أخبار محلية

الأحد - 29 يونيو 2025 - الساعة 10:35 م بتوقيت اليمن ،،،

الوطن العدنية/د.حافظ القطيبي


ألقى اللواء مطهر الشعيبي، مدير أمن العاصمة عدن، قبل يومين كلمة انتشرت بصورة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم أمس، تناول فيها جملة من القضايا والسلوكيات السلبية التي تلقي بظلالها على الوضع العام في محافظة عدن، في كلمة اتسمت بالصراحة والمصداقية.

وكان من أبرز القضايا التي طرحها مدير الأمن توقف التعليم في المدارس الحكومية في عدن، وما ترتب عليه من بروز سلوكيات شاذة وممارسات خاطئة تهدد المجتمع وتزعزع الأمن. وأشار اللواء الشعيبي إلى اضطرار كثير من الأسر للاتجاه نحو التعليم الخاص، منتقدًا موقف وزير التربية والتعليم الذي بدا منشغلاً عن هذه الكارثة، بكثرة سفرياته التي وصفها بـ"رايح جاي، للأسف للأسف"، دون اكتراث بالأزمة التعليمية.
وأعرب مدير الأمن عن بالغ أسفه لإقدام الوزارة على إجراء الامتحانات الوزارية للطلاب رغم توقف العملية التعليمية. وهذا فعلًا كارثة وجريمة بحق الطلاب وأولياء الأمور والمجتمع، تستوجب إقالة الوزير وكافة قيادة الوزارة ومحاسبتهم على هذه السياسات الكارثية.

وأكد اللواء الشعيبي أن تدهور مستوى التعليم يشكل خطراً حقيقياً على المجتمع، قائلاً: "يجب أن نبدأ من الأساس: التربية والتعليم"، في إشارة واضحة إلى أن إصلاح المجتمع يبدأ بإصلاح التعليم.

وفي سياق حديثه، قال مدير أمن عدن: "العام القادم نحن في الأمن بانلزم المدارس العامة أن تشتغل"، وهي عبارة أثارت جدلًا واسعًا، إذ توحي بتهديد المعلمين وإجبارهم على العمل، غير أن الواضح أن مدير الأمن خانه التعبير ووقع في خطأ تواصلي، إذ تحدث بلهجة يغلب عليها الطابع الأمني الحازم الذي اعتاده في عمله، إضافة إلى انفعاله وحرصه الشديد على عودة الدراسة، مما جعله يستخدم تعبيرًا غير دقيق. وعند قراءة هذه العبارة في سياقها الكامل، تتضح مقصديته، إذ عبّر اللواء عن رغبته في إنقاذ العملية التعليمية من حالة الشلل ووقف تداعياتها، وكان الأنسب أن يقول: "أمام هذا الوضع الكارثي وفي ظل تنصل وزارة التربية من مسؤولياتها، نأمل من المعلمين العودة إلى مدارسهم، ونحن سنقف معهم في تبني مطالبهم المشروعة". ومع ذلك تبقى نية اللواء واضحة في الحرص على استئناف الدراسة وحماية المجتمع من تداعيات توقفها. وقد عقد مقارنة لافتة بين وضع المعلمين في عدن والمعلمين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث أشار إلى أن المعلم هناك يواصل التدريس رغم عدم حصوله على راتب، بل يُجبر على العمل بالقوة، في إشارة منه إلى أن استمرار التعليم في أي ظرف يظل أولوية لا يجوز تعطيلها، وأنه لا يعقل أن تتوقف المدارس في عدن في ظل وجود رواتب، بينما في مناطق أخرى يستمر التعليم رغم انقطاع المرتبات.
ومع إدراك مدير أمن عدن لحساسية هذه المقارنة، فإن من المؤمّل أن يطرح بنفس الجدية قضية التدهور المعيشي للمعلمين أمام أصحاب القرار، وأن يطالب بإيجاد حلول حقيقية ومستدامة لتحسين أوضاعهم المعيشية، تجنبًا لأي تداعيات كارثية قد تنجم عن استمرار توقف التعليم، خاصة وأن بقاء المدارس مغلقة يهدد استقرار المجتمع ويزيد من خطورة الظواهر السلبية التي عبّر عنها في كلمته.

إن كلمة اللواء الشعيبي في مجملها حملت شجاعة كبيرة، ووضعت يدها على جرح التعليم النازف منذ سنوات، وربما كانت من المرات النادرة التي يخرج فيها مسؤول ليخاطب الرأي العام بهذه الصراحة، ناقدًا وزير التربية وقيادات الوزارة بشكل مباشر، معبّرًا عن ذلك بقوله: "أنا والله أتكلم بحرقة".
أما بخصوص نقابة المعلمين، فقد كان موقفها ــ بحسب عدد من المراقبين ــ غير موفَّق؛ إذ تمسكت بالإضراب دون أن تجد تجاوبًا من الحكومة، وكأن الأخيرة تتعمد شل التعليم العام وإجبار المواطنين على التعليم الخاص. وكان من الأولى بالنقابة انتهاج وسائل تصعيدية أكثر فاعلية، توقف عبث الوزارة ومشاريعها الوهمية التي تهدر عليها آلاف الدولارات دون أثر ملموس للطلاب والمدارس.

إن كلمة اللواء مطهر الشعيبي، رغم ما شابها من تعبير انفعالي، تعد جرس إنذار بالغ الأهمية لكل من يعنيه أمر التعليم في عدن وبلادنا عمومًا، وتكشف عن ضرورة معالجة ملف التعليم كأولوية قصوى تتشارك فيها الدولة، والمجتمع والنخب الفاعلة، حفاظًا على الأجيال ومستقبل البلاد.