الجمعة - 30 مارس 2018 - الساعة 10:21 م بتوقيت اليمن ،،،
الوطن العدنية/كتب_صالح القطوي
بداية حديثى سأخصصه للمكانة - التاريخية والأثرية التي استشعرها لهذه المدينة منذ زمن ليس بقريب, وكأنها أشبه بحلم يفوق الخيال, ولما لا, وهي لا تقل تراثا وموروثا عن سائر مدن الدنيا, إن لم أقل مدن اليمن, ولدينا ما نستدل به بما كتب عنها في ثنايا هذه السطور. تقع الضبيات جنوب شرق محافظة الضالع, لكن قبل هذا كله, ألقي باللوم على أهل هذه المدينة برجالها وشبابها وعلى كل كوادرها وتجارها في الداخل والخارج على تعاملهم البسيط نحو تلك القيم والمثل والمبادئ, التي لم يجعلوا منها مصدر قوة وعز وافتخار, وتركوها أمام أعينهم تدمر وتنهار وكأنها شيئ قبيح أو مستعار. مع أن الحال يقول لنا: إن الضبيات لها تاريخها العريق, بدليل ما ورد من ذكرها في كتب السير والتاريخ منذ النشأة والتأسيس على يد (شهاب الدين يوسف بن إبراهيم), مرورا بأشهر معالمها وأربطتها, التي تأسست على يد ساداتها الأفاضل ومنهم: (علي بن سفيان بن يوسف), ذكرها المؤرخون بذكر علمائها في مؤلفاتهم على قدمها ومنها على سبيل المثال: (كتاب - صلحاء اليمن), ذكرهم الشيباني في مصنفاته, والسخاوي في أعلامه. وكانت لهم صلات بغيرهم من علماء اليمن وأشرافهم, كما كانت لهم صلات بحواضر مدن العلم وهداته, فامتدت إلى حضرموت شرقا وإلى جبلة شمالا وإلى زبيد غربا, ولم تقف أصالتهم هنا بل امتدت إلى خارج اليمن والجزيرة فشارك صفوة أهلها بنشر الدين بين الناس بالعلم والجهاد في سبيله, فكانت لهم صولات وجولات في تأسيس وتثبيت دعائم الإسلام في شرق آسيا, لا تقل عن ثبيت أركان الحكم في البلاد نفسها على اختلاف سلطناتها ومشيخاتها جراء الصراع الحضاري بين دول العالم وطموحاتها التوسعية في المنطقة عقيدة وفلسفة. وعودة إلى موضوع مقالنا هذا, الذي خصصته للطرح البناء, فقد لمست الآتي: أولا: تركيز كتاب المجلة في موضوعاتهم على المشاريع الخدمية, ولفت رجال الخير والدولة لتبنيها ودعمها وتمويلها. وثانيا: ارتكزت بعض كتاباتهم على شرح العادات والتقاليد كمناسبات - الأفراح والأعياد, وهذا شيئ طيب, بغض النظر عما جاء في المجلة من أخطاء. والأهم من هذا كله أن طرقت المجلة كثيرا من القضايا الأثرية والتاريخية لكنها تخلو من أهم الأمور, وهو - الاستدلال بالتاريخ الهجري والميلادي أو أحدهما, وفق المصادر والمراجع المتاحة عند الكتابة والتوثيق لها, إلى حد أنها أهملت تاريخ صدور المجلة نفسها. المهم أعجبت بشفافية العرض والطرح, الذي يؤسس لنواة بذرة طيبة *(وضعها شباب الجامعة)* في الوقت الذي كان يفترض فيه أن توضع تلكم البذرة على يد أصحاب الفكر من علماء ووجهاء المدينة لمعرفتهم بتضاريس الحياة والتاريخ ولسعة مداركهم واطلاهم على كنوز ماضي المدينة وحاضرها.
ومع هذا كله حرصت المجلة على التنوع في موضوعاتها كاشفة عن معاني الأصالة, فتحدثت عن الموروث الشعبي والمادي لمدينة الضبيات ابتداء بوصف زرقة سمائها ونسائم فجرها وشروق شمسها متوجهة بخطابها إلى شبابها (وقود أمتها بوصهم أمة خير وبناء) يسودها الحب والفلاح ثمارها التلاحم والنجاح. بحثت المجلة في (مستقبل الشباب) مطالبة برسم أحلام مستقبلهم, وبين (عذب الأعمال وملحها) نصحت- الإنسان ووجهته لأعذبها عملا ألا وهو فعل الخير وتغليب المصالح العامة على الخاصة. ولم تتوان المجلة من الدفع بروح (الأمل) إلى أقدام الشباب ولغة التفكير والتغيير لأن (كل مشروع عملاق يبدأ بفكرة), كذلك بداية المستقبل خطوة صغيرة, كل هذا ينقل لنا مشهد (الشباب وعلو الهمة), لأنهم (نور المستقبل), فدعت إلى دعمهم وحل مشاكل - السكن والغذاء وطالبة بتوفير احتياجاتهم - من كتب ومواصلات, فضلا عن تشجيعهم المعنوي لأهميته, وتجنبا لآثاره السلبية على المجتمع, وحصيلة الإنسان - العلم والأخلاق وبدونهما لا تستقيم القيم وترتفع إلا بما نمتلك من سلاح العلم والمعرفة. ومن رفع همم الشباب خلصت المجلة إلى (نجاح المجتمعات) عند توفر الشروط الملائمة, وقد ضربت المجلة لنا في موضوعاتها أروع النماذج منها شخصية العدد الشيخ/ محمد صالح رجب - 1936م. وشخصية في سطور - علي مثنى الشاعري - 1956م. ت???. وفي (رحاب الضبيات) تربى رجالها قبل شبابها بين حاراتها ومدارسها ومساجدها, لم تؤثر بهم عوامل التمدن وضجيجها, بل ظلوا يتنسمون عبق التاريخ حفاظا على أصالتهم, وبين (الأصالة والرسالة) تجد كوكبة من جهابذة العلم والأدب ملوحة بأهمية إصدار العدد دلالة على همة الشباب فيه, ومع (صداه تتولد الذكريات خيرا ومحبة) واصفا إياها بالأجمل والأروع. وتبقى (صفات الضبيات ومعالمها) في كتابات شبابها وأهلهم ومسمياتهم لها بين اسم (القرية والمنطقة والمدينة), الحالمة بين قاع الوادي وشموخ الجبال, ومقبرة تثير التأمل وتأبى الاندثار, لا تقل أصالة عن مباني المدينة, تزينها آثار المكان - المساجد والبرك والقبب من جهة والآثار والحرف اليدوية من جهة أخرى. وقد توزعت المدينة - بين أسماء حاراتها: (المدافن, والرمادة, وصفاء عياد, وسفال) وجهاتها, وبين أشجارها المعمرة والمعاصرة لحداثة المدينة في شكل البناء الظاهر وفسيفساء المضمون في الداخل المثير للجدل بين تجاذبات الحواس وهوس المشاعر وتأملات الفكر والإنسان - لتظل شاهدا تحدد معالم المدينة بجهاتها وبعاداتها وتقاليدها إزاء لحظة الحاضر الذي يسعى إلى طمس هوية الماضي إذا لم تروض مشاعر الإنسان وتهذب طموحاته, إضافة إلى سبب التسميات, وما لها أو عليها من قصص وحكايات ستنتهي ما لم تصمد أمام كل جديد وحديث بتكاثف جهود الجميع.
وبرغم حث المجلة إلى فعل الخير ورفع همم شباب الضبيات إلى طلب العلم والتحلي بالأخلاق الفاضلة وغلبة الخطاب الواعظ فيها نصحا وإرشادا, إلا أنها غضت الطرف وأغفلت معلما بارزا فيها وأصيلا ألا وهو *(الموروث الأدبي وأعني به الشعر الشعبي)*, الذي أسس له صوت الدان الضبياني عبر حقبة تاريخية لا يستطيع أحد منا إنكارها. تناولت المجلة قضايا بالغة الأهمية مثل: (قضية المياه والطرقات والمدرسة), وأخرى في صميم الحداثة والسياسة والعلم والتكنولوجيا. في الوقت الذي كنت أطمح فيه إلى أن أجد من يتبنى (الموروث الشعري) الذي يجسد نكهة تاريخية للمدينة ومدرسة متوارثة لأسر تربت على نظم الشعر وقرضه لكنها لم تنل حظها من التدوين لا لأشعارها على أهميتها وقيمتها, ولا نبذة موجزة تعرف بحياتها مدعمة بتواريخ دقيقة من الميلاد إلى الوفاة, وعلى أضعف تقدير رصد شعراء الضبيات على اختلاف فترات حياتهم وما نسب لهم من شعر أو لغيرهم وحجمه, وما بقي لهم من مناظرات أو هواجل وزوامل يمكن تداركها قبل ضياعها وأخرى تصبح عرضة للنسيان والتلف, ما لم تجتهد الهمم والأقلام في جمعها وتدينها. آمل أن تصل رسالتنا إلى كل أحبتنا في هذه المدينة الفاصلة وخارجها والعمل بما يخدم الصالح العام لها فإذا كان الشعر ديوان العرب, فإنه في مثل هذا المقام تاريخ أصيل لهذه المدينة وأهلها ومآثرها التي لا قل أصالة وموروثا عن بقية مدن اليمن بشماله وجنوبه. بدليل ما خطه شباب الضبيات في كتاباتهم على مجلتهم لتكسف لنا -مثلا- عن أهمية ذلك الموروث وقيمته, وقد تركوا لنا قوة الاستدلال - على بساطته واختلاف غاياتها إلا أننا نستشعر قدرات الفكر فيهم وثباته بما ينسجم مع مضمون الموضوع المطروح ومعطيات الواقع من حولهم, وهو أشبه بالقاعدة الهندسية التي تشد أركان البرهنة على أي مسألة مطروحة لحلها قاعدتها المصلحة العامة ومعطياتها الخير والحب والنجاح. ودمتم ذخرا للوطن الأصغر - ضبيات الخير والعطاء والأصالة. مارس - 2018م ➖➖➖➖➖➖➖➖➖ (قراءة في مجلة الضبيات - رمز الأصالة)* العدد الثاني. بقلم الباحث: أ/ صالح ع ح القطوي
|