الثلاثاء - 21 أبريل 2020 - الساعة 02:10 ص
رحم الله المتنبي كم أطربني بشعره، وكم أذهلني بحكمته، وكم تعجبت من طموحه، وعزة نفسه، فهو الشاعر الذي جمع الحكمة، والشجاعة، والطموح، والأنفة، حتى أنه يقول في مدحه لغيره: إنه يريد أن يوافي إحسانهم إحساناً، فهو القائل: وما شكرت لأنّ المال فرَّحني* سيّان عندي إكثار، وإقلال لكن رأيت قبيحاً أن يجاد لنا* وأننا بقضاء الحق بخّال فهو أمام الأمراء لا يرى نفسه إلا واحداً منهم، وفي الشجاعة له نصيب وافر، فلم يرض السير في غير خفارة سيفه، ألم يقل عنه النقاد، والشراح، أنه قتيل بيته الشعري الذي يقول فيه: الخيل، والليل، والبيداء تعرفني* والسيف، والرمح، والقرطاس، والقلم، فرحمه الله، ماذا أبقى لغيره؟!
إذا غامرت في شرف مروم * فلا تقنع بما دون النجوم * فطعم الموت في أمر حقير* كطعم الموت في أمر عظيم
فلله در هذا الشاعر كيف بسط لنا القول في طلب الحياة، فيقول: لا ترضى بالدونية، فليكن مطلبك عظيماً، وإذا طلبت النجوم فلا ترضى بالسحاب، وليكن هدفك هو الأسمى، ولتكن حاجتك هي ما تتمناها نفسك، لا ما يمكن الحصول عليها بيسر، وسهولة، فلو ضحيت بنفسك في سبيلها، فلربما تموت في أمر أحقر من هذا الأمر الذي تتوق إليه نفسك، فطعم الموت واحد، فليكن طعمه ممزوجاً بالانتصار، لا بالذل.
وقفت مع المتنبي لأحدثكم عن سياسي شجاع، ومقدام، ولا يهاب الموت، ودائماً نظرته نحو النجوم، بل والأبعد منها، أنه مهندس الفكر اليمني، وشجاع السياسة اليمنية في عصرها الحديث الذي جعل من عزة وطنه، وسيادته، وحريته هدفاً لا مناص عنه، فثبت في أم المعارك في عدن، وزاد ثباتاً في مختلف المعارك الارتدادية، فكان هدفاً لكل السيوف، ولكنه لم يبال، وثبت، وتمترس خلف الحق، ومازال متمترساً.
أحدثكم عن المهندس أحمد بن أحمد الميسري، مقدام يمني، وفارس مهاب، ومتحدث لبق، وكلماته رصاصات في أذن كل من يسمعها، صريح، ولا يداهن، ولا يجامل، ويرفع كل من يمتثل للحق فوق رأسه، وللطامعين في سيادة وطنه تراه سداً منيعاً، لا تغريه الأموال، ولا ترهبه التهديدات، بل يزيده كل ذلك شموخاً، وأنفة.
إذا غامرت في شرف مروم* فلا تقنع بما دون النجوم، هذا هو شعار الشاعر الطموح المتنبي، وهو شعار الأحرار الذين يرنون إلى أبعد ما يمكن أن ينظروا إليه، فمن ينظر ويروم النجوم، سيصل إليها، ومن لا ينظر إلا في حدود أرنبة أنفه، فسيعيش في حدودها، والمهندس أحمد بن أحمد الميسري قد رام النجوم، ولن ينظر إلا وما يتناسب مع شموخه، وعزة نفسه، فالوطن اسمه اليمن، ولابد من إعطاء هذا الاسم حقه، فنحن ملوك العرب، وفرسانها، فكيف ننظر إلى أدنى من النجوم التي لنا بينها نجم اسمه السهيل اليماني، ونحن بيت الحكمة، والإيمان، فيجب أن يكون نظرنا فوق النجوم، والميسري هذه نظرته، فقد لقن المتطاولين درساً بليغاً في السيادة، وقال لهم بلسان الحال نحن ملوك العرب، وإن جار علينا الزمن إلا أننا نظل الملوك، وغيرنا لا يمتلكون من اسمهم إلا مجرد التسميات، فإذا غامرت في شرف مروم * فلا تقنع بما دون النجوم، فرحم الله الشاعر المتنبي، وحفظ الله اليمن وأهلها ملوك العرب الذين كانوا، ومازالوا كذلك.