الوطن العدنية/المصدر اونلاين
شهدت الساحة الإعلامية السعودية خلال اليومين الأخيرين موجة غير مسبوقة من التغطيات والمقالات والتحليلات التي تناولت تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة وشبوة، في سياق بدا واضحاً أنه يعكس موقفاً سياسياً سعودياً حاسماً تجاه أي محاولة لفرض واقع عسكري جديد خارج إطار الشرعية اليمنية.
وتظهر وحدة الخطاب وتزامن الرسائل عبر منصات متعددة – من الصحف الرسمية إلى التحليلات التلفزيونية والتغريدات المؤسّسة – أن الرياض وبعد صمت مقصود استمر أسبوعاً كاملاً، أطلقت ما يشبه إشارات سياسية مركّزة تعلن من خلالها رفضها القاطع للتحركات الأحادية، وتحديدها حدوداً جديدة لا يُسمح بتجاوزها في الشرق اليمني.
ومنذ اللحظة الأولى لانتشار أنباء دخول قوات الانتقالي إلى حضرموت والمهرة، بدا الصمت الصحفي هو الغالب على كل الكتاب والصحفيين والنشطاء في السعودية، قبل أن تبدأ أمس الأربعاء، شخصيات سعودية بارزة بنشر مواقف متتابعة حملت لغة غير معهودة في حدّتها.
الصحفي خالد المطرفي تحدث عن تحركات "مرتبكة" تهدد استقرار اليمن وتتناقض مع مسار التهدئة، فيما ذهب خالد بن حمد المالك إلى أبعد من ذلك عندما وصف خطوة الانتقالي بأنها "مستفزة وغير مقبولة" وتُعدّ خروجاً على مرجعيات المرحلة الانتقالية وتقويضاً لسلطة الدولة.
وفي السياق نفسه، كتب تركي القبلان مؤكداً أن حضرموت والمهرة ليستا ساحات قابلة للغلبة العسكرية، وأن أي مشروع سياسي لا يحظى بإجماع أبناء المحافظتين هو مشروع مهدد للسلم الاجتماعي ويفتقر إلى الشرعية المجتمعية.
في الصحافة، بدا الموقف أكثر تفصيلاً في تقرير موسع نشرته صحيفة الرياض للكاتب مفضي الخمساني، الذي قدم قراءة متكاملة للمشهد، من توصيف الأزمة إلى مآلاتها المحتملة.
التقرير اعتبر أن خطوة الانتقالي لم تكن مجرد تحرك ميداني، بل محاولة "لتغيير الخريطة السياسية بالقوة" وفرض أمر واقع يتعارض مع الحوار الوطني وتسوية مستقبل الدولة.
وأكد أن الانتهاكات التي رافقت التحرك – من إعدامات خارج القانون واعتقالات تعسفية ونهب ممتلكات – هي مؤشر خطير على خطورة السماح لأي قوة مسلحة خارج مؤسسات الدولة بإدارة مساحات واسعة من البلاد.
وبحسب التقرير، فإن المملكة ترى أن استقرار حضرموت ليس مجرد شأن يمني داخلي، بل عنصر أساس في استقرار المنطقة بأكملها.
اللافت أيضاً أن الحديث السعودي لم يقتصر على انتقاد التحركات، بل شمل إعادة تعريف جذري لطبيعة القضية الجنوبية. جميع المقالات والبيانات شددت على عدالة القضية وضرورة تمثيل الجنوب في أي تسوية سياسية مقبلة، لكنها في الوقت ذاته رفضت بشكل صريح احتكار المجلس الانتقالي لتمثيل الجنوبيين.
وبرزت جملة واحدة تكررت في أكثر من مقال: "القضية الجنوبية ملك لجميع أبنائها، ولا يحق لطرف واحد التحدث باسمهم أو فرض رؤيته بالقوة" ، ولعل هذا التحول يعيد رسم المشهد السياسي داخل جنوب اليمن، وهو تحول قد يضع الانتقالي أمام تحدي إعادة تموضع لا مفر منه إذا أراد البقاء جزءاً من العملية السياسية.
على الجانب الأكثر صراحة، جاءت سلسلة تغريدات المحلل السعودي سلمان الأنصاري، الذي طرح خطاباً شديد الوضوح، موجهاً ليس فقط للجمهور العربي، بل للمجتمع الدولي أيضاً.
الأنصاري وصف خطوة الانتقالي بأنها "متهورة قصير النظر" و"محاولة للضغط على السعودية في لحظة حساسة"، في إشارة إلى تزامنها مع انعقاد قمة مجلس التعاون في البحرين.
وحذر الأنصاري من أن المملكة لن تسمح بجر حضرموت إلى صراع جديد، مؤكداً أن الرياض مستعدة "لوضع ثقلها الكامل" لمنع أي تغيير بالقوة، وأن صبرها الاستراتيجي "يقترب من نهايته"، مؤكداً أن الانتقالي يخطئ في تقدير قوته العسكرية، وأن التحالف بين الجيش اليمني وقوات درع الوطن والتشكيلات القبلية قادر على تغيير المشهد تماماً إذا اقتضت الضرورة.
تعكس هذه الحدة في الطرح أن السعودية، التي تبنّت طوال الفترة الماضية سياسة تهدئة، قررت الانتقال من مرحلة احتواء القوى وإدارة التوازنات، إلى مرحلة وضع حدود واضحة للسلوك السياسي والعسكري، ويبدو أن الخط الأحمر الذي رسمته الرياض هذه المرة هو منع عسكرة حضرموت والمهرة أو تحويلهما إلى مناطق نفوذ أحادي. فالمنطقتان تمثلان عمقاً مجتمعياً واقتصادياً لليمن، كما تشكلان بالنسبة للمملكة مجالاً أمنياً حساساً لا يمكن العبث به.
ويبدو أن هذا التصعيد الإعلامي لا يهدف فقط إلى الضغط على الانتقالي، بل إلى إرسال رسائل أوسع تشمل الحكومة اليمنية والمكونات الجنوبية والإقليمية، فما يؤكد عليه الإعلام السعودي بشكل متكرر، أن معالجة القضية الجنوبية لن تكون عبر القوة، ولا عبر فرض واقع سياسي من طرف واحد، بل عبر حوار شامل يضمن التمثيل المتوازن لكل القوى والمكونات.
كما تؤكد الرياض عبر إعلامها، أن أي محاولة لتكرار نموذج سلطات الأمر الواقع – سواء في الشمال أو الجنوب – مرفوضة وغير قابلة للتمرير.
وفي الخلفية، يبرز الإعلام السعودي، الدور التنموي للمملكة في حضرموت والمهرة، إذ تناولت التقارير الإعلامية مشاريع الطرق والطاقة والصحة والتعليم التي ينفذها البرنامج السعودي لإعمار اليمن، واعتبرت أن هذه المشاريع هي جزء من استراتيجية أشمل لمنع الفراغ الذي تستفيد منه القوى المسلحة، وترسيخ حضور الدولة، وبناء اقتصاد محلي متماسك يحد من النزاعات.
بهذا الربط، تبدو السعودية وكأنها تضع معادلة جديدة: الأمن والتنمية مساران متلازمان ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
في المحصلة، يكشف التصعيد الإعلامي السعودي عن لحظة فارقة في التعامل مع المجلس الانتقالي، وعن رغبة واضحة في ضبط المشهد اليمني ومنع انزلاقه نحو مسار تفكك جديد، وإذا استمر هذا النسق الإعلامي والسياسي، فقد يكون الانتقالي أمام واحدة من أكثر مراحل التحدي صعوبة منذ تأسيسه، حين يجد نفسه مضطراً لإعادة حساباته والتعامل مع واقع إقليمي جديد لا يمنحه هامش الحركة الذي كان يمتلكه خلال السنوات الماضية.
وفي المقابل، تبدو السعودية عازمة على إعادة ترتيب أوراق الجنوب الشرقي بوصفه نقطة ارتكاز أساسية لاستقرار اليمن والمنطقة.