مقالات وآراء

السبت - 21 يونيو 2025 - الساعة 02:27 ص بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/جمال سلطان

هل تعلم أن هذه أول معركة تخوضها إيران ضد إسرائيل منذ نشأتها قبل حوالي 77 عاما، وهل تعلم أنها أول حرب تخوضها إيران ضد إسرائيل منذ تولي الملالي الحكم قبل 46 عاما، خلال تلك السنوات خاضت إيران حروبها كلها ضد العرب، ضد العراق، وضد سوريا، وضد لبنان، وضد اليمن، وتحرشت حدوديا باشتباكات مسلحة مع أفغانستان، ودخلت في مناوشات عسكرية مع باكستان، وأطلقت صواريخها على بغداد وحلب وحمص وإدلب والرياض والدمام، ولم تطلق صاروخا واحدا على تل أبيب، حتى وصلت النار إلى عاصمتها فغضبت لنفسها وكرامتها فقط.

مشكلة إيران التي أخافت منها العرب والمسلمين، أنها على مدار التاريخ، منذ تأسيس الدولة الصفوية وفرضها التشيع في إيران باستخدام المذابح الجماعية الوحشية، وهي خنجر في ظهر الأمة، كل حروبها ضد الأمة، لم يفتحوا بلدا ولا مدينة ولا حتى قرية، بل كانوا خنجرا في ظهر الفاتحين، وعندما كان العثمانيون منشغلين بالفتوح في أعماق أوربا ضربتهم في ظهرهم وارتكبت المذابح ضد السنة في بغداد والبصرة، فاضطر الجيش العثماني لوقف حركة الفتح وعقد اتفاقيات سلام لكي يعود إلى الشرق لإنقاذ بلاده من غدر الصفويين، وقام بتأديبهم وطردهم.

وفي العصر الحديث، حتى قبل حكم الملالي، قامت بالاستيلاء على الأحواز العربية وضمتها، كما قامت بالاستيلاء على الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وأخواتها، وعندما غزا الأمريكان أفغانستان كانوا داعمين للغزو وينسقون مع الأمريكان، وعندما اشتبك صدام حسين مع إسرائيل كانوا مع إسرائيل، وعندما غزا الأمريكان العراق كانوا داعمين للغزو وشركاء فيه، وعندما غزا الروس سوريا كانوا داعمين لهم وينسقون معهم، وعندما توصلت تركيا لاتفاق مع حزب العمال الكردستاني المسلح لحل نفسه وإنهاء مسلسل الدم يتواصلون معهم ويمدونهم بالسلاح والدعم اللوجستي لإضعاف تركيا، هم حرب على الأمة في كل زمان ومكان، لذلك لم تأت من فراغ مخاوف المسلمين الحالية من أن قوة إيران لن تكون أبدا نصيرا لهم ولا ظهرا لهم وإنما تهديدا دائما لهم، وغزوا وتدميرا إذا أتيحت لهم الفرصة.

تقريبا لا يوجد خلاف ـ إلا هامشي ـ على أن كلا الطرفين، إسرائيل وإيران الملالي، عدو للأمة، وخطر عليها، الخلاف الأكبر والأهم هو أسبقية العداء وأخطره، هل إسرائيل هي الأخطر على الأمة، أم إيران؟.

هنا تفرض الجغرافيا السياسية منطقها، فالسوري الذي عانى طوال 13 سنة من الغزو الإيراني لبلاده وهدم الحرس الثوري المدن على رؤوس الأطفال والنساء، وتهجير ملايين السوريين وتحويلهم للاجئين في بقاع الدنيا، وتشييع ميادين دمشق وحلب وحمص بالحفلات الطائفية الصاخبة، وقتل مئات الآلاف من السوريين، يستحيل أن تقنعهم بأن إسرائيل هي الخطر الأكبر عليهم اليوم، لأن ما فعلته إسرائيل في سوريا لا يعادل واحد على عشرة مما فعله الإيرانيون بهم.

وأما المصري فهو لم يخض حروبا ضد إيران ولا تعرض لمشكلات وجودية معها، بل كل معاركه وتضحياته كانت ضد إسرائيل، فلذلك من المنطقي أن تجد المصريين يرون الخطر الأهم والأكبر هو إسرائيل وليس إيران.

وأما السعودي الذي رأى صواريخ إيران تقصف عاصمته ومدنه النفطية وتتحالف مع الحوثي ضده وحاولت احتلال البحرين، فمن الطبيعي أن تجده يرى الإيراني أخطر بكثير من الإسرائيلي، لأن مخاطر إسرائيل عليه افتراضية، قد تكون وقد لا تكون، أما مخاطر إيران فقد كانت بالفعل وعانى منها سنوات طويلة.

لا أنزعج من الخلاف هنا، لأني أعتقد جازما أنه متعلق بحساسية كل طرف، وتجربته، ومعاناته الفعلية، والواقع الذي يقرأ خريطة الخطر فيه، لكني أنزعج ممن يحاول أن يصور الخلاف مع إيران على أنه خلاف ديني طائفي محض ، أو مذهبي، فهذا تضليل وتسطيح عمدي لا يليق بالعقلاء المؤتمنين على وعي الشعوب، الخلاف المذهبي قائم من مئات السنين ويتم استيعابه بالجدل والفكر والتأليف والحوار، لكن ما نحن بصدده منذ قرابة نصف قرن هو ميراث من الدم والدمار والعدوانية المستمرة، هذا وضع يختلف.