أخبار محلية

الثلاثاء - 13 مايو 2025 - الساعة 03:53 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/المصدر أونلاين


في التاسع من مايو الجاري وبعد أيام قليلة من إقالة رئيس الوزراء السابق أحمد عوض بن مبارك أصدرت الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية (وايكوم) توجيهات رسمية لشركة بترومسيلة الحكومية، تقضي بتسليم القطاع النفطي رقم (5)، الواقع في مديرية عسيلان بمحافظة شبوة، بشكل عاجل إلى شركة "جنة هنت" التي جرى اعتمادها مؤخراً كمشغّل للقطاع، في خطوة تمثل فصلاً جديداً في الصراع الذي ظل محتدماً داخل أروقة الحكومة المعترف بها دولياً، لأكثر من عامين.

جاء هذا التوجيه في مذكرة رسمية وقعها المدير التنفيذي الجديد لشركة "وايكوم"، هاني العشلة، تطالب بترومسيلة باستكمال إجراءات التسليم والاستلام اعتباراً من 1 يناير 2025، استنادًا إلى اتفاقيات المشاركة في الإنتاج والتشغيل المشترك، وذلك بعد فترة طويلة من العرقلة السياسية والإدارية، كان فيها موقف رئيس الوزراء السابق بن مبارك (أقيل في 3 مايو الجاري) رافضاً لتمرير أي خطوة في هذا الاتجاه، بسبب ما وصفه بـ"غياب الشفافية والملاءة الفنية والمالية" لدى الكيان الجديد الذي يمثل شركة "جنة هنت".

العشلة وهو رابع مدير تنفيذي لشركة "وايكوم" خلال شهرين فقط، جاء بعد صراع عاصف داخل الحكومة. ففي ديسمبر 2024، أصدرت وزارة النفط قراراً بتعيين عادل الحمادي مديراً تنفيذياً للشركة، في وقت كان فيه رئيس الوزراء أحمد بن مبارك قد أقال عبدالله العمير وعيّن بدلاً عنه عبدالله الدهبي من دون الرجوع للمجلس. ومع تمسك كل طرف بقراراته، تدخل العليمي بشكل مباشر لتثبيت هاني العشلة في يناير الماضي.

لكن ما بدا وكأنه صراع إداري، كان في الواقع يعكس تنازعاً أعمق بين مراكز القوى في السلطة، وبحسب مصادر حكومية مطلعة، فإن رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، مدعوماً من بعض أعضاء المجلس، كان يدفع بقوة نحو إسناد تشغيل القطاع إلى شركة "جنة هنت" التي تظهر باسم (ويلتيك إنرجي) ومسجلة في سنغافورة، في حين كان بن مبارك، ومعه تيار آخر داخل المجلس، يتمسكون ببقاء بترومسيلة كمشغّل وطني يقولون إنه يتمتع بالكفاءة والتجربة، ويخضع لرقابة الحكومة بالكامل.

مؤخراً، حصل "المصدر أونلاين" على وثائق تشمل مراسلات داخلية بين الشركات ووزارات حكومية بالإضافة إلى تقرير تقييمي صادر عن لجنة حكومية تم تكليفها بتقديم تقرير شامل عن وضع القطاع النفطي رقم (5) النفطي، ويروي قصة الصراع ويتحدث عن محاولات متكررة لإعادة جنة هنت كمشغل للقطاع، رغم سجلها المليء بالإخفاقات والتجاوزات الإدارية والمالية.

ويقع قطاع 5 في مديرية عسيلان بمحافظة شبوة، وهو جزء من الحوض الرسوبي "السبعتين" الواقع بين شبوة ومارب والجوف، الذي يُعد من أغنى الأحواض النفطية في اليمن، وتبلغ مساحة القطاع 280 كلم مربع تقريباً، وتم الإعلان عن منطقة التطوير والإنتاج فيه في يوليو 1990م، وتم توقيع اتفاقية المشاركة في الإنتاج في مارس 1995م.

وتوزعت حصص الشركاء في القطاع كالتالي:

شركة توتال يمن: 15% تتبع توتال ويكوم الفرنسية بمسمى آخر، وباعت حصتها لاحقًا لبترومسيلة.

شركة إكسون سبأ: 15% تتبع إكسون الأمريكية بمسمى آخر، وباعت حصتها لاحقًا لبترومسيلة.

شركة هنت جنة: 15%، تتبع هنت أويل الأمريكية، وبيعت لاحقاً عدة مرات.

شركة نيوكو انتربرايزز: 15%

شركة كوفبيك اليمن: 20%، تتبع كوفبيك الكويتية، بمسمى آخر.

شركة وايكوم اليمنية: 20%

في عام 2013، باعت شركة "هنت" الأمريكية حصتها في القطاع لشركة "كويت إنرجي" الكويتية وبقي مسمى الشركة "جنة هنت" واستمرت في تشغيل القطاع، ومع اندلاع الحرب في 2015، أعلنت "جنة هنت" حالة "القوة القاهرة" وتوقفت عن الإنتاج، وخلال الفترة التي تلت ذلك انتقلت الملكية إلى "United Energy Group" الصينية، ثم إلى شركة مجهولة تدعى "Welltech Energy"، دون إشعار الحكومة اليمنية أو الحصول على موافقتها، ما شكّل خرقاً صريحاً لاتفاقيات التشغيل المشترك.

يقول ممثلو وايكوم، إنهم يستندون إلى القانون رقم (1) لسنة 1989 بشأن استثمار الثروات الطبيعية، باعتبارهم الجهة المخولة بتمثيل الحكومة في عقود الشراكة النفطية، ويرون أن هذا يمنحهم الشرعية القانونية لاتخاذ قرارات بشأن تعيين مشغّل القطاع دون الحاجة لتدخل من وزارات أو جهات تنفيذية أخرى.

وبحسب التقرير، فإن "ويلتيك انرجي" هي كيان صغير مسجل في سنغافورة، تأسس عام 2020 برأسمال لا يتجاوز 10 آلاف دولار، ولا تملك سجلاً فنياً معروفاً أو أصولاً نفطية مثبتة، فيما تدور شبهات حول علاقة نافذين يمنيين بملكية هذه الشركة، ولذلك، تدفع وايكوم، منذ نهاية عام 2022، بقوة نحو اعتماد ويلتيك مشغّلاً رسمياً للقطاع، متجاهلة اعتراضات الحكومة والشركاء، وطلبات متكررة من بترومسيلة التي تملك 30 بالمئة من القطاع، للحصول على الوثائق المطلوبة لإجراء "الفحص النافي للجهالة".

وعند بحثنا في المصادر المفتوحة عن الشركة، وجدنا موقعها الإلكتروني، والذي ينشر صوراً تعبيرية لمكاتب ومباني عملاقة وأصول عالمية، ويحدد " مبنى TKH، 78 شارع ساوث بريدج، الطابق الثالث، الوحدة رقم 03-01، سنغافورة (الرمز البريدي: 058708)"، عنواناً لمقر الشركة، ويقول إنها "تأسست على يد نخبة من الخبراء في مختلف قطاعات النفط والغاز، ممن دخلوا هذا المجال في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. ويمثل هؤلاء كفاءات متميزة في مجالات الاستكشاف وتطوير الحقول والخدمات والأعمال، وقد أسسوا العديد من الشركات خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية، محققين بذلك مسيرة نجاح مشهودة".

ولا يذكر الموقع أي نموذج آخر لأعمال الشركة غير قطاع 5 بشبوة، والذي قال إن الشركة "قد استحوذت علي ملكيته من شركة جنة هنت للنفط المحدودة.. ودخلت في شراكات مع كبرى شركات النفط العالمية، مثل إكسون موبيل وتوتال ويكوم (الراحلتان) وغيرها"، مضيفاً أن "القطاع 5 يعد من الأصول الممتازة، حيث يبلغ إنتاجه من النفط الخام ذروته بحوالي سبعين ألف برميل يوميًا، وتبلغ طاقته الإنتاجية الحالية حوالي ثلاثين ألف برميل يوميا".

في المقابل، تعاظم دور شركة بترومسيلة كخيار وطني لتشغيل القطاع بعد رحيل شركتي توتال يمن وإكسون سبأ، وشرائها لحصتيهما 30 بالمئة، وفشل جنة هنت في تقديم خطة تشغيلية واضحة، وغياب الشفافية بشأن نقل ملكيتها، وفي ظل هذا الغموض، وبعد سلسلة من الاجتماعات بين الشركاء ووزارة النفط، تم توقيع اتفاقية "Standstill" في نوفمبر 2021، والتي تنص على تجميد الوضع القانوني للقطاع، وتعيين شركة بترومسيلة كمشغل وطني جديد، نظرًا لكونها شركة حكومية تتمتع بالملاءة الفنية والمؤسسية.

واستلمت بترومسيلة القطاع رسميًا في ديسمبر 2021، ووفقا للتقرير فقد شرعت في تقييم الوضع الميداني، ووضعت خطة لإعادة تشغيل الحقول، واستكملت تجهيز المنشآت النفطية، وقدّمت ميزانيات تشغيلية للشركاء، لكن الهجوم الحوثي على موانئ التصدير نهاية 2022 أوقف عمليات التصدير.

وبعد 20 يوماً من الهجوم الحوثي، بدأت شركة "وايكوم" التصعيد نهاية 2022، عندما أرسلت رسائل تحذر فيها الشركاء من عدم قانونية استحواذ بترومسيلة على حصص إكسون وتوتال، رغم موافقة وزارة النفط والمعادن على تلك الصفقات. يقول التقرير إن "وايكوم" اشترطت تحويل الحصص إلى أي كيان حكومي آخر عدا بترومسيلة، في موقف وُصف بأنه تعنت غير مبرر ضد شركة وطنية.

ويضيف أن وايكوم رفضت التصويت على ميزانية التشغيل لعام 2025، وقادت اجتماعًا في نوفمبر 2024 تم فيه التصويت على تعيين شركة جنة هنت كمشغل بديل، دون تقديم الأخيرة أي وثائق للفحص المؤسسي أو المالي أو الفني، رغم أن بترومسيلة طالبت بتلك الوثائق لـ"الفحص النافي للجهالة"، في مخالفة صريحة لاتفاقيات التشغيل والانضمام.

واتهم التقرير شركة وايكوم بعدة مخالفات: منها مخالفة توجيهات رئاسة الوزراء ووزارة النفط بالإبقاء على بترومسيلة (وثيقة)، وتجاهل اتفاقية التوقف واتفاقية الانضمام، وعدم مطالبة شركة جنة هنت بتقديم وثائق "الفحص النافي للجهالة"، والتصويت لصالح مشغل غير مؤهل دون التحقق من أهليته.

كما حمّلت بترومسيلة، في مراسلات رسمية، شركة وايكوم المسؤولية عن أي ضرر يلحق بالقطاع نتيجة هذه التصرفات، بما في ذلك خسائر بملايين الدولارات، ومخاطر قانونية تتعلق بالدعاوى الدولية.

وتقول شركة "وايكوم" إن بترومسيلة كانت قد قدمت استقالتها من تشغيل القطاع مطلع نوفمبر الماضي، وإن التصويت الذي جرى فيه اعتماد "جنة هنت" كمشغل جديد انعقد في 18 من الشهر نفسه، أي بعد أن أصبحت بترومسيلة بحكم المستقيلة، وتستند "وايكوم" في موقفها إلى أن قانون العمل لا يتيح سحب الاستقالة بعد تقديمها. في المقابل، تؤكد بترومسيلة أنها تراجعت عن الاستقالة خلال المهلة القانونية المحددة بستين يوما، مشيرةً إلى أن القانون لا يمنع صراحة سحب الاستقالة ما دامت لم تُبت رسميا.

وفي اجتماع لاحق عُقد في القاهرة بتاريخ 3 ديسمبر، أعاد شركاء قطاع 5، بمن فيهم وايكوم، التصويت على مشغّل القطاع، واختاروا مجددًا شركة "جنة هنت"، ووفقًا للطرف المؤيد لهذا القرار، فإن إعادة التصويت هدفت إلى تثبيت قانونية الإجراء، بعد اعتراض شركة بترومسيلة التي انسحبت من الاجتماع، مشيرة إلى أن انسحابها جاء بتوجيهات من وزير النفط.

ويتهم ممثلو وايكوم وعدد من الشركاء وزير النفط، سعيد الشماسي، بدعم شركة بترومسيلة في موقفها، لاسيما فيما يتعلق بعملية استحواذها على حصص شركتي "توتال" و"إكسون" في القطاع، والتي يقولون إنها تمت دون طرح مناقصة، مثيرين جدلا قانونيا حول شرعية جمعها بين دور الشريك والمشغّل في الوقت نفسه، والذي قالوا إنه يتعارض مع تفسيرات قانونية.

لكن بترومسيلة ترد بأن ذلك من حقها، وأن وايكوم ذاتها كانت تقدمت لشراء الحصتين وفق ما تظهره رسالتها الواردة في الوثائق، ولم يسمح لها بذلك نتيجة فشل ومديونيات كبيرة عليها، وسعت لتمكين جنة هنت من التشغيل، وهي شريك أيضا في القطاع.

ويضع التقرير الذي ورد فيه أنه مبني على المناقشات مع الأطراف المعنية والوثائق، جدولاً يوضح الفرق بين إمكانات الشركتين، حيث يؤكد أن بترومسيلة شركة مملوكة بالكامل للدولة اليمنية، تدير عدة قطاعات ومنشآت نفطية، وتملك أصولًا تقدر قيمتها بـ2.2 مليار دولار، ولها مقر معلوم. في المقابل، لا تملك شركة جنة هنت (ويلتيك) أي منشآت، ولا موظفين سوى اثنين، ولا سجل نفطي يذكر.

ويضيف أن بترومسيلة نفذت مشاريع طاقة وطنية كبرى في حضرموت وعدن، بينما أخفقت جنة هنت سابقا في تنفيذ محطة كهرباء "ذهب" التي كلفت 17 مليون دولار ولم تُستكمل.

وحذر التقرير من أن إعادة جنة هنت كمشغل قد يؤدي إلى فتح الباب أمام دعاوى تعويض قد تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، باعتبار أن استبعادها عام 2021 سيكون حينها دون مبرر قانوني، كما سيُعد سابقة قانونية تسمح لشركات أجنبية أخرى ببيع حصصها دون الرجوع للدولة. إضافة إلى أن تشغيل شركة غير مؤهلة يعرض المنشآت للنهب والتدمير، ويوقف أي أمل في إعادة الإنتاج، ويؤثر على تموين محطات الكهرباء، وعلى مصالح المجتمعات المحلية.

وشدد التقرير على أن نجاح بترومسيلة في إدارة القطاع سيكون نموذجا يُحتذى به، ويمثل أول مرة تشغل فيها شركة وطنية قطاعاً إنتاجياً بالكامل عبر اتفاقية مع الشركاء الأجانب، كما يعزز ذلك قدرة اليمن على استقطاب شركات عالمية وفق شروط سيادية عادلة.