أخبار محلية

الإثنين - 28 أبريل 2025 - الساعة 04:23 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/المصدر أونلاين

في 27 أبريل 2003، وقف اليمنيون أمام صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في مجلس النواب لآخر مرة، وسط آمال عريضة بدورٍ برلماني فاعل يعكس إرادة الشعب ويكبح تغوّل السلطة التنفيذية. اليوم، وبعد 22 عامًا، ما يزال البرلمان نفسه قائماً شكلياً، رغم انقسامه ووفاة نحو 60 من أعضائه، وفي ظل الظروف المعقدة في البلاد، فقد لا تنتهي ولايته، إلا بوفاة جميع أعضائه!

وبصورة مكثفة فقد انشطر البرلمان إلى نصفين: وجد الأول نفسه تحت "إقامة جبرية" في صنعاء يوظفه الانقلاب لمحاولة اكتساب شرعية، والنصف الثاني في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ومنح معظم أعضائه ميزة "المنفى الاختياري" إذ توزعوا على بلدان العالم، وتم وضعه على الرف باعتباره عفش قديم وزائد عن الحاجة لدى الشرعية التي ترى أن حصول أعضائه على مرتبات هو أقصى ما يمكن أن يناله من اعتراف.

يتكوّن مجلس النواب من 301 عضو، توفي منهم نحو 60، وفق ما رصده محرر "المصدر أونلاين"، ومن انضموا للمجلس شباناً هم اليوم في خريف أعمارهم السياسية، لكن الموت وحده لم يكن سبب تغييب أعضاء البرلمان؛ فبعضهم دفعته الحرب إلى النزوح أو اللجوء، وآخرون يقبعون تحت الإقامة الجبرية، فيما جرى إقصاء عدد منهم عبر قرارات من الدولة الشرعية، التي دفعتهم لتولي مناصب تنفيذية بعيدة عن مهامهم الأصلية في التشريع والرقابة.

رحلة التمديد

وحين انتخب مطلع الألفية الجديدة، لم يكن مجلس النواب يعلم أنه سيدخل التاريخ لا بوصفه أحد أقدم البرلمانات في المنطقة، بل كأطولها بقاءً، فقد بدأت رحلة "التمديد الأبدي" بعد انتهاء ولايته الأولى في 2009، حين اتفقت أحزاب البرلمان (المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك) على تأجيل الانتخابات لمدة عامين، ضمن ما عُرف باتفاق فبراير، بهدف إقرار إصلاحات دستورية.

ومع الثورة الشعبية عام 2011، كان البرلمان لا يزال يتمدد على وقع المراحل الانتقالية، فقد مددت له المبادرة الخليجية عامين آخرين، على أن يُستبدل لاحقًا عبر انتخابات عقب صياغة دستور جديد للبلاد، لكن كل تلك الآمال توارت خلف غبار مرحلة انتقالية كتب لها هي الأخرى أن تتمدد، فالحوار الوطني تأخر، ثم تعطّل، ومع اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في 2014، أصبح الحديث عن الانتخابات ترفًا سياسيًا، وأصبح البرلمان أداة في معركة الشرعية، يستخدمها كل طرف حين يشاء، ويعطلها حين تضيق به الحسابات.

وعقب الانقلاب أعلن الحوثيون حلّ البرلمان في إعلانهم الدستوري في فبراير 2015، لكنهم لجأوا لإنعاشه مجددا في أغسطس من العام التالي، من أجل تشكيل حكومة مع حليفهم صالح وجناحه في حزب المؤتمر، وفي 2017، أصدر الرئيس هادي قراراً بنقل مقره الى عدن.

على إثر ذلك، انقسم المجلس إلى جناحين؛ أحدهما في صنعاء تحت قبضة الحوثيين الذين عززوه بموالين لهم عن طريق انتخابات صورية أجروها عام 2019، بحجة إيجاد بدلاء للمتوفين، وآخر تابع للشرعية تعذر انعقاده بفعل تعقيدات سياسية وأمنية، وبينما يستخدم الحوثيون ما تبقى من المجلس كواجهة شكلية لإضفاء شرعية زائفة، يكافح جناح الشرعية للبقاء، بعدما حلّت "هيئة التشاور والمصالحة" عمليًا مكانه في مشهد السلطة الجديدة.

وعلى الرغم من أن المجلس الشرعي استطاع أن يعقد جلستين نادرتين منذ اندلاع الحرب قبل 10 سنوات (الأولى في سيئون 2019، والثانية في عدن 2022)، إلا أن حضوره ظل رمزياً، فحتى تلك الجلستين، كانتا بمثابة تمرين بروتوكولي لا يخرج عن إطار التزكية أو أداء القسم، لا تشريع فيها ولا رقابة، في مشهد يعكس حالة "الموت السريري" الذي يعيشه المجلس.

ويمثل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات أحد أبرز الأطراف التي تعرقل انعقاد مجلس النواب في العاصمة المؤقتة عدن، باعتباره – من وجهة نظره – إحدى واجهات الجمهورية اليمنية التي يسعى لفصل الجنوب عنها وإنشاء كيانه الخاص، ورغم ضغوط سعودية العام الماضي 2024، ومحاولات الرياض جلب عيدروس الزبيدي إلى طاولة تفاهم مع هيئة رئاسة المجلس فإن التئام المجلس بدا معضلة عصية عن الحل، ومع كل فشل جديد في التوافق، تتضاءل فرص انعقاد لقاءاته.

وبعيدًا عن المعطلين السياسيين، هناك معطل آخر خفي لكنه لا يقل خطورة، يتمثل في تحوّل عدد كبير من أعضاء البرلمان التابعين للشرعية إلى موظفين في الجهاز التنفيذي، بينهم مستشارون لرئيس مجلس القيادة وأعضاء في هيئة التشاور والمصالحة ومحافظين لمحافظات كـ"شبوة، حضرموت، حجة". وهؤلاء، وإن كانوا يحتفظون بمقاعدهم في البرلمان، فإن انتقالهم إلى مناصب تنفيذية يبعدهم عن وظيفتهم الأصلية كمشرعين ورقباء على السلطة، ما يجعل من عضويتهم البرلمانية مجرد لافتة بدون مضمون.

ووفقاً لدستور الجمهورية اليمنية، فإن الجمع بين عضوية البرلمان ووظائف تنفيذية عليا (باستثناء منصب وزير) يعد مخالفة صريحة، لكن هذه القاعدة القانونية سقطت كما سقطت غيرها في زمن الشتات والانقسام.

في الذكرى الثانية والعشرين لانتخابه تحدث محرر المصدر أونلاين مع ثلاثة من أعضاء المجلس، والذين أفصحوا عن أبرز التحديات التي تعترض طريق البرلمان، والتي تبدأ من العراقيل الأمنية واللوجستية ولا تنتهي بالتدخلات الإقليمية والدولية.

وقال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي العام عبدالوهاب معوضة، إن أبرز التحديات التي تواجه مجلس النواب تتمثل في تعطيل عقد جلساته في العاصمة عدن، مما يعيق أداء دوره التشريعي والرقابي في مرحلة تتطلب بشدة مراجعة القوانين ومعالجة مظاهر الفساد المنتشرة في مؤسسات الدولة.

وأكد أن انعقاد المجلس ضرورة لدعم الشرعية واستعادة الدولة، ولا يجب أن يكون مصدر قلق لأي طرف سياسي.

وأضاف معوضة أن وجود مجلس نواب قوي يعد ضرورة لتعزيز الشرعية داخليًا وخارجيًا، خاصة أن العديد من الدول لا تعترف بشرعية الحكومات دون برلمان منتخب. وأشار إلى أن الحكومة بحاجة لجهة رقابية قوية لمساعدتها في تحقيق النجاح، مؤكدًا أهمية تفعيل دور مؤسسات الرقابة مثل الجهاز المركزي للمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد، إلى جانب البرلمان.

ووجّه معوضة رسائل إلى الرئاسة وهيئة رئاسة البرلمان والحكومة، داعيًا إلى تحمّل المسؤولية التاريخية لضمان عودة المجلس إلى أداء دوره الفاعل.

وخاطب معوضة، النواب المتواجدين تحت سيطرة الحوثيين، محذرًا من أن يتحول المجلس إلى أداة لشرعنة الميليشيات، داعيًا إياهم لتحمّل مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية، مشددًا على أن "الميليشيات الحوثية إلى زوال، والتاريخ سيسجل المواقف".

من جهته، أوضح النائب عبدالمعز دبوان، أن البرلمان دخل مرحلة "الشيخوخة السياسية"، مؤكداً أن غيابه بدأ مع سيطرة الحوثيين على صنعاء واستمر نتيجة تقاعس الشرعية عن تفعيل دوره، بل واعتباره عبئاً غير مرغوب فيه، يُستدعى فقط عند الحاجة السياسية.

وأشار دبوان، في تصريحه لـ"المصدر أونلاين"، إلى أن مرور 22 عاماً على آخر انتخابات برلمانية أدى إلى شيخوخة المؤسسة التشريعية وعجزها عن أداء مهامها الأساسية، موضحاً أن هذه الفجوة الزمنية الطويلة، إضافة إلى الانقلاب الحوثي عام 2014 وما تلاه من تطورات، جعلت البرلمان عاجزاً عن مواكبة الواقع أو تقديم دور فاعل.

وأشار دبوان إلى أن الحكومة الشرعية تعاملت مع البرلمان كهيئة هامشية ولم توفر له بيئة مناسبة للانعقاد، فيما كانت محاولات تحريكه تتم غالباً بضغط من التحالف العربي لا من الحكومة نفسها، ولفت إلى أن الانقسام الداخلي ضمن الشرعية، خاصة مع موقف المجلس الانتقالي الجنوبي الرافض لانعقاد البرلمان في عدن، ساهم في تعميق حالة الشلل.

وفيما يتعلق بالعلاقة بين مجلس القيادة الرئاسي والبرلمان، وصف دبوان الوضع بأنه يتسم بسوء التفاهم والشخصنة، في ظل غياب الانسجام بين أعضاء القيادة أنفسهم.

وأوضح أن النواب المؤيدين للشرعية مشتتون بين عدة محافظات وبعضهم خارج البلاد، بينما النواب الخاضعون لسيطرة الحوثيين لا يمثلون الإرادة الشعبية الحقيقية، بل ينفذون أجندة الميليشيا دون اعتراض.

وختم دبوان حديثه بوصف الوضع الراهن للمؤسسة التشريعية بأنه "مأساوي" ويعكس حالة عجز عميقة.

وفي السياق، أكد النائب شوقي القاضي أن السلطة التنفيذية - سواء في عهد الرئيس هادي أو مجلس القيادة الرئاسي - لم توفر البيئة المناسبة لانعقاد جلسات البرلمان، مشيرًا إلى أن بعض أعضاء مجلس القيادة أنفسهم يسعون لعرقلة البرلمان لأسباب مرتبطة بأجنداتهم الخاصة، منها الانفصال ومنها ارتباطات إقليمية.

وأوضح أن المجلس "لا يزال عاجزًا عن الالتئام في عدن بسبب رفض المجلس الانتقالي الجنوبي"، وأن تعدد المهيمنين على الملف اليمني خارجياً، وارتهان بعض القوى المحلية، أدى إلى إضعاف البرلمان وإفراغه من دوره الحقيقي.

وقال القاضي إن "غياب الثقة بين مكونات الشرعية، وتعدد الجهات الإقليمية والدولية المؤثرة، أثر سلبًا على أداء البرلمان"، مضيفًا أن "هيئة رئاسة المجلس ورؤساء الكتل يتحملون جزءًا من المسؤولية بسبب فشلهم في استغلال الوسائل التقنية لعقد الاجتماعات وعدم تجديد تشكيل اللجان الدائمة".

وحول النواب في مناطق سيطرة الحوثيين، قال القاضي إن "عددهم محدود جدًا"، متحديًا إعلام الحوثيين أن يبث الجلسات وأن "يُظهِر وجوه النواب بوضوح"، مؤكدًا أن النواب الذين يحضرون في صنعاء "لا يتجاوزون الثلاثين، ومعظمهم مُجبرون على الحضور تحت الإقامة الجبرية".

وأوضح أن "الميليشيا الحوثية الإرهابية تهدّدهم بشكل مباشر، وقد وصلت التهديدات إلى الاعتداء الجسدي"، وأن "المشرفين الحوثيين يسيطرون على مجلس النواب ويوجهون ويراقبون الأعضاء"، مشيرًا إلى أن "مرافقين" النواب هم في الحقيقة "عناصر حوثية لمراقبتهم وتهديدهم"، وأن "المجلس مختطف، وأعضاؤه في صنعاء تحت الإقامة الجبرية والرقابة الصارمة، وأسرهم مهددة".

وأكد القاضي أن "الحوثيين ضخوا عناصر لا علاقة لهم بالنيابة تحت مسمى 'بدلاء' في انتهاك للشرعية"، مضيفًا: "نلتمس العذر لإخواننا النواب القابعين تحت القهر، والمجتمع الدولي لا يعترف بهؤلاء الأعضاء بل بالبرلمان الشرعي المنتخب".

وعن العلاقة بين البرلمان ومجلس القيادة والحكومة، قال القاضي إن مجلس القيادة الرئاسي "ليس على قلب رجل واحد"، وإن الخلافات بين أعضائه عطلت أداءه وهي سبب فشله في إنجاز المهام، بما في ذلك إعداد اللوائح التي لم تقدم للبرلمان حتى الآن واصفًا العلاقة بأنها "سيئة للغاية".

وأضاف أن الحكومة لا تملك قرارًا مستقلاً، بل تعمل وفق توجيهات مجلس القيادة، وتواجه مشكلات حقيقية أبرزها قضايا الفساد التي تفجرت ثم تلاشت دون نتائج، معتبرًا أن "تبادل الاتهامات لا يعني وجود إرادة حقيقية لمكافحة الفساد".

وأكد القاضي أن "مكافحة الفساد تحتاج إلى تفعيل مؤسسات مثل البرلمان، وهيئة مكافحة الفساد، ونيابة الأموال العامة، ومنظمات المجتمع المدني"، مشددًا على أن هذه المؤسسات "معطلة"، مما يعزز ظاهرة "تخادم الفساد وتجار الحروب كما يقال".