الجمعة - 05 مارس 2021 - الساعة 12:17 ص
تخنقني العبرة وتغتال الذكريات اركان قلبي قبل عقلي .
اعذروني لو كانت سطوري الآتية طويلة ، فقد اكتسبت من عمري الكثير
واختصرته في لحظات وداع رايتها على القنوات ..
قبل سنوات مللت من عدها تغيرت حياتي في لحظة ، تركت اسرتي عدن لتعيش في القاهرة ، مايو ٩٤ ، الاستقرار وقتها أمر غير ممكن نتيجة لأوضاع كثيرة لا أريد أن افرضها عليكم الان ، فمن كان يعيش حياتنا آنذاك يعلم مدى الم احرفي ووجعها . وهم كثر فقد كانت القاهرة هي الحضن والملاذ الأمن للمعارضين ..وسوريا تليها .
في ٩٤ كان التعليم الإبتدائي 8 سنوات والثانوي 4 سنوات ، اكملتهم في عدن ما عدا آخر سنة دراسية اكملتها في القاهرة ، نجحت رغم الظروف واختلاف المنهج وشحة المعلومات، اكملتها واخذت شهادة تمكني من دخول اي جامعة محترمة .. وقتها فضلت الالتحاق بكلية الإعلام في المرتبة الأولى، والخيار الثاني كان معهد الفنون المسرحية لدراسة الإخراج. هكذا كتبت في أوراق التنسيق .
لم تقبل اوراقي كلية الإعلام لان اسرتي لم تتمكن من دفع قيمة الرسوم المقسمة بين الاسترليني والدولار والجنية المصري ..
اغلقت امامي كل مباهج الحياة ، دموعي اغرقت احلامي وخططي لمستقبل وضحت معاملة امامي في لحظات ، حاولت امي كثيرا مع السفارة ومع أكثر من جهة لكن المبلغ وقتها كان كبير جدا ، حتى التخفيض لن يحل مشكلتي.
جلست امي وجلست امامها، غابت الكلمات ، تبعثرت، اختفت ، تاهت ، قتلتها السياسة والحرمان والغربة .. وحدها الدموع من سكنت العيون والعقول والقلوب .
رن جرس الباب ، دخل بابتسامته المعتادة وروحه الجميلة وهو يقول " قومي يا بنت بطلي نواح ، الصحافة ما تحتاج شهادة فقد كانت كتاباتك المحدودة عنوان بارز لطريق ناجح ، اكملي مشوارك وطوري من موهبتك حتى تثبتي نفسك كما فعل غيرك ، وطرح عدد كبير من الاسماء امامي ، جميعهم علامات مضيئة في بلاط صاحبة الجلالة لكنهم لم يدرسوها أكاديميا .
واذا كنتي تشتي شهادة عالية فانتي تحبي الإخراج روحي جربي واكيد رسوم المعهد بتكون اقل وفي الإمكان، المهم ما تجلسي هكذا ، وما احب اشوفك هكذا .خالي عبدالباسط سروري رحمة الله عليه ، كما كنت اناديه ، كان قادرا على تغيير جو الحزن وفتح باب امل جديد امامي . .
وفي صباح يوم جديد ، خلعت ظلمته وسواده، فتحت كتاب حياتي من جديد مع بزوغ شمسه ، وايقنت باني ساكتب فيه الكثير ولن استسلم للفشل ، ولن أقبل معايشته .
ذهبت للمعهد وسحبت الأوراق وسالت عن شروط قبول الأوراق، فاكتشفت بأن هناك شرط قبل قبول الأوراق وهو التحضير لعمل اعرضه امام لجنة تتخذ بعد ذلك قرار قبولي او رفضي .
صدمة جديدة ، وجع أعاد كل ما بي من الم ، لا أعرف كم هي المسافة من مكتب الاستفسار إلى بوابة المعهد الحديدية ، دموعي هجرت ارادتي، تسقط ولا استطيع منعها، اشوف غشش ما ادري كيف صدمت به ، حتى كلماتي ضاعت..
شافني بحالتي السيئة ورفض أن يتركني ، بنت صغيرة لم تكمل ال ٢٠ ..
انفجرت انا بالبكاء لدرجة اني لا اعلم ايش قلت وايش سويت
، جلس جنبي على الرصيف الخارجي للمعهد . سمع كل كلامي دون أن ينطق بحرف، استقبل الشحنات المتصارعة بداخلي وهو يطبطب على كتفي فقط ويقول" بس يا بنتي بس ، وجعتي قلبي ، فين المشكلة دلوقتي "
جلست اشرح له ان هذا الاختبار قائم على التدريب ، وانا لا أملك كل الإمكانيات التي تسمح لي بحجز مكان ومخرج لتدريبي، والورش كمان صعب علي حضورها لان أوقاتها غير ثابته وانا واسرتي غرباء ولنا اداب سلوكية مكتسبة من بلادنا وتربيتنا قد تمنعني من حضور الورش .. وهذا يعني فشلي في اختبار اللجنة .
قام الإنسان اولا والفنان ثانيا من الرصيف وحاول أن يشد يدي لاقف، بعدها قال لي بتنجحي وحتى لو فشلتي في دخول المعهد فلن تعجز قدراتك عن إكمال طريقك .. فمن يملك حب الاستمرار مثلك رغم كل الظروف الصعبة لن يفشل .. وبالفعل دفع الأستاذ يوسف شعبان ثمن جميع حصص التدريب وارسل لي المخرج ليقوم بتدريبي في البيت ..
نعم دفعها وهو لا يعرفني ، ولم ترى عيناه ملامحي قبل وبعد هذا اللقاء المقدر لي من الله ، دون ترتيب ولا سابق ميعاد .
ما الذي أتى به وهو ليس من أسرة التدريس في المعهد ، ومن أتى بي في يوم لم اخطط له من سابق .
يوسف شعبان كان انسان نبيل ، مواطن عربي بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
بعدها رجعت للمعهد وانا جاهزة للاختبار، واملك امكانيات كافية لاجتيازه وهذا بفضل يوسف شعبان .. لكن أبت الحياة ان يستمر الفرح فادارةالمعهد قبلتني لكنها لم تقبل اوراقي بسبب عجزي في دفع المبلغ المطلوب وقتها .. حوالي ١٥ ألف جنية مصري لا غير . وقتها كان سعر الدولار ب ٣ او ٤ جنيهات تقريبا .
مرت الايام واصبح الماضي ذكريات، نسيت بعضها وتناسيت البعض الآخر منها .. لكني لن انساك
رحل جسدك ولن ترحل ذكراك..
رحل جسدك ولن تفارقنا اعمالك الانسانية والفنية ..
رحل جسدك وستظل مواقفك العربية باقية ..
رحل جسدك ولن انسى مشاعرك ما حييت .
قابلك الله مقابلة خير ،، حضرت في حياتي عندما عجزت جهات كثيرة كانت مسئولة عني .. لكنها لم تحضر .
رحلت وسنرحل جميعا ولن تبقى إلا اعمالنا وبقايا من ذكرياتنا
العالقة في عقول من اسعدناهم وقهرناهم .