مقالات وكتابات


الإثنين - 23 يوليو 2018 - الساعة 10:57 ص

كُتب بواسطة : أ. صالح القطوي - ارشيف الكاتب


قراءة في كتاب الشائع من أمثال يافع
تأليف: د. علي صالح الخلاقي
الكتاب يحتوي على أكثر من (3400)  مثل من الأمثال الشعبية المتداولة في يافع.
طبعة ثانية ومنقحة 2006م.
للباحث: أ/ صالح القطوي

المؤلف بذل جهده وضحى بوقته في جمع الأمثال وشرحها - جهداً لا يستهان به في حياته ومماته.
ومع ذلك نقول بعجالة - الآتي:
*أولا:* للكتاب *(إيجابيات كثيرة)* ندعها للمتلقي القارئ الأول لمادته - من الأمثال والحكم والأقوال المأثورة، وعلى اختلاف مصادرها ومشاربها إلا أنها نقلت جغرافية  البيئة اليافعية ولهجتها إلى المتلقي؛ وكذا عاداتها وتقاليدها وفق المأثور من القول والمعاملات في حياتها الاجتماعية - تأثيرا وتأثرا ببيئات مختلفة من حولها.
*ثانيا:* للكتاب بعض العيوب والسلبيات، التي نعول هنا على تناولها وتقييمها، لكي يتسنى تنقيح مادة الكتاب وتشذيبها من عدة مناحي - جمالية  وعلمية وفنية، على النحو التالي:
1- في الكتاب كثير من الأمثال ابتنت على أسلوب التكرار جمعا وشرحا وتوصيفا بحجة نطق اللفظ والسماع به، وكان حريا بالمؤلف الاستعانة بأساليب المنهج العلمي ووضع الهوامش لمعظم تلك المادة ذات الطبيعة المتجانسة المعنى وتنقيحها بحسب لهجة المنطقة ونطقها.
مثلا قولهم:
2- وهذه المادة المجموعة في الكتاب على أهميتها والمشروحة منها - لم يسعفنا المؤلف بالرجوع إلى أرقام صفحات مصادرها ومراجعها للتمييز بين مادة وأخرى له أو عليه، وإنما اكتفى (بتذييل كتابه - بثبت قائمة المراجع المستفادة منها) ص331، فاكتسبت مراجعه الجمود واكتست به، لأنها فقدت حيويتها وقيمتها العلمية تماما حين صادرها عن غير قصد منه.
3- وكل هذا جعله يستعين بأسلوب التكرار ابتداء بتوجيه القارئ بعنوان: (قبل أن تقرأ هذا الكتاب - إليك بعض خصائص اللهجة اليافعية) ص 11، وانتهاء بتكرارها كلما واجهته لفظة يافعية عند كل مثل بلهجته وشرحه.
على سبيل المثال لفظة _( أسيك، أسيته، أسوك ) شرحت في المدخل - ص 13، ومع ذلك ظل شرحها يلازم القارئ في ثنايا صفحات الكتاب عند كل مثل تضمها، فاختلطت الأصول من مادة الأمثال بالفروع من الشروح في متن واحد، بينما كان مكانها الأفضل هو الهامش، وكأنه استغنى عن مدخل مقدمته أو أراد التكرار بقصد التأكيد على حجم الكتاب وكثرة المادة عوضا عن تنقيحها وتنسيقها.
4- ليافع أصالتها، لا أحد باستطاعته أن ينكرها سواء عبر التاريخ والواقع أو من خلال هذه المادة العلمية والأدبية، التي افتقدت المنهج العلمي المتكامل، اللهم ارتكازها على ترتيبها وفق الحروف الهجائية.
وخلاصة القول نضع المتلقي عند جملة من السمات الإيجابية  التي تضمنها الكتاب وعكست روح مضمونه وعنوانه المسمى  - الشائع من أمثال يافع، لأن ما وصلنا اليوم من موروثها وتراثها إلا النزر القليل من تلك الأمثال التي اعتمدت على جملة من المسجات الريفية ذات الطابع القبلي لتجسد روح الطبيعة والجغرافيا وحياة الناس والإنسان اليافعي على وجه الخصوص وقد تقلبت به سبل الحياة بين الشدة والرخاء وبين السفر والبقاء يأنس إلى حيوان فيها أو سفر لتجارة، وبين حله وترحاله تعلم الحكمة والقول ومن أوتي الحكمة فقد أوتي شيئا كثيرا.
أولا: الكتاب يكاد يخلو  من الأخطاء اللغوية والفنية - الطباعية المحرجة  مقارنة بكتب أخرى أنفقت الدولة فيها أموالها تحت إشراف هش من حملة الدالات لجمع الريالات، وهذه الميزة تستحق الثناء. ...
ثانيا: ومن خلال الكتاب تطالعك يافع ليس بلهجتها (أَسيك، لعا، رَع، وعُّه، اسكي، يبي، محد، تي الأيدمي، المسب)، فحسب وإنما افتخارا بشجاعتها وكرامتها، من قبيل قولهم: (يافع السيف والضيف)، ص 326. برائحة طعامها وشرابها (يا فرحتي بالمرق، يا غبني عالتيس)، أو من خلال الأسماء المكانية والإنسانية من قبيل قولهم:
1- شوب البلد ولا حب كلد. ص 136.
2- عنتر يجزع وقدور يرجع. ص 161.
3- طريق الفردة العر. ص 149.
4- العر باقي ويافع بالجود. ص 155.
5- عصيدكم يا الرَّداما ذي عصدتوا كلوه. ص 158.
6- يا غارتاه يا خُلاقة لا شُحَير. ص 326.
7- يبيع بِدَرعَة وكسب الجرّار. ص 328.
تلك النعوت والصفات التي تختص بها طبيعة المنطقة تجدها في سلوك اليافعي مع غيره، نحو: إن صاحبي جيد أنا جيد، وإن صاحبي فسل ذليت. ص 37.
ولذلك قالوا: (اِدع اليافعي ولا تشوره). ص 23. لذلك تجد اعترافهم الذي يؤكد تلك النقطة بقولهم: عَاقِل وشوره لِعبادي. ص 153.
لغة الإشارة والاستشارة للمرأة أخذت أكثر من منحى، الأول: قالوا فيه: (شور المره الصائب من السبع المصائب). ص 137.
وهذا القول تؤكده جملة من الأمثال اليافعية، وقد نال فيها أصحابها من المرأة ونسبوا لها أشد الصفات قبحا لحاجتهم في ضربها، رغم ثقتنا بجمال المرأة ورجاحة عقلها، لأجل إبراز قيمة الأمثال وأهميتها في حياة الإنسان اليافعي، من ذلك قولهم: (عرجاء وبترقص، شخراء ومزكومة، جخراء وضرّاطه، عوراء ومناقره، وغني يا عرجاء ولا ترقصين)، بل هناك ما هو أكثر قبحا؛ وأشد ألما.
المنحى الآخر أخف وقعا، قولهم: (شور المره صائب وبه مصائب)، وهذا الاعتراف الضمني بمشورة المرأة قلت حيثياته ومؤكداته التي فطر عليها العقل البشري بل قل قلب الإنسان، لتتجلى لنا صور المرأة ومهامها في أشكال وصيغ أخرى، منها المنحرفة، مثل: ساقيه كسرا عجّزَه ربها، وتبيع جلده واشفقه بالبقره، فسوة طاحنة.
والحريصة سوه على الحب مفتاح وعالطعم سبعه مفاتيح.

ومن هنا برزت في أمثالهم بعض الأسماء الإنسانية للتعبير عن مسار قبلي أو إنساني أو خدمي، من قبيل قولهم: شيخوا عيسى وسار افشخ، وشيخوا متبق وصدق. ص 138. وقولهم: بُوبَك للعدود. ص 54.
أما شاجعهم فالموت والهلاك قدره، قالوا: شجاع يافع عدو نفسه. وشاجع جبل يافع مقتول. ص 131.
أو بقصد التلميح مثل قولهم: دق العود يفهم مسعود. ص 99.
الجميل في الكتاب أن مؤلفه التفت إلى *أسلوب التضمين للشعر* على لسان *شعراء يافع* نفسها قدماء ومعاصرين، منهم على سبيل الذكر: يحيى عمر، والخالدي، ووو .
وفي شعرهم أكدوا على الجيد من الناس نابذين الصنف الآخر - الفسل، في سلوكهم وحياتهم، مثل قولهم:
الفسل سارق حناصيص. ص 168.
ومؤكدين على لغة الاتحاد فيما بينهم لأنه أساس وحدتهم وقوتهم نحو المستقبل، وهذا ما جعل يافع ذات عمق تاريخي أصيل، يؤصل علاقاتها المتجذرة مع الآخرين ولاسيما جاراتها من المدن اليمنية - الضالع وردفان أو أبين والبيضاء وإلى ما هو أبعد من ذلك داخل الوطن كحضرموت وخارجه كدول الخليج وشرق آسيا ومدن العالم المختلفة الفكر واللغة.
وقد نالت *( المرأة اليافعية )* حظا وافرا من مادة المثل اليافعي بوصفها شريكة حياة للرجل اليافعي، فهي زينة الحياة الدنيا، فقالوا: زينة البيت المَرَة والطين الذرة. ص 120.
وصوتها مطلوب لكل يافعي لكن بحذر، وذلك في قولهم: غني ليافع واحذري تسمين حد. ص 166.
وبقدر حصافة المثل اليافعي وعمومية معناه إلا أنه خصص حيزا للمرأة وانتسابها لمناطق وقرى بعينها من قبيل قولهم:
- صاحبة رَيو ما تدي الست إلا لا هُو رطل. ص 140.
- طحَّانة شرعة كَمَّلَه الطحن، وكسره يد المطحن. ص 48.
- حريوة موره اختنقه بالشُّحَّارة. ص 83.
لكن ليس إلى حد التسليم لها بمقاليد الأمور كطلب المشورة أو الاستشارة في الرأي كما أسلفنا، بينما تعلق بذهنه أسماء بعينها لها مضربها شكلا وهيئة ودلالاتها على السعادة والعيش والتعبد وطلب الرزق والسلام فقالوا: تنسمي يا سعادة ودقي قرض، طول سلمى من عرض عيشة، ص 150.
ولعل عنصري الزراعة والتجارة أخذت نصيبا وافرا وما يتعلق بهما حيوان أو نبات ومصطلحات تجارية وآلة سنفصل فيها القول في حلقة ثانية وربطها والموروث الشعبي - الصوفي والأسطوري والديني.
والأمثال - على كثرتها وندرتها وتنوعها - تبقى لغة المونولوج هي الخطاب السائد في نمط حياة الإنسان اليافعي وارتباطاته بما حوله من طبيعة وغريزة ومهن وعادات - تشده إلى وطنه وماضيه - شعرا ونثرا وحديثا أينما كان.
ومن خلال مادة المثل اليافعية تكشف لك حجم المعاناة التي يعانيها الإنسان اليافعي منذ الولادة والتوارث وحتى الموت وهو متشبث بأرضه وعاداته وتقاليده وأعرافه في المناسبات الاجتماعية والدينية والمعمارية والأدبية ولو كان في أرقى وأجمل مدن الدنيا حضارة - تطورا وتقدما في العلم والبناء والثقافة.

بقلم: أ/ صالح ع ح القطوي - جامعة عـدن، كلية التربية- الضالع.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖