعل الإقليمية الخطيرة وغير المتوقعة، والتي قد تتجاوز قدرة الجميع على السيطرة عليها. ويُنظر إلى أن الطريق الوحيد لخفض التصعيد وإعادة الاستقرار إلى المنطقة يبدأ بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، ورفع الحصار بشكل كامل، والسماح بدخول المساعدات دون قيود، وأي محاولة لتجاوز هذه الحقيقة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار وعدم الاستقرار للجميع.